لقيت خطوة المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، إصدار مذكرة إحضار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، اعتراضاً من قبل رؤساء الحكومة السابقين، الذين اعتبروها استهدافاً لموقع رئاسة الحكومة، داعين إلى رفع الحصانة عن رئاسة الجمهورية، الأمر الذي استدعى رداً من الأخيرة.
ودخل مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان على الخط، وحذر المفتي من أنّ "موقع رئاسة الحكومة لا يقلّ أبداً أهمّية وقدراً عن أيّ موقع رئاسيّ آخر في لبنان"، مشدداً على أنّ "احترامه واجب ونحن حرصاء على أن يبقى هذا الموقع مُصوناً حفاظاً على التوازن بين مواقع الرئاسات الثلاث".
وقال المفتي، خلال خطبة الجمعة، إنّ "الإصرار على هذا النهج من قبل البعض في السلطة القضائية يسيء إلى مفهوم التعامل مع الرئاسة الثالثة في قضية انفجار مرفأ بيروت"، مضيفاً: "فلتُرفع كلّ الحصانات عبر إصدار قانون من مجلس النواب ولتأخذ العدالة مجراها بعيداً عن الانتقائيّة والاستنسابيّة والكيديّة المقيتة، فالعدالة الانتقائيّة ليست عدالة".
وحذّر دريان من أنّ لبنان يتجه صوب انهيار شامل إذا لم تُتَّخَذ خطوات لمعالجة الأزمة التي تسبب فيها الانهيار المالي، داعياً الرئيس ميشال عون إلى محاولة "إنقاذ ما بقي من ولايته".
وقال في هذا السياق: "أتوجه بنصيحة إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حاول أن تنقذ ما تبقى من عهدك، وإلا فنحن ذاهبون إلى الأسوأ وإلى أبعد من جهنم (..) إلى قعر جهنم كما بشرتنا".
وتفاقم الانهيار المالي الذي بدأ في 2019 ليصل إلى مستويات جديدة هذا الشهر، وأدى إلى نقص في الوقود أصاب بالشلل خدمات أساسية، ووقعت على إثره أحداث أمنية عديدة بسبب محاولات الحصول على البنزين. وحتى الأدوية الضرورية أصبح من الصعب العثور عليها. ونظّم مرضى بالسرطان احتجاجاً الخميس بعد أن قيل لهم إنّ من غير الممكن تأمين أدويتهم.
وقال مفتي الجمهورية: "نخشى بعد هذا الوقت الطويل أن ينفد صبر اللبنانيين، ونقع جميعاً في أتون الفوضى الشاملة، التي بدأنا نرى مظاهرها في شتى المجالات"، مضيفاً: "لا نرضى أن نكون شهود زور على ما يحصل في بلدنا، فالأمر يحتاج إلى معالجة جدية وفورية، والترقيع لا ينفع، فما جرى من انفجار مرفأ بيروت، وانفجار صهريج المازوت في عكار، والاشتباكات المتنقلة في بعض المناطق اللبنانية، سببها هذا الترقيع، فلنقلع عما نحن فيه من تخبط، وإلا فإنا ذاهبون فعلاً إلى الأسوأ وإلى الانهيار الشامل".
والخميس، أصدر المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، مذكرة إحضار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، بعد عدم مثول الأخير إثر استدعائه كمدّعى عليه في ملف المرفأ، وأرجأ الجلسة إلى 20 سبتمبر/أيلول المقبل.
ورأى رؤساء الحكومة السابقون، في قرار بيطار بحق دياب "إهانة علنية لموقع رئاسة الحكومة وإعلاناً مفضوح عن إدارة الملف من أروقة قصر بعبدا".
وقال الرؤساء، وهم نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، سعد الحريري وتمام سلام، في بيان لهم: "لا للعدالة الانتقائية، لا للقضاء المسيَّس، لا للتعرض لرئاسة الحكومة دون غيرها من الرئاسات والمراكز. نعم للتحقيق القضائي الكامل والنزيه والشفاف والمحرر من التدخلات والقيود السياسية والطائفية".
وذكّر البيان بأنّ "مجموعة من النواب تقدمواباقتراح قانون من أجل رفع جميع الحصانات من أي نوع كانت، ودون أي استثناء بما يعني تعليق المواد الدستورية المخصصة للحصانات النيابية والوزارية والرئاسية، وذلك لإحقاق العدالة، ولا سيما أن فخامة الرئيس ميشال عون شخصياً اعترف بأنه قد علم بوجود هذه الكميات الكبيرة من نترات الأمونيوم في عنابر مرفأ بيروت قبل خمسة عشر يوماً من تاريخ التفجير المريب".
وأودى الانفجار الذي وقع في 4 أغسطس/آب 2020، في العنبر الـ 12 بمرفأ بيروت بحياة أكثر من 216 شخصاً وشرّد الآلاف ودمر العاصمة، بسبب 2750 طناً من مادة نترات الأمونيوم كانت مخزنة منذ عام 2013.
رئاسة الجمهوية اللبنانية ردّت، الجمعة، على بيان رؤساء الحكومة السابقين، حول قرار إحضار دياب، وقالت، في بيان لها، إنه "لمن المؤسف أن يتهم رئيس الجمهوية بموضوع تفجير المرفأ، خاصة أنه سبق أن وضع نفسه بتصرف المحقق العدلي"، معتبرة أنّ الكلام الخطير في البيان عن "العدالة المقنعة" و"القضاء المسيَّس" فيه إهانة واستضعاف مرفوض ومشين للسلطة القضائية، وأنّ توقيت وشكل ومضمون البيان "مريب في ظل الجهود المبذولة لتأليف الحكومة".
مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية يرد على بيان رؤساء الحكومة السابقين: الكلام الخطير في البيان عن "العدالة المقنعة" و"القضاء المسيس" فيه إهانة واستضعاف مرفوض ومشين للسلطة القضائية
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) August 27, 2021
وعلى خط تشكيل الحكومة الجامد، قال رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، الجمعة، إنه "لا تزال هناك عقبات كبيرة أمامه لتشكيل حكومة"، في ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية الطاحنة حيث تركت البلاد بحكومة تصريف أعمال لمدة عام.
وقال ميقاتي، وهو ثالث شخص يقع عليه الاختيار لتشكيل حكومة في لبنان منذ العام الماضي، في حديث تلفزيوني، إنّ "الوضع في لبنان لا يزال خطيراً للغاية". وأشار ميقاتي إلى أنّه عقد "بعض الاجتماعات الإيجابية والسلبية مع الرئيس عون"، مؤكداً أنّه لا يفكر في التنحي حتى الآن.
ولدى سؤاله عن تصريحات الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، حول جلب شحنات وقود من إيران، قال ميقاتي إنه يعارض كل ما من شأنه الإضرار بمصالح لبنان، وقال: "لن نسمح لأحد بأن يؤدي بنا لأي عقوبات جديدة... لكن أقول للمنتقدين ولجامعة الدولة العربية أعطونا شمعة، فنحن لا نقدر أن نقول لا للباخرة من دون أن نملك بديلاً".
وكان لافتاً موقف نصر الله نفسه، حيث هاجم بدوره القاضي البيطار، وقال في خطاب متلفز له، الجمعة، إنّ "ما قام به القاضي بيطار هو استضعاف لرئيس الحكومة ومخالفة للدستور ومرفوض وغير مقبول، ونطالب الجهات القضائية بالتدخل"، مضيفاً: "إن كان يريد القاضي بيطار أن يحقق هو مع رئيس الحكومة، فلنعدّل الدستور، ومعروف من رفض هذا التعديل عبر الطرح الذي تم تقديمه".
وقال نصر الله إنه تمّ الاتفاق على البدء بتحميل "سفينة ثالثة" بالوقود الإيراني لتخفيف النقص الحاد الذي يعاني منه لبنان.
وأضاف أنّ "الأيام القادمة ستكذب من يشككون في السفن القادمة بالمحروقات (..) والحديث سيكون واضحاً عندما تصل السفينة الأولى إلى لبنان".
ويمثل تشكيل الحكومة خطوة أولى ضرورية لتأمين الدعم الدولي للمساعدة في إخراج لبنان من أعمق أزمة يمرّ بها منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990. وانهارت العملة فيما تقارب الأدوية والوقود على النفاد.
وطالب المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، في وقت سابق الجمعة، عسكرييه بالصمود في وجه أزمة تعصف بالبلاد قال إنها قد تطول، محذراً من الفوضى التي ستقع إذا سقطت الدولة.
وتُعَدّ هذه من أقوى تحذيرات المسؤولين اللبنانيين على الإطلاق بشأن فداحة الموقف.
وفي نشرة توجيهية لعسكريي الأمن العام، قال المدير العام للأمن العام: "يمرّ لبنان في حالة انعدام وزن سياسي واقتصادي، وحتى أمني وعسكري جراء الانهيار الكبير الذي ضرب الدولة وقوض مؤسساتها وأنهك مواطنيها".
وأشار إبراهيم إلى تأثير الأزمة على عسكريي الأمن العام، وأضاف: "التأزّم الذي يمرّ به لبنان قد يطول، واجبكم الصمود والوقوف سدّاً منيعاً حماية لوطنكم وأهلكم وشعبكم، لأنه متى سقطت الدولة فستقع على الجميع بلا استثناء، والكل سيُصبح في عين الفوضى وعلى خط التوترات".