استبعدت مصادر حكومية مصرية بمجلس الوزراء أن تصدر قرارات قريبة بالإغلاق الكلي أو الجزئي لبعض الأنشطة الاقتصادية والتعليمية في مصر، حتى مع الزيادة المضطردة في عدد الإصابات بفيروس كورونا، ووجود بوادر لأزمات عميقة ربما يعجز معها القطاع الطبي الحكومي - وحتى بمساعدة القطاع الخاص - عن التصدي للموجة الثانية من الجائحة. ودفعت آثار هذه الموجة المتسارعة وزارة التربية والتعليم إلى الإعلان، مساء أول من أمس الأحد، عن إلغاء قراراتها السابقة باستكمال الفصل الدراسي الأول بالحضور الكامل للطلاب إلى شهر فبراير/ شباط المقبل، وقالت إن الحضور لم يعد إلزامياً، مع إنهاء الفصل الدراسي مبكراً في العاشر من شهر يناير/ كانون الثاني المقبل.
وقالت المصادر بعد ساعات من صدور هذا القرار، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن هناك قراراً سياسياً متخذاً من قبل رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي ودائرته، مدعوماً من المخابرات العامة والأمن الوطني، بأنّ مصر لن تفرض الإغلاق بصورة تماثل ما حدث بين شهري مارس/ آذار ويوليو/ تموز الماضيين، لمنع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وفقدان المواطنين وظائفهم المؤقتة والأعمال غير المؤمن عليهم فيها، فضلاً عن اعتماد الحكومة بشكل أساسي على الرسوم والضرائب المؤداة من المستثمرين والسائحين وشركات السياحة والطيران والمدارس الخاصة والدولية، ولا يمكن التضحية بتلك المكتسبات المالية من وجهة نظر النظام.
رسالة للوزراء من السيسي تتلخص في تحميل المواطنين مسؤولية تنفيذ الإجراءات الاحترازية
وأضافت المصادر أنه حتى مع الزيادة الكبيرة المتوقعة في عدد الإصابات بين نهاية الشهر الحالي والأسبوع الأول من شهر يناير/ كانون الثاني المقبل، وفق تقارير سرية حكومية نشر "العربي الجديد" تفاصيلها الأسبوع الماضي، فإنّ الرسالة الأساسية التي وصلت للوزراء من السيسي منذ يومين تتلخص في تحميل المواطنين مسؤولية تنفيذ الإجراءات الاحترازية، كل في مجال عمله أو نشاطه، ولكن من دون أن يؤثر هذا الأمر بالسلب على بقاء جميع الأنشطة القائمة تعمل في سياقها الطبيعي.
وأشارت المصادر إلى أنّ الرئاسة أبلغت رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزراء النقل والكهرباء والسياحة بالاستعداد لأن يجري السيسي زيارات ميدانية لعدد من المشروعات المرفقية خلال ما تبقى من الشهر الحالي، وهو ما سيعتبر رسالة طمأنة بعدم الإقدام على وقف أي أعمال.
وذكرت المصادر أنّ وزير التعليم طارق شوقي أبلغ، صباح أمس، ممثلي المدارس الخاصة والدولية بحرية الحركة في إلغاء الحضور للطلاب أو الإبقاء على الحضور الاختياري، كما ستكون الحال في المدارس الحكومية، ولكنه طمأنهم بعدم وجود أي نوايا لدى الحكومة لإلغاء الدراسة تماماً، أو حتى منع الحضور نهائياً، كما حدث في الموجة الأولى من الجائحة. وهو ما سيوفر على أصحاب المدارس بطبيعة الحال دخولهم في مواجهات مع أولياء الأمور الذين يطالبون باسترداد أموالهم حال وقف الدراسة أو تعثرها، وفي المقابل سيحتم عليهم العودة إلى البحث عن طرق لتدبير استكمال الدراسة عن بعد، سواء عبر المنصات الإلكترونية التفاعلية أو مقاطع الفيديو أو الاكتفاء بالقنوات التعليمية الحكومية.
وعلى صعيد السياحة، فقد أكدت الوزارة للغرف السياحية المختلفة أنها لن تتدخل لوقف أي نشاط، عدا بعض الحفلات بعدد محدود من المناطق في فترة رأس السنة. مع التحذير من عودة لجان التفتيش إلى العمل الدوري مع بدء الموسم السياحي والترفيهي الشتوي، خصوصاً في محافظات جنوب سيناء والبحر الأحمر وأسوان والأقصر، ولا سيما أنه على الرغم من تشديد الإجراءات الحمائية في المنشآت السياحية قياساً بباقي المصالح الاقتصادية، فإنّ تلك المحافظات كانت أولى المناطق التي شهدت انتشار الفيروس المستجد في مصر نهاية الشتاء الماضي. كما أنه لا توجد ثمة قيود على الحركة من تلك المحافظات وإليها بالنسبة للسائحين حالياً، على الرغم من سابقة صدور قرارات وزارية باتخاذ إجراءات للعزل الصحي لتلك المناطق لحمايتها، لم تنفذها السلطات منذ تراجع عدد الإصابات في نهاية يوليو/ تموز الماضي.
وفي السياق نفسه، قال مصدر في الأمن العام بوزارة الداخلية، لـ"العربي الجديد"، إنه على الرغم من بالونات الاختبار الإعلامية التي تطلق عبر القنوات الموالية للنظام وصفحات التواصل الاجتماعي، فإنّ التقارير والتعليمات الأمنية لجميع محافظات الجمهورية تؤكد استمرار العمل بصورة طبيعية في مختلف الأنشطة، من دون توقف جزئي أو كلي. وكشف المصدر عن عدم صدور أي تعليمات جديدة بتشديد التعامل مع المصانع أو أماكن العمل أو المرافق التي تتساهل في تطبيق الإجراءات الاحترازية.
لا تعليمات جديدة بتشديد التعامل مع المتساهلين بتطبيق الإجراءات الاحترازية
وأوضح أنّ أماكن العمل والتجمعات التابعة لوزارة الداخلية، مثل السجل المدني والأقسام والتخشيبات (مقرات احتجاز)، تخضع لتفتيش مستمر بشأن التدابير الاحترازية، لكنه في الوقت نفسه "أقل انضباطاً من أشهر الموجة الأولى"، مضيفاً "غير أنّ السجون يكون لها وضع خاص دائماً بإجراءات أكثر قسوة من باقي الأماكن".
وتابع المصدر الأمني أنّ وزارة الصحة خاطبت وزارة الداخلية رسمياً، الأسبوع الماضي، بعد فشل طرح الموضوع في مجلس الوزراء بصورة مثمرة، لضرورة إنهاء حالة الإهمال المستمر من قبل الشرطة والجهات الرقابية الأخرى في تنفيذ الإجراءات الاحترازية، وتطبيق العقوبات المقررة على المواطنين الذين يتجاهلون ارتداء الكمامات في وسائل المواصلات العامة، وكذلك الأماكن العامة المغلقة التي تسمح بمثل هذه المخالفات. إذ رصدت فرق وزارة الصحة في حملاتها التفتيشية غير المنتظمة للمطاعم والمقاهي والمناطق السياحية والصناعية تجاهلاً متزايداً لتعليمات السلامة والتباعد الاجتماعي والإجراءات التي تضمنها البرنامج الذي أعدته الوزارة للتعايش مع كورونا والذي لم يتم اعتماده رسمياً، وأخذت منه الحكومة بنوداً محدودة، استجابةً لضغوط مارستها بعض الجهات نظراً لما ستتكلفه من أموال طائلة تفوق ميزانياتها في تطبيق بعض البنود، مثل الإلزام بارتداء الكمامات، وشراء المواد المطهرة، وزيادة المركبات الخاصة بنقل العمال، وتخصيص أماكن داخل المنشآت كعيادات وأماكن للعزل.
ومنذ شهر ونصف الشهر، قالت مصادر حكومية إن النقاشات التي سبق ودارت في لجنة مكافحة كورونا، عطلت اهتمام الوزراء بما جاء في تقارير وزارة الصحة التي تحذر من كارثة إذا ما توحشت مؤشرات الموجة الثانية من الجائحة. إذ أكد ممثلو وزارة الداخلية والمخابرات في اللجنة ضرورة التعامل "بروية" مع المواطنين وأصحاب المصالح الاقتصادية، تحسباً لإمكانية حدوث انفجار اجتماعي نتيجة ضعف الدخول واحتياج المواطنين للوظائف والعمل في أشغال عدة يومياً، وخصوصاً أنّ بعض القطاعات التي تضررت من فترة التوقف الأولى بسبب الجائحة، لم تتعاف حتى الآن من آثار ضعف الموارد، وقرارات فصل واستبعاد مئات الآلاف من العمال المؤقتين.
وزارة الصحة خاطبت وزارة الداخلية لضرورة إنهاء حالة الإهمال بتنفيذ الإجراءات الاحترازية
كما دخل على الخط في النقاشات وزراء المجموعة الاقتصادية، وبصفة خاصة وزير المالية محمد معيط، الذي حذر من انتكاسة كبرى في حجم تدفق النقد الأجنبي اليومي وقدرة الحكومة على التعامل مع آثار الأزمة إذا فُرضت تدابير، من بينها وقف الرحلات الجوية أو تقييد الانتقال بين المدن الساحلية على البحر الأحمر والقاهرة والأقصر وأسوان، وحتى وقف الاحتفاليات الثقافية والفنية المقررة، والتي كان من بينها مهرجان الموسيقى العربية ومهرجانا القاهرة والجونة السينمائيان الدوليان. وقد نتج عن هذه المهرجانات عدد كبير من الإصابات وحالات الاشتباه بفيروس كورونا.
وحتى مساء أول من أمس، الأحد، بلغ العدد الإجمالي لحالات الإصابة بمصر 125555، بينما بلغ عدد الوفيات 7098، لتنخفض نسبتها إلى 5.66 في المائة من إجمالي الإصابات. كما ارتفعت حالات الشفاء إلى 106817، وفق ما أعلنته الوزارة.