اعتبر محللون أن خطاب رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، أمس الخميس، بشأن لقاء وزيرة خارجيته نجلاء المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، لم يخرجه من دائرة الشبهات حول صلته باللقاء الذي فجر موجة احتجاجات شعبية في البلاد.
ووصف الدبيبة اللقاء بـ"الأمر الجلل" في أول حديث علني له، خلال اجتماع لمجلس وزراء حكومته، معلناً رفض حكومته التطبيع مع إسرائيل، من دون حسم مسألة إقالة المنقوش التي غادرت البلاد إلى تركيا، إثر الاحتجاجات.
وكانت مصادر حكومية أكدت في تصريحات سابقة، لــ"العربي الجديد"، أن الدبيبة أقال المنقوش، قبل أن يعلن السفير الفلسطيني لدى طرابلس محمد رحال أنه أبلغ بقرار الإقالة الاثنين الماضي، لكن في خطابه أمس لم يتطرق الدبيبة لهذه المسألة.
وقال الخبير القانوني المهتم بالشأن السياسي بلقاسم القمودي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "أهم قرار كان يجب الإعلان عنه للخروج من دائرة الشبهات وتأكيد عدم صلته (الدبيبة) بلقاء روما هو إقالة المنقوش"، مضيفاً: "الدبيبة تحايل على إجراءات صحيح القانون. قوله إن لقاء المنقوش تصرف فردي يعني أنه جرى من دون علم الحكومة، ومثل هذا التصرف يُقابَل بإجراء إقالتها الفوري".
وكان الدبيبة اكتفى، ليل الأحد الاثنين الماضي، بإعلان وقف المنقوش عن العمل وتكليف لجنة وزارية للتحقيق معها وإعلان النتائج في أجل أقصاه ثلاثة أيام.
وعلى الرغم من ذلك، فإنه طلب، في كلمته أمس، انتظار نتائج التحقيق ليعرف الجميع "تفاصيل ما حدث في روما"، من دون أن يشير إلى كيفية التحقيق مع الوزيرة التي غادرت البلاد.
كما لم توضح وزيرة العدل بالحكومة حليمة البوسيفي، رئيسة فريق التحقيق الوزاري، طريقة التحقيق مع المنقوش، مكتفية بالتأكيد على استمرار التحقيق "بسرية كما تقتضيه قوانين التحقيقات".
وقال القمودي إن قضية المنقوش سياسية وطنية وليست خطأ ادارياً حتى ينص قرار وقفها عن العمل على إحالتها إلى تحقيق إداري.
وأضاف: "الوجه الآخر للتحايل، وربما الهدف منه عدم خروج القضية من دائرة سيطرته (الدبيبة) الحكومية، هو أن التحقيقات في مثل هذه القضايا لا تجريها الحكومة كونها طرفاً في القضية ومتهمة بالتورط في اللقاء، بل تجريها جهة محايدة"، مضيفا أن ذلك من صلاحيات الجهات التشريعية.
واستدرك: "نظراً للخلافات بين الحكومة ومجلس النواب، فمن يتولى التحقيق هو القضاء ومكتب النائب العام وفق تحقيق شامل، لإثبات أن التصرف فردي أو أن له صلات بالحكومة"، مشيراً إلى أن نائب رئيس الحكومة طالب بذلك بشكل ضمني خلال تعقيبه على كلمة الدبيبة.
وكان حسين القطراني، نائب رئيس الحكومة المعروف بخلافاته مع الدبيبة، أشار، في تعقيب على كلمة الأخير، إلى عدم إمكانية التحقيق مع المنقوش لـ"مغادرتها" البلاد، مطالباً بضرورة "معرفة تفاصيل ما حدث في لقاء روما"، وقال: "لا بد من التحقيق في ملفات وزارة الخارجية للتأكيد للرأي العام على أن هذا التصرف كان فردياً".
"مخاوف" الدبيبة
وفيما ألقى الدبيبة اللوم على الوزيرة مؤكداً أن اللقاء "حدث وفقاً لتصرف فردي"، إلا أنه أثنى على أعمالها في وزارة الخارجية قائلاً: "عملت طوال فترة مسؤوليتها عن وزارة الخارجية بكل إخلاص لقضايا وطنها، ودافعت عنه في كل محفل، ونحن ملزمون بأن نتسامى عن عواطفنا الإنسانية ونتحمل الإجراءات القاسية، ولكن ضريبة المسؤولية تحتم عليها تحمل نتائج المخالفة، وبالأخص هذا الأمر".
وأرجع القمودي عدم إعلان الدبيبة عن قرار إقالة المنقوش إلى أنه يتعلق "ربما" بمخاوف خروجها للتصريح ببعض التفاصيل التي تظهر علاقته بلقاء روما، "ولذا جاءت كلمته تترنح بين إدانتها وتبرئتها"، مشيراً إلى أن الأنباء بشأن وقوع الدبيبة تحت ضغوط أميركية لإرجاع المنقوش "غير مقنعة" كسبب لعدم الإقالة، كونها "ليست من الشخصيات ذات الثقل الدبلوماسي".
وقال إن انزعاج واشنطن من الإعلان عن اللقاء "لا يتعلق بثقل ليبيا كدولة مطبعة"، بل من عدم قدرة تل أبيب في المستقبل على إقناع دول عربية أخرى بالتطبيع من خلال البدء باتصالات سرية يمكن أن يجرى تسريبها.
من جهته، قال المحلل السياسي عيسى أهمومة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "كلمة الدبيبة أبقت على حالة الغموض في ما يخص موقف حكومته من لقاء روما، ولم تكشف عن شيء، لأنه يدرك جيداً أنه لن يستطيع إقناع الرأي العام".
واتهم الدبيبة في كلمته أطرافاً لم يسمها باستغلال "لقاء روما" لـ"تصفية حسابات سياسية ضيقة"، قائلاً إن "هناك من توشّح بعلم فلسطين لممارسة الوقاحة السياسية"، في إشارة إلى مجلس النواب الذي عقد جلسة طارئة، الاثنين الماضي، لمناقشة موقفه من "لقاء روما"، وظهر فيه كامل أعضائه يلبسون الكوفية الفلسطينية.
وقال أهمومة إن الخطاب غلب عليه "طابع المراوغة السياسية"، مضيفاً: بعد بضع كلمات تحدث بها الدبيبة عن وجود تحقيق والتأكيد على رفض التطبيع، قفز ليهاجم (رئيس مجلس النواب) عقيلة صالح وأنصاره في مجلس النواب ويتهمهم بمحاولة توظيف الحديث سياسي".
وأضاف أن الهدف من الكلمة كان "نقل الحدث من مرحلة الدفاع إلى الهجوم على أعدائه السياسيين في مجلس النواب تحديدا"، مشيرا في ذات الوقت إلى أن "مجلس النواب عقد جلسة طارئة لاستثمار أزمة الحكومة وتضييق الخناق عليها، لكنه تراجع ولم نسمع له صوتا فيما بعد".
وتابع: "برأيي أن صمت مجلس النواب اللاحق يتعلق ببدء توسع الصحف الدولية في الحديث عن الشخصيات الليبية التي أقامت اتصالات سرية مع الكيان الصهيوني، وعلى رأسهم خليفة حفتر"، مستنداً في ذلك إلى عدم خروج أي مدينة أو منطقة في مناطق سيطرة حفتر، في شرق وجنوب البلاد، للمشاركة في احتجاجات إدانة مساعي التطبيع مع إسرائيل.
وأكمل بالقول: "حفتر نفسه لزم الصمت، فقيادته لا يمكن أن تفوت فرصة كهذه لمهاجمة الدبيبة، إلا أن الصمت يتعلق بصلات حفتر ونجله صدام بإسرائيل التي ربما تكون في مرحلة حساسة ومتقدمة، وقد يتسبب خروجها للعلن في أزمة تزلزل الأرض تحت أرجل حفتر كما حدث للدبيبة".
وحول التداعيات السياسية للقاء روما، يرى أهمومة أن الدبيبة امتص الصدمة، وقال: "يتوجب عليه الإعلان عن إقالة المنقوش، وتعيين شخصية دبلوماسية لها ثقلها ومعروفة في الأوساط".
واعتبر المحلل أنه في حال لم يتخذ الدبيبة هذه الإجراءات و"استمر في الهروب والمراوغة"، فالسيناريو المقبل هو استثمار أطراف دولية للأوضاع لدعم خيار اختيار حكومة بديلة عن حكومتي البلاد، وتشكيلها من شخصيات ليست على صلة بالأطراف المتنفذة كمجلسي النواب والدولة وحفتر".