قالت مصادر مصرية مطلعة على الملف الليبي إن هناك مشاورات واسعة تجري، داخل دوائر مصرية سيادية، متعلقة بمستقبل سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وإمكانية دعمه خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقرر أن تجرى في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وبحسب المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "القاهرة لا تمانع في ترشح سيف الإسلام القذافي في أية عملية انتخابية، إلا أنها ترى أنه لن يكون مرشحها المفضل في أية انتخابات، من دون أن يتم غلق الباب بشكل كامل أمام تقديم أي دعم له خلال مرحلة من المراحل". وأوضحت المصادر، أنه حتى اللحظة الراهنة، فإن المرشح الأقرب إلى هوى القاهرة، هو وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق الوطني، فتحي باشاغا. وأكدت أنه كان قد تم التوصل إلى اتفاق سابق بدعمه خلال ترشحه إلى منصب رئيس الوزراء، ضمن قائمة ضمت رئيس مجلس النواب عقيلة صالح رئيساً للمجلس الرئاسي، قبل فوز قائمة عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة حالياً.
المرشح الأقرب إلى هوى القاهرة هو فتحي باشاغا
وقالت المصادر إن موقف القاهرة بشأن سيف الإسلام ومستقبله السياسي، تم التوصل إليه بعد مباحثات موسعة على عدة مستويات، وذلك بعد الجلوس مع سيف نفسه من جانب قيادات أمنية مصرية رفيعة المستوى، منذ عدة أشهر، مضيفة أن لقاء نجل القذافي كان الهدف منه الوقوف على فرصه، والإمكانيات المتاحة له، وحجم القوة العسكرية التي تدعمه، ورؤيته لمستقبل ليبيا وعلاقتها بمحيطها الإقليمي.
وأوضحت المصادر أن المسؤولين المصريين، الذين التقوا نجل القذافي حينها، خرجوا برؤية أقرب إلى عدم جدوى خطواته التي عرضها عليهم. وأشارت إلى أن نجل القذافي، والمطلوب مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية، لا يملك بشكل فعلي، سوى الدعم الروسي فقط، في معادلة معقدة للغاية تتطلب توافر عدد أكبر من الداعمين، سواء المحليين أو الدوليين، وهو الأمر الذي لا يتوفر لسيف الإسلام القذافي، خصوصاً في ظل خلافات حادة بينه وبين قائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، والذي تسعى موسكو إلى خلق نوع من الوحدة بينه وبين سيف الإسلام.
وبحسب المصادر، فإن تقارب الرؤى بشأن ليبيا، بين مصر والجزائر وتركيا، يصب في صالح المرشح المحتمل، فتحي باشاغا، الذي يحظى أيضاً بدعم أميركي، وغربي، بعد الفترة التي قضاها في وزارة الداخلية، وما حققه من تقدم كبير على صعيد ملفات استعادة الأمن الداخلي، ومكافحة الفكر المتطرف، وجمع السلاح من أيدي المواطنين، وفقاً لحديث المصادر ذاتها. وتابعت: "لكن كل تلك الأمور قد تتغير حال ظهور مرشحين آخرين"، مؤكدة، في الوقت ذاته، أن "ترشح حفتر للرئاسة لا يروق للقاهرة، وإن كان المسؤولون في دولة الإمارات يضغطون في هذا الاتجاه".
وأرجعت المصادر موقف مصر الممانع لترشح حفتر للرئاسة خلال المرحلة المقبلة، حال أجريت الانتخابات، لأسباب عدة، يأتي في مقدمتها كونه "غير مأمون العواقب ومتهور". وأكدت المصادر أن الرفض التركي والجزائري، وكذا الأميركي، له لا يجعله المرشح الأقرب لمصر، إلا أنه يظل "ورقة قد تناور بها القاهرة من وقت لآخر".
لم يتم غلق الباب بشكل كامل أمام تقديم مصر أي دعم لسيف الإسلام خلال مرحلة من المراحل
وبحسب المصادر، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خاض بنفسه في تفاصيل دقيقة تتعلق بالمشهد الليبي، خلال استقباله مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد، في مدينة العلمين الجديدة الأسبوع الماضي. وأشارت إلى أنه تم التطرق، خلال تلك المباحثات، إلى مستقبل عدد من الشخصيات، وعلى رأسهم حفتر والقذافي الابن، ومدى تحقق المصالح المصرية في وجود أي منهما، في ظل اتساع مفهوم المصالح المصرية مؤخراً بشأن ليبيا بعد تقاطعه مع ملفات أخرى لا تقل أهمية للقاهرة.
وظهر نجل القذافي، في مقابلة صحافية مصورة لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أخيراً، تعد الأولى له منذ اعتقاله قبل 10 أعوام، قبل أن يتم الإفراج عنه في 2017، حيث ألمح إلى إمكانية عودته إلى الحياة السياسية. وأوضح سيف الإسلام، خلال حديثه، أن المقاتلين الذين اعتقلوه قبل 10 سنوات قد تحرّروا مما سمّاه وهم الثورة، وأدركوا في نهاية المطاف أنه قد يكون حليفاً قوياً لهم. ومما قاله: "هل لك أن تتخيل؟ الرجال الذين كانوا حرّاسي هم الآن أصدقائي". وخلال المقابلة، أكد سيف الإسلام أنه استغل غيابه عن الساحة في مراقبة الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط، والعمل بهدوء على إعادة تنظيم القوة السياسية التابعة لأبيه، والمعروفة باسم "الحركة الخضراء".
وعقب ظهوره، أصدر مكتب المدعي العام العسكري الليبي، في 5 أغسطس/آب الحالي، أمراً بإلقاء القبض على سيف الإسلام القذافي، حيث كلف بالبحث والتحري عنه وضبطه وإحالته مقبوضاً، لـ"تورطه في جرائم قتل واستعانته بمرتزقة". ووجّه المدعي العام هذا الأمر في بلاغ إلى جهات أمنية وعسكرية، بينها إدارة الشرطة العسكرية، وإدارة الاستخبارات العسكرية، والاستخبارات العامة، وجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وجهاز دعم الاستقرار، وجهاز الأمن الداخلي، ووزارة الداخلية. وأجاز "الاستعانة في سبيل تنفيذ هذا الأمر بالجهات العسكرية والأمنية الواقعة في نطاق اختصاص مكان تواجد المعني".