قبل أشهر من الآن، لم يكن كثيرون يتوقعون أن يقف رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو على مسافة قريبة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المنافسة على رئاسة تركيا، غير أن نجاحه في حشد 6 أحزاب معارضة ضمن تحالف الشعب، ثم الحصول على دعم حزب الشعوب الديمقراطي، أكبر الأحزاب الكردية، عوامل وضعت كلجدار أوغلو في القصر الرئاسي.
وحقّق كلجدار أوغلو فوزًا هو الأول على أردوغان وتحالفه، بعدما خسر كل العمليات الانتخابية أمامه وحزبه 10 مرات منذ توليه رئاسة "الشعب الجمهوري" في عام 2010، مستغلًّا الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد وأزمة غلاء المعيشة بعد ارتفاع معدلات التضخم وانهيار قيمة العملة التركية.
الاقتصادي الذي تزعّم الشعب الجمهوري
وكلجدار أوغلو من مواليد منطقة ناظمية في ولاية تونجلي، وسط البلاد، في عام 1948، درس في أكاديمية العلوم التجارية والاقتصاد في أنقرة. وبعد تخرجه في عام 1971، عمل في وزارة المالية خبير حسابات حتى عام 1983، وانتقل بعدها إلى مديرية الدخل العام، وارتقى إلى أن أصبح نائب المدير العام.
وفي عام 1992 انتقل إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي حيث تولى إدارتها، وبعدها عمل نائب مستشار وزير العمل والضمان الاجتماعي. وفي عام 1994 اختارته مجلة "إيكونومي ترند" على أنه "بيروقراطي العام"، ليستقيل ويتقاعد في عام 1999.
بدأ كلجدار أوغلو عمله السياسي عام 1999 داخل الحزب اليساري الديمقراطي، قبل أن ينتقل إلى حزب الشعب الجمهوري
بدأ كلجدار أوغلو عمله السياسي عام 1999 داخل الحزب اليساري الديمقراطي، قبل أن ينتقل إلى حزب الشعب الجمهوري، ويُنتخب نائباً في البرلمان عن الحزب في 2002، واستمر عضواً في البرلمان إلى حين توليه زعامة الحزب في مايو/ أيار 2010 خلفاً للزعيم الراحل قبل أيام دنيز بايكال.
قبل توليه زعامة الحزب، ترشح لانتخابات بلدية إسطنبول في 2009، من دون أن ينجح، إلا أن نجمه بدأ يلمع. وقصة توليه رئاسة الحزب كانت جدلية، إذ استقال بايكال إثر فضيحة تسريب مشهد غير أخلاقي له، وقيل حينها عبر الإعلام من قبل أطراف مقربة من الحكومة إن إطاحة بايكال وتمهيد الطريق لكلجدار أوغلو قبيل انتخابات 2011 كانت بترتيب من جماعة الخدمة التي كانت متغلغلة في مؤسسات الدولة.
تمكّن كلجدار أوغلو من هزيمة جميع خصومه في الحزب، فيما لم يتمكن من الفوز في الانتخابات مطلقاً أمام أردوغان وحزب العدالة والتنمية منذ ترشحه لبلدية إسطنبول وتوليه رئاسة الحزب منذ عام 2010.
فقد فشل وحزبه أمام أردوغان و"العدالة والتنمية" في 4 انتخابات برلمانية (2011، 2015 مرتين، و2018)، ومرتين في انتخابات رئاسية (2014 و2018)، ومرتين في استفتاءات تعديلات دستورية (2010 و2017)، ومرتين في انتخابات محلية (2014 و2019). كما خسر كمرشح لبلدية إسطنبول في عام 2009 أمام مرشح "العدالة والتنمية" الراحل قدير طوباش.
توحيد صفوف المعارضة التركية
ومن أبرز ما أقدم عليه كلجدار أوغلو في السنوات السابقة قيادته مسيرة مشياً على الأقدام من أنقرة إلى إسطنبول في عام 2017 احتجاجاً على حكم قضائي بحق نائب برلماني عن حزب الشعب الجمهوري. وبحسب الحزب، فقد مشى كلجدار أوغلو 420 كيلومتراً في 25 يوماً.
ساهم كلجدار أوغلو في دخول الحزب الجيد إلى البرلمان التركي، من خلال ضم 15 نائباً من حزبه الشعب الجمهوري إلى الحزب الجيد في عام 2018، ليشكل الحزب الجيد لائحة مكنته من خوض الانتخابات ثم دخول البرلمان بعدها. وتحالف "الشعب الجمهوري" مع "الجيد" ضمن تحالف الشعب مع حزب السعادة والحزب الديمقراطي.
يحسب لكلجدار أوغلو حشده 6 أحزاب معارضة ضمن تحالف الشعب
ويحسب لكلجدار أوغلو حشده 6 أحزاب معارضة ضمن تحالف الشعب في الانتخابات الحالية، من بينها أحزاب إسلامية وقومية، وهي الشعب الجمهوري، والجيد، والمستقبل، والسعادة، ودواء، والديمقراطي. كما تمكن من الحصول على دعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.
ولعب كلجدار أوغلو على وتر الوضع الاقتصادي المتردي والسياسة الخارجية لمهاجمة أردوغان، متعهداً أيضاً بالعودة إلى النظام البرلماني، وأن يترك منصبه في حال فوزه بعد انتهاء ولايته لصالح جيل جديد من القيادات الشابة المتنوعة.
وقال في تصريحات لمجلة "تايم" الأميركية قبل الانتخابات: "أنا لست شخصاً لديه طموحات". وشدد على أن ما يريده هو "إعادة الديمقراطية" إلى تركيا، وبعد ذلك "التنحي جانباً واللعب مع أحفادي".
رغم ذلك، فقد كان التصويت، في حالات كثيرة، بمثابة استفتاء على استمرار أردوغان أكثر من كونه تأييدًا صرفًا لكلجدار أوغلو؛ فقد شابت الحملة الانتخابية للأخير إشكاليات كثيرة، منها التصريحات المتضاربة من قِبل حلفائه في تحالف الشعب، وغياب كاريزما جاذبة بعكس أردوغان، إضافة إلى اتهامات بالحصول على دعم من قبل حزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابياً في تركيا.
وحاول كلجدار أوغلو استمالة أصوات المحافظين والإسلاميين بالحديث عن مسيرة للتسامح مع هذه الفئات التي عانت مع حزب الشعب الجمهوري سابقاً، وطرح مشروع قانون لحل نهائي لمسألة الحجاب. وأعلن بعد ترشحه أنه من الطائفة العلوية ويعتز بدينه الإسلامي، الأمر الذي أثار جدلاً بعد تجاوز تركيا في السياسة الحديث عن المذاهب والأقليات.
"يساري ديمقراطي" بخطاب أتاتوركي
ويشرح الكاتب والصحافي غونغور يافوز أصلان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن كلجدار أوغلو "يمثل منذ فترة طويلة اليسار الديمقراطي الاجتماعي داخل حزب الشعب الجمهوري"، لافتاً إلى أن "من نقاط قوته أنه يمتلك خطاباً أتاتوركياً، ويحظى بدعم كتلة تعادل 25 في المائة من المجتمع التركي".
يُتهم كلجدار أوغلو بأنه خالف مبادئ حزبه بالتحالف مع أحزاب تختلف معه عقائدياً
لكن أصلان أشار إلى أن كلجدار أوغلو "خالف مبادئ حزب الشعب الجمهوري ومعتقداته وثوابته في عملية جمعه للطاولة السداسية والتحالف مع أحزاب لا تتوافق مع هذه المبادئ، ما شكل خللاً في قواعد الحزب، كما كان لافتًا لجوؤه لحملات انتخابية مشتركة مع زعماء الأحزاب السياسية المتحالف معها، وليس وحده، وهم سيكونون نوابه في حال فوزه بالانتخابات".
ويعزو الباحث في الشؤون التركية طه عودة أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، الفرصة الكبيرة التي حظي بها كلجدار أوغلو هذه المرة إلى "أن هناك معارضة متحدة تحت مظلة واحدة، ساهمت بشكل كبير في الانتخابات والسباق الانتخابي الحالي، مع وجود مواضيع اقتصادية أدت إلى تراجع شعبية الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية".
وأضاف أن "نقاط قوة كلجدار أوغلو متعلقة بالظروف التي مرت بها تركيا، واستغلها ودفع لتوحيد المعارضة، إضافة إلى حصوله على دعم من الأكراد".
لكنه رأى أن مرشح المعارضة "لا يملك الإنجازات ولا الكاريزما والقوة التي يملكها أردوغان، كما أن الوعود التي قطعها كلجدار أوغلو للناخبين غير واقعية حسب المقربين وعدد كبير من العامة في الشارع التركي، عكس أردوغان الذي أرفق كل حملاته الانتخابية وتجمعاته بمشاريع أنجزت على أرض الواقع".