على وقع قرع أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، طبول الحرب "النفطية" من بوابة ترسيم الحدود البحرية، التي يتولى الوسيط الأميركي آموس هوكستين المفاوضات بشأنها بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي، وتصعيد قياديي الحزب الكلامي، أخيراً، من خانة أن "الشعب اللبناني أسياد هذا البلد ونحن الذين نرسم سياساته"، أطلّ وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال، علي حمية، رافعاً راية "نفق الناقورة"، مثيراً ملفاً جديداً يتوقع أن ينضمَّ إلى النقاط الخلافية اللبنانية الإسرائيلية، خصوصاً مع إرسائه معادلة جديدة ثلاثية الأبعاد، تتمثل بـ"الحدود البحرية والبرية وحدود النفق".
وفي إطار جولةٍ جنوبية أجراها وزير الأشغال الذي يعدّ من حصة حزب الله الحكومية؛ أول من أمس السبت، وقف حمية أمام باب نفق سكة الحديد في الناقورة الذي تحتل إسرائيل مساحة كبيرة منه، ليؤكد ضرورة "استعادة كل شبر منه كونه يخضع لأملاك وزارة الأشغال العامة والنقل".
وقال حمية: "قمنا بدراسة حول نفق سكة الحديد الذي أنشأ إبّان الحرب العالمية الثانية في العام 1942، ليتبين أن طوله 690 متراً والأرض المحيطة به 1800 متر مربع، ولأجل ذلك، نحن الآن بصدد إعداد دفاتر شروط لإطلاق مزايدات عالمية لإقامة منتجعات ومرافق سياحية في هذه المنطقة، كإقامة تلفريك بحري".
وعلى غرار معادلة "كاريش"، التي أطلقها أمين عام حزب الله في خطابه الأربعاء الماضي، أرسى حمية معادلة ثلاثية الأبعاد بضرورة استعادة حدودنا البرية والبحرية وحدود النفق.
وحول معادلة حمية، يوضح الرئيس السابق لوفد لبنان المفاوض حول الحدود مع فلسطين المحتلة اللواء المتقاعد عبد الرحمن الشحيتلي، لـ"العربي الجديد"، أن "النفق يقع على ساحل الناقورة تحت الطريق، وهناك نقطة حدودية تُسمَّى بي 1 وهي بداية الخط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة وتم ترسيمها في الاتفاقيات الدولية منها عام 1923، وهي في الوقت نفسه نقطة انطلاق الخط الحدودي والخط الأزرق (الحدود البرية)".
ويلفت اللواء المتقاعد إلى أن "هذه النقطة لا خلاف عليها على الورق مع العدو الإسرائيلي، لكنه في المقابل يرفض تثبيتها وتعليمها بالبراميل كما حصل على صعيد الخط الأزرق، كذلك يمنع اقتراب أي لبناني منها وقد حوّلها إلى منطقة أمنية، وذلك رغم مطالباتنا المتكررة كفريق تقني بتعليم النقطة التي وصلت إلى الأمم المتحدة"، مشيراً إلى أنه في "إحدى المرّات، دخل وفد عسكري لبناني ولاحظ أن الوضع لا يزال على حاله منذ أيام 1923، بحيث أن النقطة هي عبارة عن هرم أحجار لا يزال موجوداً".
ويوضح الشحيتلي أن "تعليم هذه النقطة يظهر النفق ويكشف مدى امتداده، سواء في لبنان أو في فلسطين المحتلة، ويسمح للبنانيين بالوصول إليها وفعل ما يريدون فيها"، مشدداً على أن "هذه النقطة تعتبر محتلة من جانب العدو الإسرائيلي، في وقت يفترض على اللبناني أن يتمكن من الوصول إلى آخر متر من أرضه".
ولا يرى اللواء المتقاعد أن "إثارة الموضوع اليوم سيخلق نزاعاً جديداً"، موضحاً: "أولاً المسألة ليست جديدة ولبنان سبق أن راسل عام 2007 الأمم المتحدة، وسجلت في الاجتماعات الثلاثية في الناقورة، وقد تحفظ لبنان على 13 منطقة من ضمنها رأس الناقورة، التي فيها 3300 متر مشروعة للبنان".
وأكد أن "الإسرائيلي هو الذي يخلق المشاكل منذ زمن و"مطنش"، ويحاول فرض أمر واقع من خلال الاعتماد على الوقت، وهي سياسة اتبعها مع الدول العربية، وليس فقط مع لبنان".
بدوره، يشرح الخبير والمستشار في الشؤون النفطية ربيع ياغي، لـ"العربي الجديد"، أن "سكة الحديد التي تربط بيروت بحيفا كانت تمرّ في نفق الناقورة، والاحتلال الإسرائيلي متقدّم فيه، بمعنى أن هناك نقطة حدودية تُسمَّى مجازاً بي1 كانت تفصل فلسطين عن لبنان، منذ أيام الانتداب الفرنسي على لبنان والبريطاني على فلسطين، هذه النقطة تعدّ نقطة ارتكاز للانطلاق بترسيم الحدود البحرية، والاحتلال يتجاوزها بحدود 35 متراً منذ مدة طويلة تعود إلى أيام الاحتلال الإسرائيلي للجنوب عام 1978، ما شكل اعتداءً على الأراضي اللبنانية".
ويرى ياغي أن "خطاب أمين عام حزب الله حسن نصر الله أعطى الضوء الأخضر بأن لبنان كما يطالب بحقه بالبحر كذلك هناك حقوق براً تعني الكثير وذات أهمية كبرى خلال ترسيم الحدود جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، ولا شك أن ما يحدث اليوم يعطي دفعة معنوية إيجابية بأن المفاوض اللبناني لا يغفل أو يتراخى بأي نقطة خلافية في مسألة الحدود".
ويشدد الخبير النفطي على أنه "من المستحيل ترسيم الحدود من دون الأخذ بعين الاعتبار نقطة الارتكاز الأساسية وهي الانطلاق من البرّ، وبالتالي فإن نقطة الانطلاق يجب أن تكون من البر لترسيم الحدود البحرية، وفي البرّ، الاحتلال الإسرائيلي يعتدي على لبنان بمساحة 35 متراً يجب أن يتراجع عنها، وهذا يعني الكثير خلال المفاوضات، وهو قيمة مضافة للبنان"، لافتاً إلى أنه "بغض النظر عن توقيت إثارة الموضوع، فإن على لبنان إعادة تصحيح الإحداثيات للحدود البرية وهو مسار مهم خلال المفاوضات الجارية بحراً".
في المقابل، يقول المؤرخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود عصام خليفة، لـ"العربي الجديد": "لا أهمية للنفق، ووزير الأشغال أثار القضية اليوم سواء لإظهار نفسه بأنه يعمل وللهروب من جوهر القضية التي يفترض أن تكون رأس الناقورة، وهي نقطة الحدود التي يجب الانطلاق منها".
ويشير خليفة إلى أن "الصراع القائم بين لبنان وإسرائيل هو حول رأس الناقورة وضمنها مكان النفق حيث النقطة الجغرافية التي يعتبرها الإسرائيلي غير لبنانية، فيما الطرف اللبناني يعتبرها لبنانية ومثبتة ضمن الاتفاقات الدولية، سواء في القرار 318 عام 1920، وفي اتفاقية 23 ديسمبر/كانون الأول 1920، وفي اتفاق بوله نيوكومب 7 مارس/آذار 1923، وفي محضر عصبة الأمم في 4 فبراير/شباط 1924، وفي اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل في 23 مارس 1949، وفي اتفاق ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان في ديسمبر 1949 الموقع خطياً من الكابتن الإسرائيلي فريد لندر والكابتن اللبناني إسكندر غانم".
ويلفت خليفة إلى أنه "بدل أن نفتعلَ اليوم قضية النفق، الأجدى بوزير الأشغال العامة أن يقدِّمَ باسم وزارته تعديل المرسوم 6433 المقترح من قيادة الجيش اللبناني إلى مجلس الوزراء، لإقراره وإرساله إلى للأمم المتحدة ليثبت عندها حق لبنان بالخط 29 الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة، بعكس الخط 23، وهو خط غير علمي وغير قانوني ولا ينطلق من الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، أي ينطلق من 30 متراً شمال رأس الناقورة".
من جهته، يرى مصدر عسكري متابع للمفاوضات، تحفظ عن ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "ما يحصل اليوم هو بمثابة رفع السقف قبل الحل، وهو عادة ما يحصل خلال المفاوضات عندما تبدأ بوادر الحل بالظهور، أو أن هناك إمكانية للتوصل إلى حل، ولبنان يحاول المطالبة بالسقف الأقصى ليحصل على النتيجة الأفضل".
الدولة اللبنانية تنأى بنفسها
وفي ظل التصعيد من جانب حزب الله ومحيطه السياسي، الذي تنأى الدولة اللبنانية بنفسها عنه باعتبار أنه يصدر عن شخصيات تدور في فلكه وتعبّر عن رأي حزبي؛ تطرح خطوة وزير الأشغال في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي علامات استفهام عدة حول مدى تأييد السلطات الرسمية لهذا الموقف، الذي من شأنه أن ينعكس سلباً على مفاوضات، تحدث مسؤولون لبنانيون، على رأسهم رئيس الجمهورية ميشال عون، عن منحى إيجابي تسلكه من خلال الوسيط الأميركي.
وفي هذا المجال، يقول النائب السابق علي درويش (ضمن فريق ميقاتي السياسي)، لـ"العربي الجديد"، إن "موقف لبنان الرسمي ينحصر عملياً في الورقة التي أرسلت عبر الوسيط الأميركي آموس هوكستين، بانتظار الكتاب الجوابي المتوقع أن يتلقاه لبنان والزيارة المفترضة للوسيط الأميركي خلال فترة زمنية يتوقع ألا تطول".
ويشير درويش إلى أنه "لا شك أن الموضوع حسّاس جداً، لكن نحن نلتزم بكتاب لبنان الرسمي الذي نال إجماع الرؤساء الثلاثة، والذي يرتكز بالدرجة الأولى على الليونة التي حاول الجانب اللبناني المحافظة عليها على صعيد التفاوض، حتى لا نكون أمام صيغة اشتباك، بالتوازي مع ضرورة الحفاظ على حقوق لبنان النفطية والغازية ومصلحة لبنان باستخراج ثرواته، وبالتالي التوازن بين الخط 29 و23".
ولا ينكر درويش تأثر لبنان، وربطاً ملف النفط والغاز، بالزيارات الإقليمية، سواء التي تحصل على جبهة الرئيس الأميركي جو بايدن، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى جانب قرب انتخاب رئيس جمهورية جديد في لبنان (تنتهي ولاية عون في أواخر أكتوبر/تشرين الأول المقبل)، من دون أن ننسى صفته الرسمية في المفاوضات، مع العلم أن المشهد قد يتعقد قبل موعد الانتخابات، عدا عن أسعار النفط عالمياً والحرب الروسية الأوكرانية الدائرة.