- استطلاعات الرأي تكشف عن انقسام بين اليهود الأميركيين حول تفسير الصهيونية، مع ظهور جيل جديد من الطلاب اليهود المناهضين للصهيونية، مما يدل على تحول في الرأي العام داخل المجتمع اليهودي الأميركي.
- الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والدعوات لدولة ثنائية القومية تسلط الضوء على الحاجة لإعادة تقييم الصهيونية كأيديولوجية، مع التأكيد على العدالة والمساواة كأساس للسلام الدائم، مما يعكس تغيرًا في الوعي العالمي تجاه الصراع.
في الوقت الذي دفعت فيه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى تصاعد الانتقادات لتل أبيب، برزت نقاشات حول ماهية الحركة الصهيونية، لا سيما بين أوساط الشباب الأميركي، مع تصاعد الاحتجاجات في الجامعات وانتقال النقاش إلى منصات التواصل الاجتماعي. وهكذا أصبحت كلمة الصهيونية مرادفة بشكل أكثر وضوحاً للعنف والقمع. ويرى جوناثان غير، محرر في مجال السياسات الخارجية، في مقال له صدر اليوم الأحد بصحيفة ذا غارديان البريطانية، إنها المرة الأولى التي أصبح فيها المنظور الفلسطيني للصهيونية يحتل مركز الصدارة في الخطاب السائد.
الصهيونية رمز العنف والقمع
لطالما تفاخر الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه صهيوني، وأعاد تأكيد ذلك بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ولكن مع الاحتجاجات الطلابية الحالية في جامعات أميركية أصبحت كلمتا "صهيوني" و"صهيونية" شعاراً مهيناً ورمزاً للسياسة العنيفة التي تتبناها إسرائيل في حربها على غزة. وتشير صحيفة ذا غارديان إلى أن معارضي الحرب على غزة أصبحوا يستخدمون كلمة "صهاينة" لوصف مؤيدي إسرائيل بشكل أكثر تواتراً على وسائل التواصل الاجتماعي، بل إن بعض المخيمات الجامعية وضعت لافتات كُتب عليها "ممنوع دخول الصهاينة".
يقول الطلاب المشاركون في الاحتجاج إنهم ينتقدون الصهيونية بسبب دورها في سياسات التهجير والتطهير العرقي الذي تنتهجه إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني. وعن ذلك يقول الناشطون المؤيدون لإسرائيل في دفاعهم عن مصطلح الصهيونية، بحسب ذا غارديان، إن الأشهر الستة الأخيرة كشفت أن "عدداً كبيراً من طلاب جامعة كولومبيا لا يفهمون معنى الصهيونية"، وكتبت مجموعة مكونة من أكثر من 500 طالب من الجامعة مؤخراً "نحن فخورون بأننا صهاينة".
وعادت الأيديولوجية المؤسسة لـ"دولة إسرائيل" في أواخر القرن التاسع عشر إلى النقاش في ظل الحرب على غزة، وما حملته من مشاهد صادمة في وحشيتها وعنفها، ويظهر جلياً أنه لا يوجد معنى يتفق عليه الجميع. ويؤكد الطلاب، بحسب الصحيفة، على ما يعتبرونه الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية لرؤية تيودور هرتزل، الذي أطلق في عام 1897 المؤتمر الصهيوني الأول، وجاء مشروعه لإقامة وطن جديد لليهود "كرد فعل على معاداة السامية العنيفة المتفشية في أوروبا (..) وأصبح ملتزماً بدولة يهودية في فلسطين"، التي وصفها بأنها "معقل للحضارة في مواجهة الهمجية".
وبحسب ذا غارديان، فإن التحول في الآراء حول الصهيونية أصبح مربكاً للعديد من الأميركيين اليهود الذين يصف 58 بالمائة منهم أنفسهم بالصهاينة، وفقًا لمسح أجرته عالمة السياسة بجامعة كارلتون ميرا سوشاروف عام 2022. وتشير الصحيفة إلى فهم مختلف للمصطلح في أوساط اليهود الأميركيين، حيث ترى الأغلبية أن الصهيونية تعني الارتباط بإسرائيل (حوالي 70 بالمائة) ونفس العدد تقريباً يرونها إيماناً بإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية (72 بالمائة)، بينما تصفها أقلية صغيرة بأنها "تفضيل للحقوق اليهودية على حقوق غير اليهود في إسرائيل" (10 بالمائة). أما بالنسبة للشعب الأميركي بشكل عام فتُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن الكثيرين منهم لا يعرفون هذا المصطلح.
ولا يؤمن غالبية الفلسطينيين بإمكانية العيش بكرامة في ظل الصهيونية المسؤولة عن تهجيرهم الأول في 1948 من أراضيهم، واستمرت في تهجيرهم منذ ذلك الحين. وتنقل ذا غارديان عن ساري مقدسي، أستاذ اللغة الإنكليزية والأدب المقارن في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، قوله "عندما يفكر الناس في الصهيونية الآن، فإنهم ينظرون إلى غزة"، ويجدون أنها تعني إقامة "دولة حصرية عرقياً" ويصفها بـ"القبيحة".
وعن انتشار المنظور الفلسطيني للصهيونية في أوساط الطلاب، تقول سيمون زيمرمان، المديرة الإعلامية لمنظمة تحالف الشتات، منظمة دولية تركز على مكافحة معاداة السامية، "إن عدداً كبيراً من الشباب، بمن في ذلك الشباب اليهود، يستمعون إلى أصدقائهم وزملائهم الفلسطينيين الذين يقولون: هذا ما تعنيه الصهيونية بالنسبة لنا"، وهذا ما يفسر كيف أصبحت مصطلحات مثل "الدولة العرقية" و"التفوق اليهودي" و"الاستعمار الاستيطاني" محورية في الاحتجاجات.
على حساب الفلسطينيين
تبنت العديد من المنظمات اليهودية في أميركا العقيدة الصهيونية بعد الهولوكوست. وتشير ذا غارديان إلى أن علاقات اليهود الأميركيين تعمّقت مع إسرائيل بشكل خاص بعد حربي 1967 و1973. وفي تلك الحقبة، رأى اليهود الأميركيون إسرائيل باعتبارها معقلاً للقيم الليبرالية، وحشد المجتمع اليهودي الأميركي جهوداً خيرية هائلة لدعم إسرائيل، وقامت معظم برامج التعليم اليهودي والمعابد اليهودية والمجموعات المجتمعية بتعليم الصهيونية باعتبارها مرادفة لليهودية.
وفي الوقت ذاته، كانت هناك دائماً مجتمعات يهودية رفضت الصهيونية، من الشيوعيين العلمانيين إلى فروع اليهود الأرثوذكس. وحالياً أصبح الطلاب اليهود المناهضون للصهيونية أكثر وضوحاً ولعبوا دوراً كبيراً في الاحتجاجات ضد الحرب الإسرائيلية على غزة. وتشير ذا غارديان إلى أن الصوت اليهودي من أجل السلام كان واضحاً في الاحتجاجات التي أخرت خطاب بايدن عن حالة الاتحاد في مارس/آذار الماضي. وأشار جاي سابر، العضو في حركة الصوت اليهودي للسلام، إلى أن الحركة تقوم أيضاً ببناء "مجتمع يهودي مناهض للصهيونية، مجتمع يهودي يتجاوز الصهيونية".
ورغم أن هذه الآراء لا تزال تمثل نسبة صغيرة نسبياً من الرأي العام الأميركي، لكن المتظاهرين فرضوا حواراً جديداً حول علاقة الأميركيين اليهود بإسرائيل. وتضيف الصحيفة أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة أدى إلى تحويل الحوار إلى اليسار الذي ينظر على نحو متزايد إلى الصهيونية باعتبارها ضرورة أساسية لفهم أسباب الصراع العربي الإسرائيلي، والحرب على غزة باعتبارها نتيجة منطقية للصهيونية.
أثبتت السنوات السابقة رفض الحكومات الإسرائيلية المتوالية حل الدولتين، ولطالما تسببت السياسات الإسرائيلية في الإحراج للصهاينة الليبراليين الذين يدافعون عن إسرائيل بوصفها جنة الديمقراطية والمساواة. وكتب بيتر بينارت، الذي تصفه صحيفة غارديان بأنه مثقف صهيوني في عام 2020 "الحقيقة المؤلمة هي أن المشروع الذي كرس له الصهاينة الليبراليون (مثلي) أنفسهم لعقود من الزمن وهو دولة للفلسطينيين منفصلة عن دولة لليهود، قد فشل. لقد حان الوقت للصهاينة الليبراليين أن يتخلوا عن هدف الفصل اليهودي الفلسطيني، وتبنّي هدف المساواة اليهودية الفلسطينية".
ولكن هل يمكن فصل إسرائيل عن الصهيونية؟ يقول الدكتور مقدسي في الإجابة عن ذلك "من حيث المبدأ، لا أحد لديه اعتراض على أن يكون للشعب اليهودي دولة، لكن المشكلة هي أين تكون لهم هذه الدولة؟ وبأي ظروف ومن سيطالب بدفع ثمن ذلك؟". مؤكداً: "ليس للشعب اليهودي حق يفوق حقوق الشعب الفلسطيني". ويعتقد العديد من المتظاهرين أن دولة ثنائية القومية تتمتع بحقوق متساوية للفلسطينيين هي السبيل الوحيد للمضي قدماً. وتنقل ذا غارديان عن ألي راياف، طالب بكلية الحقوق في جامعة هارفارد كان يحتج في معسكر الجامعة، قوله: "توصل الناس إلى استنتاج مفاده أن الإصلاح لم ينجح، وأن العمل الجذري هو الحل لإحداث تغيير من أجل عالم عادل وسلمي".
وتشير الصحيفة إلى أن العديد من اليهود الأميركيين يشعرون بأنهم يتعرضون للهجوم بسبب الاهتمام بالصهيونية في الوقت الحالي. لكن الباحثين الفلسطينيين يقولون إن الصهيونية التي وضعتها حركة الاحتجاج في المركز هي ببساطة أيديولوجية دولة إسرائيل العلنية، التي تؤكد هيمنة اليهود على الأرض، وقال مقدسي: "إن الصهيونية كما تُمارس ليست فكرة مجردة. لقد حدث ذلك في أرض فلسطين وعلى حساب (وما زال يحدث على حساب) الشعب الفلسطيني".