كواليس الجولة "الفاشلة" من مفاوضات سد النهضة

26 سبتمبر 2023
عمال في سد النهضة، فبراير 2022 (أمانويل سيليشي/فرانس برس)
+ الخط -

انتهت مفاوضات العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بين مصر وإثيوبيا والسودان، بشأن سد النهضة، بحلقة جديدة من الفشل، تنضم إلى حلقات كثيرة سابقة، وسط تشدد ومماطلة إثيوبيين بشأن المطالب المصرية الخاصة بالتوصل إلى اتفاق قانوني تلتزم بموجبه أديس أبابا بتنظيم عملية الملء والتشغيل بالتنسيق مع الخرطوم والقاهرة.

وانتهى مساء أول من أمس الأحد، الاجتماع الوزاري الثلاثي بشأن أزمة السد، الذي عقد في أديس أبابا يومي 23 و24 سبتمبر/أيلول الحالي، بمشاركة وفود التفاوض من مصر والسودان وإثيوبيا.

شدّد الوفد الإثيوبي على أن بلاده ترفض التوقيع على أي وثائق أو بنود ملزمة

وكشف مصدر مصري مطلع على المفاوضات، لـ"العربي الجديد"، أن "أديس أبابا رفضت مجموعة من الطروحات التي سبق وتمّ تناولها في أبوظبي بين الوفود الفنية من الدول الثلاث".

سدّ النهضة... إثيوبيا ترفض الحلول الوسط

وأضاف المصدر أن "الوفد الإثيوبي رفض القبول بحلّ وسط طرحته القاهرة بشأن إمكانية التوقيع على وثيقة تمهيدية، تضمنت تنازلاً مصرياً، بأن تلتزم بالحد الأدنى من الحصة المصرية المنصرفة من السد". ولفت إلى أن تلك الوثيقة "ستكون بمثابة مرحلة من مراحل التفاوض يتم لاحقاً استكمال تفاصيلها في ما يخص حجم الحد الأدنى الذي تلتزم به إثيوبيا تجاه مصر". لكن المصدر أكد أن "الوفد الإثيوبي رفض هذا الطرح"، مشدداً على أن بلاده "ترفض في الأساس التوقيع على أي وثائق أو بنود ملزمة".

وكشف المصدر المصري عن "رفض إثيوبيا التعهد بأي التزامات متعلقة بمراحل الملء المقبلة، والتي من المقدر أن يتم خلالها تخزين قرابة الـ33 مليار متر مكعب من المياه". وأوضح المصدر أن "الوفد الإثيوبي أكد خلال الاجتماعات الأخيرة، أن هناك لجاناً فنية إثيوبية هي من تقدر حجم المياه التي سيتم تخزينها خلال كل مرحلة من مراحل الملء من منطلق ما يتوفر لديها من معلومات خاصة بحجم الإنشاءات، وحجم المياه خلال موسم الفيضان".

وأوضح المصدر المصري، أن الوفد الإثيوبي "عرض خلال الاجتماعات الأخيرة في أديس أبابا، الوفاء بالتعهد الذي قدمه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد خلال لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يوليو/تموز الماضي)، بالتوصل لاتفاق خلال مدة أربعة أشهر، وذلك عبر إعلان التوصل لإطار عمل بين الدول الثلاث من دون أن يكون في صيغة اتفاق ملزم". وأضاف المصدر أن "المسؤولين في أديس أبابا، اقترحوا أن يتضمن الاتفاق، مجموعة من القواعد العامة التي تغطي الملاحظات المصرية، من دون التزامات تمسّ السيادة الإثيوبية، وفقاً لما طرحه الوفد الإثيوبي".

وحول إمكانية اللجوء مجدداً إلى مجلس الأمن الدولي، استبعد دبلوماسي مصري تلك الخطوة، قائلاً إنه "بعد البيان الأخير لمجلس الأمن بشأن الأزمة، وإحالتها إلى الاتحاد الأفريقي، سيكون من الصعب إعادة طرح الأمر مجدداً على المجلس، كما أن الظرف الدولي الراهن سيفقد تلك الخطوة قيمتها في ظلّ انشغال القوى الدولية بقضايا أكثر إلحاحاً".

وفي أعقاب الاجتماع الذي انعقد في أديس أبابا، أعلنت مصر عبر وزارة الري، "فشل الجولة الجديدة في التوصل إلى اتفاق"، مؤكدة في الوقت ذاته "تراجع أديس أبابا عن توافقات سبق وأن تم التوصل إليها".

وذكر المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية أن "الجولة التفاوضية المنتهية لم تسفر عن تحقيق تقدم يُذكر". وقال إنها "شهدت توجهاً إثيوبياً للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، مع الاستمرار في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة وكذا الترتيبات الفنية المتفق عليها دولياً، والتي من شأنها تلبية المصالح الإثيوبية اتصالاً بسد النهضة من دون الافتئات على حقوق ومصالح دولتي المصب".

وأضاف المتحدث باسم وزارة الري المصرية أن "الوفد التفاوضي المصري يستمر في التفاوض بجدية بناء على محددات واضحة؛ تتمثل في الوصول لاتفاق ملزم قانوناً على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، على النحو الذي يحفظ مصالح مصر الوطنية ويحمي أمنها المائي واستخداماتها المائية، ويحقق في الوقت ذاته مصالح الدول الثلاث بما في ذلك المصالح الإثيوبية المعلنة".

خيارات محدودة أمام القاهرة

وفي السياق، قالت خبيرة النزاعات المائية المصرية، هالة عصام الدين، لـ"العربي الجديد": "بالطبع مصر تبذل قصارى جهدها في المفاوضات، مع طرف متعنت وهو إثيوبيا، ولا بد من الاستعانة بخبراء القانون الدولي، لمعرفة ما هو المتاح لمصر من خيارات، للحلول القانونية الملزمة". وأضافت أن "الحلول والخيارات أصبحت قليلة، مع وجود سد ضخم ممتلئ".

من جهته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير رخا أحمد حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه من الواضح أن الطرف المتعنت هو إثيوبيا، التي لا تريد توقيع اتفاق قانوني ملزم، يتضمن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة خصوصاً في فترات الجفاف المؤقت أو الجفاف الممتد، وسبق أن حدث جفاف ممتد لمدة 8 سنوات في السبعينيات من القرن الماضي ولم يكن سد النهضة موجوداً".

وأضاف: "لذا تتمسك مصر بتوقيع اتفاق قانوني، بينما تتمسك إثيوبيا بترك الأمور للظروف، وهذا أمر مرفوض تماماً من جانب مصر، لأن مياه النيل التي تمثل أكثر من 90 في المائة من مصادر المياه في مصر، هي مصدر حياة مصر وشعبها".

عرضت أديس أبابا التوصل إلى إطار عمل بين الدول الثلاث من دون أن يكون في صيغة اتفاق ملزم

وأكد حسن أن "الحل هو الاستمرار في المفاوضات، وممارسة الإقناع لإثيوبيا بأن تقبل التوقيع على اتفاق قانوني ملزم يؤمن لمصر حصتها من مياه نهر النيل". وتابع: "مصر لم تستنفد بعد كل خطواتها ومساعيها لحل الأزمة، وستستمر في بذل كل الجهود من أجل ضمان حقوقها في مياه نهر النيل، وفقاً للقانون الدولي المنظم للأنهار الدولية ومنها نهر النيل".

من جهتها، قالت خبيرة الشؤون الأفريقية، نجلاء مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "رغم استئناف المفاوضات، إلا أن هناك جموداً يسيطر على كافة الأطراف، ورغم الأجواء الإيجابية التي صاحبت زيارة أبي أحمد إلى القاهرة في يوليو الماضي، إلا أن نتائج الجولة الأولى كانت من دون تغييرات ملموسة من الجانب الإثيوبي، ومن جانب آخر هناك حديث حول حق إثيوبيا في حصة من مياه النيل، والحقيقة أن وزارة الري المصرية أعلنت أنه لا توجد أي تغييرات في موقف إثيوبيا بل أنها تسعى إلى أن تكون نتائج المفاوضات، مبنية على الاستخدام المنصف والمعقول للمياه وتضمن حصة عادلة لها".

وأضافت مرعي أن "المفاوضات تركز على سدّ النهضة فقط، وهناك تناقض بين زيارة أبي أحمد إلى القاهرة، وبين تصريحات وزارة الري المصرية، بعدم وجود تغير في الموقف الإثيوبي". ورأت أن "هذا يؤكد أن هناك إصراراً إثيوبياً على عدم الوصول إلى اتفاق ملزم، وأن أديس أبابا تريد فقط قواعد استرشادية في الملء والتشغيل، والدليل على ذلك أنها أعلنت مع جولة المفاوضات أنها تسعى إلى الوصول إلى اتفاق ودي يكون غير ملزم ودون صفة قانونية".

وتابعت: "الخلاف الرئيسي هو الاختلاف في أجندة كل طرف في المفاوضات. أديس أبابا تتمسك بتحديد حصة لها في مياه النيل، ما يؤدي إلى تقليل حصة مصر والسودان بشكل مباشر، والأجندة الإثيوبية لا ترتبط بتوليد الكهرباء من سد النهضة، بل تريد إقحام تقاسم المياه في أجندة المفاوضات، رغم أن هذا الملف غير موجود في اتفاق المبادئ 2015".

المساهمون