لا تزال القوات العراقية تواجه تحديات جدية على مستوى خلايا وجيوب تنظيم "داعش"، المتناثرة شمالي البلاد وغربها. وعلى الرغم من تنفيذ وزارتي الدفاع والداخلية 12 حملة واسعة في محافظات نينوى والأنبار وديالى وصلاح الدين وضواحي بغداد منذ مطلع العام الحالي، إلا أن معدل اعتداءات التنظيم في تزايد أيضاً. ويبلغ عدد اعتداءات "داعش" 4 هجمات أسبوعياً، تتفاوت بين عبوات ناسفة وهجمات مسلحة، تقع غالبها ليلاً، وتؤدي إلى خسائر في صفوف قوات الأمن ومسلحي "الحشد الشعبي" وعناصر العشائر المتعاونة مع القوات الأمنية.
وشنّ مسلحو "داعش" منذ منتصف الشهر الماضي عدداً من الهجمات التي استهدفت وحدات الجيش في الطارمية شمالي بغداد، وحديثة غربي الأنبار، وفي مناطق من شمال شرقي ديالى وغرب كركوك وجنوب الموصل. وأسفرت تلك الهجمات عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 50 عنصراً من قوات الأمن و"الحشد الشعبي" ومواطنين، فضلاً عن خسائر مادية، وفقاً لمسؤول في قيادة العمليات العراقية المشتركة. وقال المسؤول لـ"العربي الجديد"، إن "الحاجة لا تزال قائمة لقوات التحالف الدولي في مجال التغطية الجوية، كونها تقلل خسائر القوات العراقية والمواطنين من هجمات التنظيم المباغتة". وأضاف أن التنظيم لجأ أخيراً إلى تفخيخ أوكار ومقرات له في الصحراء الغربية ومناطق جبلية شمالي العراق، وحتى سيارات تابعة، له تركها كطعم للقوات العراقية في الأنبار وكركوك. وبات يعتمد على هجمات ليلية وكمائن ينفذها بعد دراسة المنطقة والمكان جيداً، لمعرفة كيفية الهجوم وطريقة الانسحاب أيضاً، وهذا تطور نوعي بكل تأكيد".
تفخخ خلايا التنظيم الكهوف والمعدات التي تتركها خلفها
ولفت المسؤول إلى أن عمليات الكثير من فصائل وألوية "الحشد الشعبي" باتت تأخذ طابعاً استعراضياً، وهدفها توجيه رسائل سياسية في بعض الأحيان في تحركاتها في غرب العراق وشماله، المعروفة بانتشار خلايا التنظيم فيها. ونوّه إلى أن المهمة الآن في ملاحقة "داعش" تكاد تكون محصورة ببضع جهات، وهي جهاز مكافحة الإرهاب واستخبارات الجيش ووحدات قتالية في مناطق نشاط التنظيم. وتتلقى جميعها مساندة جوية من التحالف الدولي، سواء على مستوى الصور الجوية أو الضربات التي تنفذها مقاتلات التحالف، لضمان عدم مواجهة القوات العراقية صعوبة في التقدم داخل مناطق أنشطة التنظيم.
من جهته، قال رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، محمد رضا، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن هجمات "داعش" على القوات الأمنية "لم تتوقف منذ انتهاء معارك تحرير المدن من سيطرته ولغاية الآن". واعتبر أن ذلك "يدل على أن التنظيم لديه خطط للبقاء والانتشار أمام القطعات الأمنية في كافة الجبهات"، مؤكداً أنه يتركز حالياً في العراق بمناطق في "صلاح الدين والأنبار وديالى على وجه التحديد". وكشف أنه "قبل 3 أيام انفجر عدد من العبوات الناسفة مستهدفة قوات أمنية في مناطق عدة، ولا بد الآن من إيجاد صيغة لتأمين الحدود الفاصلة بين القوات العراقية والبشمركة (المناطق المتنازع على إدارتها شمالي العراق)". ورأى أنه "إذا لم يتم التنسيق بين البشمركة والجيش، سيبقى داعش يتنقل في أرض تعتبر فارغة، ويقوم بضرب القطعات الخاصة بالجيش والقوات الاتحادية". وذكر رضا أن القوات العراقية تتجه إلى الاعتماد على العمليات الاستخبارية بالدرجة الأولى، وليس الحملات العسكرية الواسعة، لأنها لا تجدي نفعاً مع انتشار خلايا وجيوب "داعش"، التي تمتلك عيوناً تلاحق تحركات الجيش، لذلك لم يحقق الجيش شيئاً.
في السياق، تحدث الرائد في الشرطة العراقية في محافظة الأنبار، عصام الحديثي، عن بدء استخدام "داعش" أسلوباً جديداً في مهاجمة القوات الأمنية العراقية في العمليات العسكرية في المناطق الصحراوية. وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الفترة الأخيرة شهدت تكتيكاً جديداً للتنظيم في المناطق الصحراوية والجبلية على حد سواء، من خلال زرع عبوات ناسفة وتفخيخ الكهوف في الصحراء، فضلاً عن تفخيخ السيارات والدراجات النارية وحتى معدات الطبخ وغيرها، التي يتركها في مناطق لسحب القوات العراقية إليها. وفي الفترة الأخيرة كانت هناك خسائر كبيرة، كما جرى في منطقة المدهم شرقي مدينة حديثة بالأنبار، حيث تم ترك سيارة وتفخيخها في أحد مقار التنظيم وخلال فحص قوات الأمن لها، انفجرت متسببة بسقوط قتلى وجرحى. وتكرر ذلك بعد يومين في صلاح الدين، مع مخبأ تابع لـ"داعش".
يسعى التنظيم للبقاء على كل الجبهات ضد القوى الأمنية
في المقابل، أكد عضو البرلمان، عباس الزاملي، أن القوات العراقية قدمت ضحايا وجرحى في حربها ضد "داعش"، التي تتطلب الكثير من العمل بسبب شراسة التنظيم وصعوبة الواقع الجغرافي للأرض، خصوصاً في مناطق الصحراء والجبال والكهوف والأنهار والغابات والقصبات. وأضاف الزاملي في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "باتت هناك استراتيجية جديدة لتنظيم داعش، لكن القوات المشتركة لديها إمكانية للاستمرار بالحد من خطر التنظيم وعدم السماح له بأن يوسع عملياته بشكل أكبر". وتابع أن المنجز الأهم هو أن التنظيم بات منبوذاً من كل العراقيين، وافتضاح أمره ووجوده مسألة وقت لا أكثر، كونه يعجز عن تجنيد عناصر جدد لصالحه.
وحول هجمات التنظيم الأخيرة في شمال العراق وغربه، قال الخبير في الشأن الأمني، سعد الحديثي، لـ"العربي الجديد"، إن هجمات التنظيم في الأسابيع الأخيرة تؤشر إلى تغيير واضح في طريقة الهجمات ونوعية الأهداف التي يقصدها مسلحو التنظيم، خصوصاً بعد الهجمات الأخيرة قرب بغداد. وهي خطة استنزاف للقوات العراقية، لإبقائها في حالة استنفار ومواصلة تقديم خسائر في صفوفها.
واعتبر أن إشراك رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لجهاز المخابرات مع القوات الأمنية في العمليات الخاصة لملاحقة التنظيم، جاء بنتائج جيدة في الآونة الأخيرة، لكن يبقى موضوع تحصيل المعلومات الاستخبارية هو التحدي الأكبر كونه مفتاح القضاء على بقايا "داعش". ورأى أن "تلك الهجمات تصب في صالح الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، التي تستخدمها لتبرير استمرار سيطرتها على مدن عدة في شمال وغرب البلاد والتسلط عليها".