تتجه الأنظار في لبنان إلى عودة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي من الخارج مساء اليوم الأربعاء، لتتبلور الصورة على مستوى مصير وزير الإعلام جورج قرداحي، الذي يرفض الاستقالة حتى الساعة أو الحكومة برمّتها، وعلى مستوى نتائج الاجتماعات التي عقدها في غلاسكو الاسكتلندية مع كبار المسؤولين ولا سيما أميركياً وفرنسياً.
وسيجتمع الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي عند العاشرة من صباح غد لبحث الأزمة مع السعودية وتداعياتها ونتائج اجتماعات ميقاتي.
ويعود ميقاتي إلى بيروت خائباً خليجياً ومتفائلاً بالمسعى القطري ومتسلحاً بدعم أميركي فرنسي، وسيحاول دعوة مجلس الوزراء المعلقة نشاطاته منذ ثلاث أسابيع للانعقاد لبحث الأزمة مع السعودية وبعض دول الخليج، والتي يبدو أنها آيلة إلى المزيد من التأزم ولا سيما بعد تسريب تصريحات لوزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب لصحيفة "عكاظ" السعودية التي عمدت إلى نشر محتواها أمس، ما يؤشر إلى انسداد كل آفاق الحلّ راهناً.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي اللبناني طوني عيسى لـ"العربي الجديد"، إنه "بات واضحاً أنّ ما سُمِّيَ بقضية وزير الإعلام جورج قرداحي كانت مجرد عنوان لمسارٍ أراد السعوديون أن يدخلوا به في لحظة معينة، وقد اختاروا توقيتاً محدداً، وبالتالي لو لم تكن الأزمة هذه ناتجة عن تصريح وزير الإعلام لكان هناك أمرٌ آخر سيتسبّب بالمشكلة ذاتها".
ويلفت عيسى إلى أن "السعوديين على ما أعتقد يريدون وضع أطر جديدة للعلاقة مع لبنان انطلاقاً من صراعهم الإقليمي مع المحور الإيراني ويريدون اليوم على أبواب مرحلة سيتقرَّر فيها تغيير أو تثبيت السلطة في لبنان لسنوات مقبلة عن طريق الانتخابات النيابية ثم الرئاسية، أن يغتنموا الفرصة ويحاولوا تعديل كفة الميزان الموجودة في لبنان والتي هي اليوم راجحة جداً لمصلحة إيران".
من جهة ثانية، يشير عيسى إلى أنّ "ميقاتي لن يستطيع بالموقف الرمادي الذي يمكن أن يتخذه معالجة الأزمة، وكذلك لن تفعل استقالة وزير، باعتبار أنها خرجت من هذا الإطار وباتت على مستوى صراعات كبرى بين قوى إقليمية ودولية هي التي ستقرر أين سيذهب لبنان في المرحلة المقبلة".
ويعتبر أن "الأميركيين والفرنسيين يهتمون باستقرار الوضع في لبنان لتأمين الانتخابات النيابية فالرئاسية، ويراهنون على الاستحقاق النيابي في تغيير تركيبة السلطة والأكثرية".
ويرى المحلل السياسي "أننا أمام مأزق قد يؤدي إلى تجميد نشاط الحكومة وربما تعطيل الاستحقاقات المقبلة إذا لم تعالج الأمور أو تنوجد تسوية معينة على صعيد التأزم ما بين أميركا وإيران، وكذلك بين الأخيرة والمملكة حول موضوع اليمن، فإذا طرأت عناصر إيجابية في الخارج، بذلك ستأتي التعليمات إلى المسؤولين اللبنانيين لتهدئة الأجواء".
ويشير عيسى إلى أن "قطر تستطيع أن تلعب دوراً في الحل لأنها تحتفظ بعلاقاتها مع الجميع وهي طرف مناسب في هذا المجال، ولكن هل سيساعدها أصحاب الصراع في لبنان من جهة والإيرانيون والسعودية، هنا المسألة الأساسية".
أزمة غير مسبوقة
من جهته يقول رئيس جهاز الإعلام والتواصل في "حزب القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع) شارل جبور لـ"العربي الجديد" إنّ "الأزمة التي يعيشها لبنان مع الدول الخليجية غير مسبوقة في تاريخ البلد، والأولى من نوعها مع دول شكلت دعامة أساسية للبنان في كل مراحله التاريخية وسعت باستمرار إلى الحفاظ على استقراره وعيشه المشترك وكانت رافعة مستمرّة للوضع المالي والاقتصادي، كما أن اللبنانيين يعتبرون أن الرئة التي يتنفس منها لبنان هي خليجية".
ويرى جبور أنه "كان يجب فور اندلاع الأزمة أن يصدرَ بالتوقيت ذاته موقف واضح المعالم يدعو الوزير إلى الاستقالة، وفي حال لم يستقل دعوة مجلس الوزراء لاجتماع استثنائي لإقالته مهما كانت تداعيات هذه الخطوة، لأنه لا يوجد انعكاس سلبي آخر وأكبر من انعكاس سحب السفراء بين لبنان ودول الخليج".
ويشير إلى أن "ما يحصل دليل على إفلاس الفريق الحاكم وكارثة تستدعي من اللبنانيين الانتفاضة والتوجه إلى صناديق الاقتراع لقلع وقبع الفريق الحاكم والذهاب إلى أكثرية جديدة تدير البلد انطلاقاً من معرفتها به وتاريخه ومصلحة شعبه وعلاقاته، ويجب أن يتأكد الشعب من أن اقتراعه أساسي لطي هذه الصفحة التي أوصلت لبنان للانهيار وعزله عن محيطه".
وتابع رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم الاتصالات الجارية لمعالجة الأزمة واطلع على التقارير الواردة من البعثات الدبلوماسية اللبنانية في الخارج التي تناولت أوضاع اللبنانيين في عدد من الدول الخليجية.
واستقبل عون وزير العدل هنري خوري وتداول معه المضاعفات المتأتية عن الإجراءات التي اتخذها عدد من دول الخليج في حق لبنان. وأوضح خوري أن "الاتصالات مستمرة لمعالجة ما استجد ويفترض أن يتبلور الموقف بعد عودة ميقاتي من لندن مساء اليوم".
"لا لصبّ الزيت على النار"
كما التقى عون وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب، الذي قال إن "ما حصل خلال الأيام الماضية يجب أن يقف عند حد تغليب المصلحة العربية المشتركة وعدم صب الزيت على النار"، مبيناً أن لبنان "ما كان يوماً إلا نصيراً للدول العربية ولن يكون معبراً للإساءة إلى أي دولة".
وأمس نشرت "عكاظ" تصريحات قالت إن وزير الخارجية أدلى بها لمجموعة من الصحافيين على خلفية الأزمة الدبلوماسية الأخيرة مع المملكة وقد حاول التراجع عنها مطالباً إياهم بإخفائها.
وأشارت إلى أن "بو حبيب خفّف من أهمية الدعم المالي الخليجي"، معتبراً أن "المساعدات المهمة كانت تأتي من الاتحاد الأوروبي، أما مساعدات السعودية فهي ليست للدولة، بل أعطيت في الانتخابات وأعطيت مساعدات لهيئة الإغاثة بعد 2006 التي لا نعرف أين صرفت، لكن الدولة لم تأخذ منها شيئاً".
وأضافت: "حتى لو أقال رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة قرداحي، فسيدخلان في أزمة داخلية مع سليمان فرنجية (رئيس تيار المردة الذي سمى قرداحي)". وقالت عكاظ إن "بو حبيب لم يتردد في التأكيد على أن حزب الله مشكلة في لبنان وللبنان".
هذا ودعا المطارنة الموارنة اليوم بعد اجتماعهم الشهري في مقر البطريركية – بكركي المسؤولين في الدولة إلى الإسراع في ترميم العلاقات مع دول الخليج وإزالة أسبابها وعودة حركة التصدير والاستيراد منها.