تدفقت المتاعب دفعة واحدة على إدارة بايدن. في أسبوع واحد ضربت الفيضانات شمال شرقيّ أميركا وبعض المناطق في الجنوب، والحرائق تكتسح غربيَّها. وإعصار الجلاء عن أفغانستان ما زال يتفاعل في واشنطن. قسم كبير من ولاية لويزيانا يشبه لبنان؛ لا كهرباء لأسابيع، والناس يصطفون لساعات أمام محطات البنزين. وفي ولايات أخرى، أودى الطوفان بحياة أكثر من 48 حتى الآن.
كذلك تتزايد إصابات "دلتا"، 165 ألف إصابة يومياً، ووفياتها أكثر من 1800 في اليوم، نتيجة حملة المحافظين على الكمامة واللقاح. كل ذلك انعكس سلباً على حركة الاقتصاد، حيث سجلت سوق العمل 235 ألف وظيفة جديدة فقط خلال أغسطس/آب الماضي، فيما كان المتوقع أن يتجاوز العدد ثلاثة أرباع المليون.
تضافرت هذه التحديات عشية عدة مواعيد محلية ودولية. منها عودة الكونغرس من الإجازة الصيفية الأسبوع المقبل، والمتوقع أن ينتهز خصومه الجمهوريون فرصة متاعبه لعرقلة أجندته وأولوياته المحلية، من مشروع البنية التحتية إلى حق التصويت الذي يتعرض للتضييق وموضوع الهجرة وغيرها.
ومنها أيضاً احتمال العودة إلى مفاوضات فيينا التي كان جرى همس حول إمكانية استئنافها بعد أعمال الجمعية العمومية، ثم انكفأت سيرتها بعد الانشغال بالملف الأفغاني.
كذلك فإنها جاءت عشية افتتاح الدورة العادية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، بعد حوالى أسبوعين، التي سيخاطبها الرئيس بايدن لأول مرة بعد نكسة الانسحاب من أفغانستان، وما أرخته من ظلال قاتمة على سياسته الخارجية.
وزير الخارجية أنتوني بلينكن، التقى أمس مرة أخرى الصحافة لتخفيف وطأة السقطة، وشرح الالتباسات التي ما زالت عالقة بوضع الأميركيين الأفغان الذين لم تشملهم عملية الإجلاء، التي طاردت الإدارة في الأيام الأخيرة. وهذا التقصير كان آخر ما تحتاجه الإدارة في وقت تزايدت فيه النقمة عليها بسبب مقتل 13 من قوات المارينز على مدخل مطار كابول، الأمر الذي أسهم إلى حد بعيد في هبوط رصيد الرئيس إلى 43%.
وقال الوزير، في هذا الخصوص، إنه سيغادر غداً إلى الدوحة لمتابعة الموضوع وغيره من مخلفات الانسحاب، ومنها مسألة إعادة تشغيل مطار كابول. وأضاف أن الإدارة على تواصل مع حركة "طالبان"، وأنها تنتظر "تشكيل حكومتها الجديدة للحكم على أعمالها ومسارها"، ومدى التزامها وعودها المتعلقة بتسهيل "حرية الحركة وحقوق الإنسان".
وشدد بلينكن على نية الإدارة "لاستخلاص الدروس" من العملية. واللافت أن إشارته هذه تأتي في وقت يتوالى فيه الحديث في واشنطن، ليس فقط عن تزايد خسائر الإدارة من توقيت قرارها الأفغاني وترجمته، بل أيضاً من التخبط الذي وقع فيه مطبخ سياستها الخارجية في التعاطي مع هذا الملف، فضلاً عمّا تردد عن التوتر الذي أثاره غياب التنسيق الكافي بين أقطابه في هذا الخصوص. ومثل ذلك ليس حكراً على هذه الإدارة، إذ تكرر في زمن أكثر من إدارة سابقة، في زمن كارتر وقبله نيكسون ثم في إدارة بوش الابن. الفارق هذه المرة أن التباين ظهر في أول امتحان مبكر صدف أنه كان من الوزن الثقيل مثل الانسحاب من حرب أفغانستان، فكان أن وضع الخلل تحت الأضواء الكاشفة في وقت مبكر، وسبّب انتكاسة لإدارة كانت في عزّ صعودها.
لكنّ المسألة وفق قراءات أخرى، قد لا تكون بالضرورة قاتلة بقدر ما هي خسارة مؤقتة يمكن أن تنتهي إلى أرباح صافية على المدى الأبعد. ويستشهد أصحاب هذا التحليل بعائدات الحل الدبلوماسي الذي انتهت إليه حرب فيتنام. فبعد الهرولة المحرجة في الخروج المعيب من سايغون، عادت فيتنام لتكون دولة صديقة للولايات المتحدة تتبادل العلاقات والزيارات مع واشنطن، التي كان آخرها زيارة نائبة الرئيس كامالا هاريس لفيتنام قبل أيام. طبعاً، الفارق كبير بين الوضعين الأفغاني والفيتنامي، لكن المصالح تقرر في نهاية المطاف. والتعاون الذي أبدته "طالبان" منذ بدء الانسحاب لا يُستبعد معه تكرار التجربة مع فيتنام.
يقول المتفائلون إن بايدن أراد ترجمة شعاره، إعطاء الدبلوماسية الأولوية، في الانسحاب من أفغانستان. التاريخ يحكم بالنهاية، لكن الحصيلة خسائر في الوقت الحاضر. وجاءته بالتزامن مع تحديات أخرى كبيرة لرئاسته. وبذلك وضعت تاريخه وخبرته الطويلة على المحك.