بعد يوم على وصول رئيس الورزاء الإسرائيلي نفتالي بينت وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى مدينة شرم الشيخ المصرية ولقائهما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أعلن المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بسام راضي، أن لقاء ثلاثياً عقد أمس الثلاثاء بين السيسي وبن زايد وبينت وتم فيه التباحث بشأن تداعيات التطورات العالمية، خاصة ما يتعلق بأزمة الطاقة، واستقرار الأسواق، والأمن الغذائي، فضلاً عن تبادل الرؤى ووجهات النظر تجاه آخر مستجدات عدد من القضايا الدولية والإقليمية، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
بدورها، أشارت وكالة الأنباء الإماراتية "وام" إلى أن الاجتماع الثلاثي عقد أمس، وتناول "تعزيز العلاقات بين الدول وأهمية التعاون والتنسيق والتشاور بما يلبي طموحات التنمية والاستقرار في المنطقة، وأمن الطاقة واستقرار الأسواق العالمية".
كما تبادل بن زايد وبينت بحسب الوكالة وجهات النظر بشأن عدد من القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك. كذلك أشار مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن اللقاء عقد أمس الثلاثاء. ولفت إلى أنه "تم بحث العلاقات بين الدول الثلاث وسبل تقويتها على جميع المستويات".
في المقابل، أوضح مصدر دبلوماسي مصري رسمي، في حديث مع "العربي الجديد" أن "اللقاء رُتب على عجل، وجرى تنسيقه بشكل سري، ولم يعلم به مساعدو وزير الخارجية سامح شكري، الموجود خارج مصر في الوقت الراهن، حيث يشارك في اجتماعات وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي" المنعقدة في العاصمة الباكستانية إسلام أباد.
التطورات التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن عجلت بإتمام اللقاء
ولفت المصدر إلى أن "التطورات التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن، ربما تكون هي التي عجلت بإتمام اللقاء، خصوصاً أنه كانت هناك ترتيبات لخطوات مغايرة، كانت تتضمن زيارة مسبقة لرئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، إلى إسرائيل قبل زيارة بينت، التي كانت مقررة نهاية الشهر الحالي".
تفاهمات أمنية واقتصادية في اللقاء الثلاثي
من جهته، كشف مصدر مصري آخر طبيعة الملفات التي تم التباحث بشأنها، قائلاً: "يمكن تلخيص مخرجات اللقاء في التوصل لتفاهمات أمنية، وأخرى اقتصادية بشأن سيناء".
وأوضح المصدر أنه "في ما يخص التعاون الاقتصادي بين الأطراف الثلاثة، فإن هناك تفاهمات في ما بينهم على خطة مشروعات اقتصادية في محافظة شمال سيناء، بالقرب من الحدود مع قطاع غزة، بشأن إقامة مدينة صناعية، ستتولى الإمارات الجانب الأكبر من تمويل مشاريعها".
وأشار كذلك إلى أن "هناك شقين لاتفاقات أمنية مشتركة؛ الأول منها بين مصر وإسرائيل بشأن المشروعات المرتقبة في سيناء، والآخر إقليمي بشأن مواجهة التحديات والتهديدات الإقليمية".
وأكد المصدر أن المشروعات في سيناء "تمثل جزءاً من تصور لتهدئة طويلة المدى مع الفلسطينيين في قطاع غزة، عبر ربط أي اتفاق بينهم وبين الإسرائيليين بمكاسب اقتصادية، من شأنها ضمان استمرارية الاتفاق وعدم انهياره في أي وقت، على أن تكون آلية التحكم في هذه المشروعات عبر مصر وإسرائيل، وبالطبع الممول الخليجي المتمثل في الإمارات، وليست في يد الفلسطينيين أنفسهم".
تحالف إقليمي لمواجهة إيران
ولفت المصدر إلى أن "هذه الاتفاقات تستهدف من ورائها إسرائيل تعزيز روابط تحالف أوسع مع دول الإقليم، وعلى رأسها مصر، لمواجهة إيران، بمشاركة كل من الإمارات والسعودية، في ظل اضطرار الإدارة الأميركية لتوقيع الاتفاق النووي، بشروط تمثل قلقاً بالغاً لحلفاء أميركا في المنطقة وعلى رأسهم تل أبيب وأبوظبي والرياض".
وأشار المصدر في الوقت ذاته، إلى أن "مكاسب مصر من هذا التحالف ستكون اقتصادية بحتة"، مؤكداً أن "مصر ليست لها ملفات متصادمة مع إيران، بل على العكس ربما بإمكانها تطوير علاقات أكثر توازناً عن أي وقت مضى".
وكشف المصدر أن "وجود مصر ضمن الحلف المتشكل، سيضمن لها حوافز اقتصادية مباشرة من الإمارات والسعودية، بالإضافة إلى دعم إسرائيلي لدى المؤسسات الدولية المانحة بالشكل الذي يخفف وطأة الأزمة الاقتصادية التي يواجهها النظام".
المشروعات في سيناء تمثل جزءاً من تصور لتهدئة طويلة المدى مع الفلسطينيين
في المقابل، قال مصدر آخر، تابع مجريات المشاورات في شرم الشيخ بحكم موقعه الرسمي، إن "التحالف المقرر تشكيله، وإن كان بشكل غير رسمي، يستهدف فرض ضغط في مواجهة ما سيرتبه الاتفاق النووي فور دخوله حيز التنفيذ، في ضوء عزم الولايات المتحدة حذف الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية وعلى وقع الضغوط الأوروبية على واشنطن لإتمام الاتفاق بشكل سريع".
وأوضح المصدر أن الحلف الجديد الذي تسعى إسرائيل لتشكيله "ليس ضد واشنطن، بل ربما يكون مخرجاً لها من المأزق الواقعة فيه، بسبب الضغوط التي خلفتها الحرب الروسية على أوكرانيا وتأثيرها على سوق الطاقة العالمي، إذ يسعى بينت لإقناع الإمارات والسعودية بزيادة إنتاج النفط، والتوسط بينهما وبين الإدارة الأميركية، في محاولة لتصحيح مسار العلاقات بين الأطراف الثلاثة".
في السياق، أشار تقرير لصحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، إلى أن "لقاء شرم الشيخ يهدف أساساً إلى تطويق إيران، بما في ذلك عبر محاولة تجنيد تركيا لهذه الغاية في ظل تحسّن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب أخيراً".
وأضاف التقرير أن اللقاء يهدف كذلك "لمحاولة تخفيف حدة التوتر بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، في ظل قرار واشنطن بعدم اعتبار جماعة الحوثيين في اليمن إرهابية، ونيتها إصدار قرار يخرج الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية، إضافة إلى تجنيد مصر لموقف أكثر تماثلاً مع الموقف الأميركي في الأزمة الأوكرانية".
وبحسب التعبير الذي استخدمه التقرير، فإن "لقاء شرم الشيخ هو جزء من هندسة إسرائيلية شاملة لتطويق الإيرانيين، تشمل كل القوى الإقليمية بما في ذلك تركيا وتتم بدعم أميركي".
وأوضح التقرير أن "اللقاء في شرم الشيخ جاء مدفوعاً بمخاوف كل من إسرائيل ودول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، من التداعيات المحتملة لتوقيع أميركا على اتفاق نووي جديد مع إيران، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عن الأخيرة وكذلك رفع الحرس الثوري عن قائمة المنظمات الإرهابية".
"يديعوت أحرنوت": لقاء شرم الشيخ يهدف أساساً إلى تطويق إيران
الزيارة الثانية لبينت إلى مصر
وتُعد زيارة بينت إلى مصر هي الثانية له في غضون ستة أشهر بعد توليه منصب رئاسة الحكومة في يونيو/حزيران الماضي. وكانت الزيارة الأولى في سبتمبر/أيلول الماضي، وتم فيها بحث مجموعة من الملفات المشتركة بين البلدين، جاء في مقدمتها التوصل لاتفاق تهدئة مع فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
وترأس بينت في زيارته أول من أمس، وفداً ضم مستشار الأمن القومي إيال حولتا، ومستشارة رئيس الوزراء للشؤون السياسية، شمريت مئير، بالإضافة إلى مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى.
ومطلع العام الحالي، انطلقت مفاوضات أمنية بين وفود من مصر وإسرائيل، من أجل إقامة منطقة صناعية بالقرب من الحدود مع غزة، في إطار التسهيلات التي تستهدف تخفيف صعوبة الوضع المعيشي لسكان القطاع، وتشغيل أبنائه، وذلك في إطار المضي قدماً في الاتفاقات التي من شأنها المساهمة في التوصل لاتفاق تهدئة طويل المدى بين الاحتلال وفصائل غزة.
وشملت الخطوات المصرية في هذا الإطار إنشاء أول محطة توليد وإنتاج كهرباء في العريش بشمال سيناء، بقدرة إجمالية تبلغ 250 ميغاوات.
ووفقاً للشق الاقتصادي من "صفقة القرن" (خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية)، الذي أعلن في ورشة عُقدت في العاصمة البحرينية المنامة، في يونيو/حزيران 2019، فسوف تحصل مصر (بحال المضي بالصفقة) على 9.167 مليارات دولار من قيمة المبالغ المالية في إطار إنفاذ الصفقة، محتلة المركز الثاني بعد الأراضي الفلسطينية التي ستحصل على 27.8 مليار دولار، وقبل الأردن الذي سيحصل على 7.365 مليارات دولار، ولبنان الذي سيحصل على 6.325 مليارات دولار.
وسيتم تخصيص نصف مليار دولار لتطوير منشآت ومرافق الطاقة في سيناء وجعل مدنها قابلة للحياة وجاذبة للاستثمار، وكذلك تخصيص نصف مليار دولار لتطوير منشآت ومرافق المياه في سيناء لجذب مزيد من الاستثمار والأيدي العاملة المستدامة.
بالإضافة إلى تخصيص نصف مليار دولار لإنشاء شبكة طرق متكاملة بين مدن سيناء لتدعيم البنية التحتية الجاذبة للاستثمار، وأخيراً تخصيص نصف مليار دولار لدعم المشاريع السياحية في جنوب سيناء على ساحل البحر الأحمر.
وقد تم أيضاً اقتراح تخصيص 42 مليون دولار لتطوير وإصلاح خطوط النقل والمواصلات ونقل الطاقة بين مصر وقطاع غزة، على مدار 5 سنوات وفي إطار ثلاث مراحل، وتمكين الفلسطينيين من شراء الطاقة بمختلف أنواعها من مصر بأسعار منافسة، ودعم قدرة مصر على إنتاج الطاقة الكهربائية وتحسين جودة المنتج المورد إلى غزة والعمل على ديمومته.
كما تم اقتراح تخصيص نصف مليار دولار لدعم الجهود المصرية لإنشاء وتطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وزيادة المشاريع والمصانع والمناطق اللوجستية فيها، وتخصيص نسبة من العمالة فيها للفلسطينيين.