لا تزال الأزمة السياسية في تونس تراوح مكانها. ولا يبدو أن المسؤولين التونسيين على عجلة من أمرهم لفض النزاع بينهم، والالتفات لآهات الشعب الذي انتخبهم. والسبت الماضي، أطلقت منظمات تونسية من القيروان، وسط تونس، في بيان نداء استغاثة، إلى المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية، من "أجل التدخّل العاجل والفوري لوضع حدّ لآلام ومأساة سكان هذه المحافظة المنكوبة، وإيقاف نزيف هذه الكارثة الصحيّة". واستنكر بيان المنظمات ما اعتبره "تهاون السلطات المحليّة في التعاطي مع هذه الجائحة، وأن طلبهم لهذه المساعدة الإنسانية الدولية يمثل الحل الأخير بعد استنفادهم كل الحلول الممكنة من السلطات التونسية، التي لا تعير هذه الكارثة الصحية الاهتمام اللازم وعجزت عن إدارتها"، بحسب توصيفهم.
ويعكس البيان حالة اليأس من الحكومة ومؤشراً خطيراً على وصول منسوب الثقة بالدولة إلى أدناه. ويقول الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، في تصريح صحافي السبت، "لم أكن أتصور أن مؤسسات الدولة ستكون بهذا الوضع المقرف... وضعية البلاد لا تليق بتونس الاستقلال وتضحيات أجيال". ودعا في حال تواصل الفشل والاختلاف بين المسؤولين "لإرجاع الأمانة لأصحابها، وهو الشعب التونسي".
لكن هذه الدعوات المتكررة لإعادة الأمانة إلى الشعب، أي الذهاب إلى انتخابات مبكرة، تطرح أسئلة كثيرة، من أهمها ماذا ستُنتج هذه المرحلة خلاف ما أنتجته حالياً، وهل ستفضي الانتخابات المبكرة، إن حصلت، إلى مشهد مختلف بالفعل، وفي اتجاه الأحسن طبعاً؟ وما هي البدائل السياسية المطروحة فعلاً على التونسيين؟ وأين برامجها وأفكارها الخلاقة، المختلفة عما نسمعه من كلام إنشائي عام غير قابل للتطبيق؟
لقد أكدت تجربة دستور تونس أن الحكم لن يكون إلا توافقياً بالضرورة، وغير هذا كلام لا معنى له. لأنه حتى في حالة تغيير النظام الانتخابي، وإفراز أغلبية برلمانية لحزب واحد وليس لمجموعة ائتلافية، فسيكون عليها بالضرورة أن تتوافق مع الرئيس المنتخب أيضاً من الشعب، وأن تتقاسم الحكم معه تحت أي صيغة أو مسمى، وإلا فسيكون معطلاً لعملها، وهو ما فعله الراحل الباجي قايد السبسي، قبل الرئيس قيس سعيد اليوم. وحتى إن كان رئيس البلاد ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان من نفس الحزب (وهو ما حصل مع "نداء تونس" سابقاً) فلن يغير من الأمر شيئاً، وسيكون على الجميع أن يتوافق، ولكن تونس لا تملك للأسف لا وقتاً ولا صبراً على ذلك.