يقود البطريرك الماروني بشارة الراعي حركتَيْن ناشطتَيْن جداً على السّاحة اللبنانية الداخلية؛ الأولى حكومياً، ويلاقيه فيها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لإحداث خرق لحال الجمود الحكومي، وإعادة التواصل المقطوع بين الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، والثانية حركة محلية – دولية، لحلّ الأزمة اللبنانية برعاية أممية.
وتظهر أجواء الحركتين في توافد الزوّار "السياسيين" إلى بكركي، مقرّ البطريركية المارونية، كعنوانَيْن أساسيَيْن على طاولة المباحثات، إذ تؤكد مصادر مقرّبة من البطريرك الراعي، لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك مساعي جدية لتسريع عجلة تأليف الحكومة، بالتزامن مع أهمية عقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان، الغارق في الأزمات، بيد أنّ أي دخان أبيض لم يخرج بعد، والصورة لا تزال ضبابية، وتقتصر اللقاءات على إعطاء كلّ فريق رأيه، سواء حكومياً أو على صعيد المؤتمر الدولي.
وتشير المصادر نفسها إلى أنّ البطريرك الراعي مستاءٌ جداً من تغليب الأفرقاء السياسيين أنانيّاتهم على المصلحة الوطنية، وإمعانهم في تعطيل الدولة ومؤسساتها، وإقفالهم الباب أمام أي ليونة مطلوبة في مواقفهم من شأنها أن تكسر حال المقاطعة والمناكفات والتباعد، في أكثر وقتٍ تحتاج فيه البلاد المنهارة إلى توافق وتشاور، وأخطر مرحلة يعرفها لبنان، لافتةً إلى أنّ البطريرك دائماً ما يدعو للحوار كمدخل أساسي لحلّ أي أزمة، وسيواصل لقاءاته مع مختلف الأحزاب والقوى السياسية لتحويل الأجواء السلبية إلى أخرى إيجابية.
واستقبل البطريرك الراعي، اليوم الخميس، اللواء إبراهيم، الذي قال بعد اللقاء، "تحدّثنا عن موضوع تشكيل الحكومة حيث أنا أتولّى جزءاً من المساعي وغبطته يتولّى الجزء الآخر، لذلك لا بدّ من التلاقي من حين إلى آخر لاستكمال الجهود على أمل أن تتحسّن الأمور".
وتلقى الراعي اتصالاً هاتفياً من رئيس الوزراء المكلف، سعد الحريري، تم خلاله بحث الموضوع الحكومي، وقد أشار مصدر قيادي في "تيار المستقبل"، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ هناك لقاءً قريباً بين الراعي والحريري، لدعم جهوده، ونشاطه على الساحة الداخلية، والخارجية، وتأييد مواقفه، والتشاور في ما يحول دون تشكيل الحكومة، لافتاً، في المقابل، إلى أنّ الحريري لا يزال يتمسك بحكومة اختصاصيين، مؤلفة من 18 وزيراً، وهو لا يغلق الباب على أي مسعى توافقي، أو تلاقٍ من شأنه أن يساهم في التأليف.
كذلك، استقبل الراعي وفداً من "التيار الوطني الحر"، غابَ عنه رئيسه النائب جبران باسيل، الذي أجرى صباحاً اتصالاً هاتفياً مع البطريرك تباحثا خلاله في الملف الحكومي. وأراد التيار من خلال هذه الزيارة توجيه رسالة بأنّ العلاقة بينه وبين بكركي جيدة جداً، وذلك رداً على الحملات بحقه، خصوصاً من جانب مناصري "القوات" الذين يعتبرون أن باسيل وفريقه يقفان ضد بكركي، وخطّها السيادي، ويرفضون التدويل دعماً لـ"حزب الله" حليفهم الأساسي، ويؤمنون الغطاء له ولسلاحه.
نشاط البطريرك الراعي
— البطريركية المارونية Maronite Patriarchate (@bkerki) February 25, 2021
الخميس ٢٥ شباط ٢٠٢١ - بكركي https://t.co/4osbJUizOR#البطريركية_المارونية #البطريرك_الراعي #شركة_ومحبة #حياد_لبنان #لبنان_الكبير #الراعي #نشاط_البطريرك #بكركي pic.twitter.com/KNO9v4GaoZ
من ناحية ثانية، يتمسّك البطريرك الماروني بدعوته لـ"عقد مؤتمر دولي ينزع التدخلات الخارجية التي تمنع بلورة القرار الوطني الحرّ والجامع، ويثبت دولة لبنان ويضمن حيادها الإيجابي"، ويرى أن على "الأمم المتحدة أن تجد الوسيلة القانونية لتقوم بواجبها تجاه دولة لبنان التي تتعرّض للخطر وجودياً".
وتلاقيه في الدعوة القوى السياسية المعارضة لـ"حزب الله"، على رأسها، "حزب القوات اللبنانية" (يتزعمها سمير جعجع)، الذي، بحسب معلومات "العربي الجديد"، يعمل كخلية نحل، في الأيام الماضية، لتأمين حشدٍ كبيرٍ في التجمّع الذي ينظّمه مناصرون للراعي، وحزبيون، لتأييد طروحاته، بعد غد السبت في ساحة بكركي، وهو ما يجده جعجع فرصة لتقوية شعبيته، مسيحياً بشكل خاص، ويتسلّح به في مواجهة العهد، برئيسه ميشال عون، بعد مطالبته الأخيرة باستقالته، ويصبّ في صالح مواقفه من ضرورة نزع سلاح "حزب الله" والنأي بلبنان عن حروب المنطقة.
ويأتي التجمّع أيضاً، دعماً للبطريرك الراعي، والوقوف إلى جانبه بعد الهجوم الذي تعرّض له من جانب مناصري "حزب الله"، ورفض أمينه العام حسن نصر الله التدويل، ووضع هذا المطلب في خانة الدعوة إلى احتلال، أو تمهيدٍ لحرب أهلية، علماً أنّ الردّ أتى من الراعي، بقوله، "نعيش حرباً أهلية من دون حرب"، نسبةً إلى الانقسامات الكبيرة بين اللبنانيين، آملاً بأن يقيم المؤتمر الدولي لبنان من تعثّره.
وتقول المصادر المقرّبة من الراعي، إنّ اللقاءات التي يجريها الراعي مع القوى السياسية، تتطرّق لموضوع المؤتمر الدولي، وهناك آراء تقف إلى جانب الطرح وتعتبره مدخلاً لإنقاذ لبنان، في حين، يتحفّظ بعض الأفرقاء على بنودٍ معيّنة، من بوابة حماية السيادة اللبنانية، وحلّ الأزمة داخلياً، باعتبار أنّ لكل دولة مصالحها "على أراضينا".
وكان الراعي استقبل، أمس الأربعاء، الوزير السابق غازي العريضي (ينتمي إلى الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط)، الذي حمل دعماً للراعي في حركته ومبادراته لحلّ الأزمة اللبنانية، ومحاولاته جمع الرئيسين عون والحريري. كما أدلى بمواقف شديدة اللهجة تجاه رئيس الجمهورية الذي "لا يريد سعد الحريري رئيساً للحكومة" على حدّ قوله، والدور التعطيلي الذي يلعبه العهد وجبران باسيل.
كذلك استقبل البطريرك وفداً من "القوات اللبنانية"، الذي أكد دعمه مواقف ونداءات الراعي، وطرحه عقد مؤتمر دولي لأجل لبنان، مشدداً على أنّ الطريق الوحيد إلى الحلّ، يكون بإنتاج سلطة جديدة، عبر انتخابات نيابية مبكرة، تحقق إرادة اللبنانيين وتجعلهم بحق مصدراً للسلطات.