لبنان: مخطط إسرائيلي ضد النازحين وسط استغلال للتجييش السياسي

22 أكتوبر 2024
نازحون يفترشون الطرقات على كورنيش بيروت البحري، 19 أكتوبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استهداف النازحين في العدوان الإسرائيلي: تعرض النازحون في لبنان للقصف الإسرائيلي، مما أدى إلى نزوح أكثر من مليون و200 ألف شخص، في إطار حرب التهجير القسري وإرهاب المدنيين.

- التوترات السياسية والاجتماعية: زادت الغارات الإسرائيلية من التوترات في لبنان، حيث أصدرت بعض البلدات تعاميم لتدقيق هويات المقيمين الجدد، مما يعكس مخاوف من وجود عناصر مسلحة بين النازحين.

- الجهود الأمنية والسياسية: ترأس وزير الداخلية اجتماعات لضمان أمن النازحين والمجتمعات المضيفة، داعياً للتنسيق بين الأجهزة الأمنية لمواجهة الخروقات، مع تحصين الوضع الداخلي بحكمة.

نزح أكثر من مليون و200 ألف شخص منذ بدء العدوان على لبنان

يتعمد الاحتلال قصف مناطق الإيواء لخلق مخاوف لدى المجتمعات المضيفة

قصف الاحتلال أكثر من مرة منازل تؤوي نازحين ما خلّف مئات الضحايا

انضمّ النازحون إلى سلسلة أهداف إسرائيل في عدوانها على لبنان بعد مجازر طاولت مناطق إيوائهم، ومنازل اضطروا إلى الانتقال إليها بفعل تصعيد جيش الاحتلال غاراته الموسّعة الدموية، وتكثيف تهديداته وإنذارات الإخلاء إلى السكان، في مخططٍ يأتي في سياق حرب التهجير القسري، وإرهاب المدنيين، وإحداث اضطراباتٍ داخلية.

ونزح أكثر من مليون و200 ألف شخص منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، بينما تجاوز عدد المواطنين اللبنانيين والسوريين الذين عبروا إلى الأراضي السورية منذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، 460 ألف شخص. ويتعمّد الاحتلال قصف مناطق الإيواء بهدف خلق مخاوف لدى المجتمعات المضيفة للنازحين التي كانت تُعدّ آمنة منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول وحتى في ظلّ توسِعة العدوان، باعتبارها أولاً بعيدة من "خطوط الاشتباك"، كما من خارج ما يُسمّى "بيئة حزب الله"، سواء حزبياً أو طائفياً، وذلك قبل أن تصبح ككل الأراضي اللبنانية مُهدَّدة، في ظلّ عسكرة إسرائيل الأهداف المدنية، لتبرير مجازرها.

وترجمت إسرائيل مخطّطها في قصفها منازل تقيم فيها عائلات نازحة، في مناطق عدّة، منها أيطو في قضاء زغرتا شمالي لبنان، والمعيصرة في قضاء كسروان، جبل لبنان، وبعدران في قضاء الشوف، والنويري والبسطا في بيروت، والكرك في قضاء زحلة في البقاع اللبناني، وغيرها من المناطق التي استهدفها جيش الاحتلال، وأوقع فيها مئات الشهداء والجرحى من المدنيين.

وعلى الرغم من المبادرات الفردية الواسعة في لبنان بدايةً لاستقبال النازحين وضمنها بعض التحركات الحزبية في هذا الصدد، وفتح مئات مراكز الإيواء، بيد أن الاستهدافات الإسرائيلية وما رافقها من خطاب سياسي وحتى إعلامي لبناني من جهاتٍ معارضة لحزب الله، تنبّه من وجود عناصر مسلحة في مراكز إيواء أو منازل تستضيف النازحين، وتربط وجودهم بالغارات التي تُشنّ، بما يتناغم مع المزاعم والسردية الإسرائيلية، وتدعو إلى وضع "شروطٍ" لاستقبال النازحين، والتدقيق في هوياتهم، كل هذا أحدث تأثيراً على المجتمعات المضيفة كما على المهجّرين قسراً، وترجم ببعض الأحداث الأمنية المتفرقة.

إجراءات احترازية في بعض مناطق لبنان قبل تأجير النازحين

وعمدت بلدات عدّة، خصوصاً تلك التي تعد من خارج الطائفة الشيعية وغير محسوبة "سياسياً" على حزب الله، على إصدار تعاميم للسكان بالإبلاغ فوراً عن أسماء جميع المقيمين مع أعدادهم في كلّ شقة، وعدم التغاضي عن كلّ ما يمكن أن يهدّد سلامة السكان والمنطقة وسلامة الضيوف، والتحذير من حيازة الأسلحة والممنوعات كلها، والتدقيق أكثر في هويات الأشخاص قبل تأجيرهم، وغيرها من البنود التي تأتي في سياق "الحفاظ على أرواح وممتلكات الأهل والضيوف".

كذلك، قال أكثر من شخص لـ"العربي الجديد"، إنه طُلِب منهم مغادرة المنازل التي استأجروها بفعل العدوان الموسّع في مناطق بقضاءي المتن وكسروان، وذلك بعدما كانوا يقيمون في الضاحية الجنوبية لبيروت، باعتبارهم من الطائفة الشيعية، بعدما عمد العدو إلى استهداف أكثر من منزل يستضيف نازحين، مشيرين إلى أنهم "وجدوا صعوبة في استئجار منازل بفعل المخاوف التي يتفهّموها لأصحاب الملك والجيران"، قائلين: "لكننا مجرد مدنيين وعائلات نازحة تريد مكاناً للمبيت فيه حتى ينتهي العدوان".

كذلك، ترأس وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي أكثر من اجتماع أمني إداري، آخره يوم أمس الاثنين، للتباحث في الوضع الأمني في ظل النزوح الناتج عن العدوان الإسرائيلي على لبنان. وشدد مولوي على أنه "من الضروري اتخاذ إجراءات وتدابير استثنائية للتنسيق بين السلطتين الإدارية والأمنية لضمان الأمن في المناطق عامةً، وضمان أمن النازحين، وضمان أمن المجتمعات الضيفة والمضيفة، وضمان أمن مراكز الإيواء، إذ إن النازحين الموجودين فيها وخارجها ينبغي حمايتهم بالوجود الأمني لمعالجة أي خرق أمني قد يحصل".

ودعا مولوي المواطنين إلى "مراجعة الأجهزة الأمنية والعسكرية لاتخاذ الاجراءات اللازمة وتوقيف مثيري الإشاعات والبلبلة، والتنسيق مع المحافظين كرأس الجهاز الاداري ومع البلديات وشرطتها الموجودة في المناطق والقرى، والتبليغ عن أي أحداث قد تخل بالأمن أو تؤدي إلى التنافر والاحتكاك والفتنة بين المواطنين، عبر تبليغ الأجهزة الأمنية والعسكرية"، معلناً "تكثيف الدوريات حول مراكز الايواء، ومنع الظهور المسلح".

تجييش سياسي يزيد مخاوف البيئات الحاضنة للنازحين

في الإطار، تقول المحامية والناشطة الحقوقية ديالا شحادة لـ"العربي الجديد"، إنّ "الاصطفاف والتجييش قديمٌ، ويعود ليطلّ برأسه كلّ فترة، بحيث تخرج موجة خطاب مذهبي، مرتبطٌ بالمناطق وهويتها "الدينية"، والتحذير من تغييرها، لكن الجديد اليوم أنّ هناك نزوحاً قسرياً بسبب الجرائم الإسرائيلية البشعة التي تحصل بحق اللبنانيين على مناطق واسعة في الجنوب والبقاع وبيروت وجبل لبنان، وقد وصلت إلى الشمال وغيره".

وتشير شحادة إلى أنّ "النزوح القسري يجعل مواطنين من مناطق معينة، خصوصاً المرتبطة بالطائفة الشيعية بحسب الديمغرافية اللبنانية، يضطرون إلى الهرب من الموت، ويقابل ذلك تجييش ظاهره مذهبي، لكن باطنه سياسي، تحت تبريرات الخوف من تعريض البيئات الحاضنة للنازحين للخطر، بظل الإجرام الإسرائيلي الذي لا يُفرّق بين مدني وعسكري، وقد انتشر مدّه إلى كل لبنان، بما في ذلك مناطق مسيحية ومراكز عسكرية للجيش اللبناني وقوات حفظ السلام".

وتلفت شحادة إلى أنّ "إسرائيل استهدفت مدنيين وإعلاميين ومسعفين وطواقم صحية وطبية وتمريضية ومستشفيات وغيرهم عن قصد، وحتى لو استهدفت شخصيات عسكرية تابعة لحزب الله فهي لا تكترث لقتل عشرات المدنيين بإطار تنفيذ عمليتها وهذا حتماً يؤثر على الجمهور ويكرّس الخوف فيهم، خصوصاً أن لا تطمينات يمكن أن تعطى لهم في ظلّ جرائم الحرب المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في كل لبنان، وزاد إلى ذلك طبعاً عامل التجييش".

وتشدد المحامية والناشطة الحقوقية على أنّ "القانون الدولي يحظر أي استهداف للمدنيين، أو لمبانٍ بطبيعتها مدنية، التي تسقط عنها هذه الصفة فقط عندما تتحوّل إلى ثكنة عسكرية، تنطلق منها العمليات العسكرية، يعني حتى لو كان بداخل الشقة سلاح واحد أو خمسون أو أكثر، فهذا لا يحوّلها إلى ثكنة عسكرية، بالتالي القانون الدولي لا يعطي أي تبرير لما يزعمه الاحتلال الإسرائيلي، فهذه جرائم حرب موصوفة، لكن للأسف لا أحد يمنعه أو يحاسبه على مستوى القضاء الدولي في وقتٍ تغيب الترجمة بأفعال سياسية واقتصادية وعسكرية ضد إسرائيل".

مخطط إسرائيلي للضغط على النازحين والبيئة المستضيفة

من جهته، يقول الناشط والحقوقي علي مراد لـ"العربي الجديد"، إنّ "هدف العدو الإسرائيلي واضحٌ، فهو يريد الضغط على حزب الله والمجتمع اللبناني بكامله، وزيادة الضغط على النازحين وعلى البيئة المستضيفة، وهذا الأمر بات واضحاً باختيار الضربات سواء منطقة أيطو أو بعدران أو أكثر من ضربة في بيروت وغيرها من المناطق". ويلفت مراد إلى أنّ "اغتيال الشخص كان ممكن مثلاً أن يتم عبر استهداف سيارته، وذلك ظهر في أكثر من عملية، لكن العدو فضّل استهداف المباني وذلك لزيادة الضغط، وتحويل أي مكان في لبنان إلى مكان غير آمنٍ، بما فيه أماكن النازحين".

ويشدد مراد على أنّ "التوسّع بالأهداف هو جزءٌ من الحرب التي يخوضها الاحتلال، وذلك يحتاج إلى تحصين للوضع الداخلي، وإعادة الاعتبار للمؤسسات، كما أن انتخاب رئيسٍ للجمهورية أصبح حاجة وطنية مع تحصين ملف النازحين لفترة طويلة". تبعاً لذلك، يشير الناشط والحقوقي اللبناني إلى أنّ "خطورة استهداف النازحين محاولة إحداث نوع من شرخ غير بسيط بين الناس، وزيادة الضغط أيضاً بإدارة ملف النزوح، إذ إننا أمام أزمة نزوح قد تطول كثيراً، وهذا جزء من الضغط الإسرائيلي، لكن يجب على لبنان أن يحصّن الوضع الداخلي بالسياسة لإراحة النازحين والمجتمعات المضيفة، فما يحصل هو نوعٌ من الاستهداف السياسي الذي يجب الردّ عليه والتعامل معه كذلك بالسياسة".

من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت جميل معوض إن التعاطف مع النازحين كان كبيراً جداً، وتم استقبالهم بكل تضامن واحتضان، ولم نسمع من الأهالي مثلاً في اهدن شمالي لبنان، إلاّ كلمات الترحيب، لكن بعد خبر توقيف عميل إسرائيلي في زغرتا، تبدّلت المواقف، وساد بعض القلق بين الناس، وتحديداً من كل شخص "غريب" يتجوّل في البلدة، ومع استهداف إسرائيل لبلدة أيطو ازداد الخوف وتحوّل الترحيب إلى ريبة.

ويشدد على أنّ "أمننة موضوع النزوح تتحمّل مسؤوليته بالدرجة الأولى إسرائيل وبعض الأصوات الطائفية والعنصرية اللبنانية وهي أقلية"، جازماً أن "أصوات التفرقة أعلى، لكنها أقل من أصوات الترحيب التي تعمل بصمتٍ، والتي ما زالت تتمنى الفرج للنازحين وللبنانيين كافة لأن الناس تدرك خطر العدوان".

ويلفت معوض لـ"العربي الجديد" إلى أن "القيادات في البلد كان يفترض بها أن تتحمّل مسؤولياتها بإدارة الأزمة منذ البداية لتفادي ما يحصل اليوم، لكنها تخلّت عن دورها"، مشدداً على أن المرحلة هذه تتطلب قيادات وطنية وخططاً جدية واضحة، وخطاباً جامعاً وتوعوياً ينبّه الناس إلى المخطط الإسرائيلي بإحداث فتنة داخلية بين الشعب، لكن للأسف على العكس، سمعنا تشنّجات في الخطابات لا ترتقي إلى مستوى الأزمة، بل تدخلها في الزواريب".

المساهمون