استجابة لضغوط من الكونغرس، قررت الإدارة الأميركية، عدم تجديد الرخصة العامة، التي عُلقت بموجبها العقوبات على النظام السوري، عقب الزلزال المدمر في فبراير/ شباط الماضي.
وقال محمد غانم، عضو التّحالف الأميركي لأجل سورية، على حسابه في "تويتر": "أخطرت الحكومة الأميركية الكونغرس الأميركي رسمياً استجابتها لمطالباتهم، وعزمها عدم تجديد الرخصة العامة رقم 23، التي عُلّقت بموجبها العقوبات على نظام الأسد عقب الزلزال في شهر فبراير/ شباط، والتي تنتهي صلاحيتها في 8 أغسطس/ آب العام الجاري، وبذلك تعود العقوبات الأميركية على النظام إلى سابق عهدها قبيل وقوع الزلزال".
واعتبر غانم أن ذلك بمثابة "نكسة سياسية لنظام الأسد وحلفائه، الذين طالبوا برفع العقوبات عنه طيلة الأشهر الماضية، وانتصاراً لجهود العمل السياسي لمنظّمات الجالية السورية الأميركية في واشنطن".
مناكفات روسية أميركية
وقال الباحث علي عبد المجيد، من مركز عمران للدراسات، لـ"العربي الجديد"، إن الاستثناءات التي أقرتها الإدارة الأميركية وقت الزلزال، "كانت تحت ضغط أخلاقي وإنساني، من أجل الاستجابة لحالة إنسانية مع عدم وضوح حجم الضرر". ورأى عبد المجيد أن إيقاف هذه الاستثناءات يأتي ضمن "سياق المناكفات بين الروس والأميركيين، بعد قرار الروس باستخدام الفيتو ضد مسألة المساعدات".
وبشأن كيفية انعكاس الخطوة الأميركية على النظام السوري، قال عبد المجيد إن هذه الاستثناءات "جرى استغلالها وتسييسها بشكل سيء لتمرير مشاريع من قبيل إعادة التطبيع والتعافي المبكر، بهدف إعادة إنعاش النظام المتهالك والمنهار اقتصادياً واجتماعياً"، معتبراً أنها كانت عبارة عن إعطاء "جرعات مالية للنظام السوري، تحت غطاء استثناءات إنسانية، وحقيقة المتضرر الأكبر منها هو دعاة التطبيع والدول الراعية للتطبيع التي تحاول تمرير المشاريع تحت بند الاستثناء".
ولفت الباحث السوري إلى أن "النسبة الأكبر من المساعدات المقدمة عبر شحنات الطائرات ذهبت لحاضنة النظام من مليشيات وعسكر وهياكل النظام الأمنية".
وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، قد أصدر رخصة عامة تسمح بإجراء المعاملات المتعلقة بإيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية على خلفية كارثة الزلازل.
ومنحت الرخصة إعفاء لجميع المعاملات المتعلقة بتقديم المساعدات عقب الزلزال، التي كانت محظورة بموجب لائحة العقوبات المفروضة على النظام لمدة 180 يوماً لمساعدة المتضررين تنتهي في 8 من الشهر الجاري.
وحاول النظام وروسيا الاستفادة من أجواء التعاطف الدولي مع ضحايا الزلزال للحصول على مزايا اقتصادية وسياسية تسهم في إعادة تعويم النظام، دون أن تتكلل تلك الجهود بنجاح ملحوظ.
ويقول "التحالف الأميركي من أجل سورية"، وهو إطار لمنظمات سورية - أميركية تعدّ من أبرز جماعات الضغط السورية في واشنطن، أنه رغم كون الاستثناء الأميركي هدفه أساساً تسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية، فإنه يسمح فعلياً بالمعاملات غير المقيدة مع نظام الأسد وحلفائه، بما يمكّن النظام من تحويل الأموال لدعم آلته الحربية، مع منع إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الأكثر ضعفاً في سورية.
كما حثّ أعضاء في الكونغرس الأميركي إدارة الرئيس جو بايدن على عدم تجديد الرخصة، ومنهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايكل ماكول، ورئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى جو ويلسون، إضافة إلى النائب جيمس بيرد، الذي انتقد في 26 الشهر الماضي سياسات إدارة بايدن تجاه الملف السوري، معتبراً أنه إذا وافقت الإدارة على تمديد الاستثناء، فإنها عملياً ترفض تحميل بشار الأسد المسؤولية عن جرائم الحرب الفظيعة في سورية.
وكان المدير التنفيذي لـ"رابطة المحامين السوريين الأحرار"، سامر ضيعي قد قال في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، إن تمديد الاستثناء كان سيتيح "مواصلة الصفقات غير المقيدة مع نظام الأسد وحلفائه، وهذا يعني أن ذلك سيضع النظام من دون تدابير رقابية صارمة، ويمكن توجيه الموارد المقصودة أصلاً لأغراض إنسانية لدعم مصالح النظام، بما في ذلك جهود الحرب".
وأوضح ضيعي أن النظام يستفيد من الاستثناء، من خلال تخفيف العبء الاقتصادي عليه، الناجم عن العقوبات الدولية، لأن تدفق الموارد إلى البلاد، حتى لو كانت تستهدف المساعدات الإنسانية، يمكن أن يحفز الاقتصاد المحلي، ويعزز بالتالي القاعدة المالية للنظام.
وأضاف أن نظام الأسد استخدم المساعدات الإنسانية، وفق تقارير دولية ومحلية، لتعزيز سيطرته على بعض المناطق، خصوصاً الواقعة تحت سيطرة المعارضة، من خلال تحديد من يتلقى المساعدات ومتى، يمكن للنظام استخدامها أداة للتأثير وتعزيز قاعدة سلطته، فضلاً عن تقارير أكدت أن النظام وحلفاءه يحوّلون أموال المساعدات لدعم آلتهم الحربية.
وخلافاً للولايات المتحدة، كان الاتحاد الأوروبي قد قرر في 14 الشهر الماضي، تمديد "الإعفاء الإنساني" لستة أشهر أخرى، حتى 24 فبراير/ شباط 2024، بهدف مواصلة الاستجابة للأزمة الإنسانية في سورية، وتسهيل إيصال المساعدات بسرعة.
وتتزامن الخطوة الأميركية مع تواصل الاستعصاء في مجلس الأمن بشأن تجديد آلية إدخال المساعدات الأممية إلى سورية عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا، والذي يتطلب قراراً من المجلس، وسط ممانعة روسية متكررة، مع انتهاء تفويض إدخال المساعدات قبل أكثر من 3 أسابيع.