بدأت في هولندا، أمس الخميس، محاكمة عضو في جماعة مسلحة موالية للنظام السوري بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في أول محاكمة تجري في البلاد لمتهم بالقتال لصالح النظام، بعد أن اقتصرت المحاكمات الماضية على أشخاص ينتمون لفصائل المعارضة السورية.
ويواجه المدعو مصطفى الداهودي (35 عاماً) تهماً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لاعتقاله شخصين على الأقل وتسليمهما لجهاز المخابرات الجوية التابع للنظام السوري، حيث تعرضا هناك للتعذيب.
ووفق الادعاء، كان الداهودي عضواً قيادياً في "لواء القدس"، وهو مليشيا مسلحة أسسها شخص فلسطيني سوري في السنوات الأولى من الحرب السورية المستمرة منذ 12 عاماً.
واستمع القضاة في اليوم الأول من المحاكمة لشاهدين قالا إن المشتبه به كان عضواً بارزاً في "لواء القدس"، وشارك في اعتقالهما بشكل عنيف، وقدما تفاصيل عن الضرب والتعذيب الذي تعرضا له في السجن.
ورغم مطالبته مرات عدة بالرد على تصريحات ومقتطفات من مقابلاته مع الشرطة ومن مكالمات هاتفية مسجلة، تمسك الداهودي في كل مرة بحقه في التزام الصمت.
ووصل المتهم إلى هولندا عام 2020، وتقدم بطلب للجوء، لكنه اعتقل في مايو/ أيار من العام الماضي، بناء على شكوى تقدم بها "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" الذي قال في بيان له إن الداهودي متهم بالتورط في عمليتي اعتقال عنيفتين على الأقل لمدنيين، في يناير/ كانون الثاني 2013.
وبحسب النيابة العامة الهولندية، فإن المتهم متورط في سوء معاملة المدنيين أثناء الاعتقالات، ويحمل المسؤولية الجنائية عن تعرض الضحايا للتعذيب في مراكز الاحتجاز التي نقلوا إليها بعد اعتقالهم.
ورأت النيابة العامة الهولندية أن "لواء القدس" جزء رئيسي في الهجوم المنهجي واسع النطاق الذي شنّته قوات النظام السوري على السكان المدنيين، في سياق الرد العنيف على الثورة السورية عام 2011.
ودعت إلى ضرورة تصنيف "لواء القدس" منظمة إجرامية، هدفها ارتكاب جرائم دولية، وهو تعريف قانوني جديد في القانون الهولندي الخاص بالجرائم الدولية.
وحول أهمية هذه القضية، رأى المركز السوري للإعلام وحرية التعبير أنها "تعتبر مثالاً آخر على الدور المركزي الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني، وخاصة السورية منها، في السعي لتحقيق العدالة والمساءلة في سورية"، لافتاً إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها عضو في مليشيا مرتبطة بنظام الأسد اتهامات أمام محكمة هولندية، معتبراً أن القضية تشكل سابقة قانونية مهمة لمزيد من القضايا المستقبلية المحتملة ضد مؤيدين للنظام ممن تورطوا في جرائم مماثلة.
ولفت المركز إلى أن الاتهامات الموجهة إلى الداهودي لا تركز فقط على تهم جرائم الحرب الفردية، بل تشمل أيضاً تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، "ولإثبات هذه التهم، سوف يتعين على النيابة العامة الهولندية تقديم أدلة تتعلق بالصورة العامة للجرائم الهيكلية وواسعة النطاق التي يرتكبها النظام السوري، والتي جرت في سياقها الاتهامات الفردية ضد المتهم، الأمر الذي سيمكن من جمع أكبر للمعلومات وتحليلها قانونياً كجزء من جهد أوسع على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي".
وحول سير المحاكمة، قال المركز إن المحكمة ستقوم بمراجعة ملف القضية المقدم إلى القضاة، وتصدر حكمها عادة بعد أسبوعين من انتهاء هذه العملية، موضحاً أنه "في القضايا المعقدة، يجوز للمحكمة طلب مزيد من الوقت لإصدار قرارها".
وتضمن ملف الشكوى المقدم من قبل المركز مجموعة من أدلة تثبت ارتكاب المشتبه به مجموعة من الانتهاكات التي ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من بينها خمس شهادات، منها ثلاثة لشهود كانوا ضحايا مباشرين لجرائم المشتبه به.
ووفق شهادات الشهود والضحايا، فإن المشتبه به فلسطيني سوري من أهالي مخيم النيرب في حلب، مواليد عام 1988، غير متعلم وكان يعمل في البناء، وشارك منذ بداية التظاهرات في سورية عام 2011 بقمع المتظاهرين، ومواجهتهم بالسلاح، وإطلاق الرصاص الحي عليهم.
وكقائد مجموعة في "لواء القدس" شارك المتهم باقتحام منازل المدنيين واعتقالهم برفقة دوريات مشتركة من "الأمن العسكري" و"المخابرات الجوية"، ثم اقتيادهم إلى سجن مطار النيرب والأكاديمية العسكرية، حيث تعرضوا للتعذيب الشديد هناك.
وتأسس "لواء القدس" في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2013 في مدينة حلب، على يد المهندس محمد السعيد، وبدعم من الحرس الثوري الإيراني، وذلك بعد توحد "كتيبة أسود القدس" و"كتيبة الردع"، اللتين اعتمد عليهما النظام السوري بشكل أساسي في الدفاع عن مطار النيرب العسكري الملاصق لمطار حلب الدولي.
وكان الظهور البارز الأول للمليشيا خارج حدود حلب، في منتصف عام 2018، عندما شارك اللواء في معارك استعادة السيطرة على البادية السورية من تنظيم "داعش"، ثم توسع اللواء بعد ذلك إلى مخيم اليرموك جنوبي العاصمة دمشق ومخيم الرمل في مدينة اللاذقية، بالإضافة إلى افتتاحه مقارَّ في المنطقة الوسطى كمراكز انطلاق وإمداد لقواته في البادية السورية، وصولاً إلى دير الزور.
وقال مسؤول الإعلام في "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية"، فايز أبو عيد، في حديث لـ"العربي الجديد" إن النظام السوري استغل اتهام المعارضة السورية بقتل 14 عنصراً من جيش التحرير الفلسطيني (جزء من الجيش السوري مخصص للخدمة الإلزامية للفلسطينيين المقيمين في سورية) في يوليو/ تموز 2012، لتشكيل ذلك اللواء، والذي تلقى دعماً من روسيا بعد توقف الدعم الإيراني، موضحاً أن اللواء يتكون من 3 كتائب مسلحة بأسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة، ويقدر عدد عناصره بنحو 7 آلاف مسلح، من بينهم 600 فلسطيني فقط، وفق أبو عيد.
وسبق أن وجهت منظمات حقوقية اتهامات للواء القدس، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين، ومن بينها اختطاف شبان وطلب أموال من ذويهم مقابل إطلاق سراحهم، وسرقة أثاث منازل المدنيين في الأحياء الحلبية الخاضعة لسيطرة النظام التي هجرها سكانها.