استمع إلى الملخص
- الدلالات الأمنية والسياسية: اللقاء يشير إلى اتصالات خلف الكواليس بين الطرفين، حيث يمكن أن يسهم الطرابلسي في صياغة مقاربة أمنية مع حفتر لمعالجة الانقسام الحكومي، في سياق اجتماعات دولية لدعم وقف إطلاق النار.
- الدور التركي والتحديات: تركيا تسعى للتقريب بين الشخصيات الليبية، لكن التوترات المستمرة والمصالح المتضاربة تجعل من الصعب تحقيق تقارب حقيقي دون ترتيبات طويلة الأمد.
دفع لقاء قادة أساسيين في حكومة الوحدة الوطنية الليبية وقيادة اللواء خليفة حفتر، أمس الثلاثاء، الحديث مجدداً عن مسألة الانقسام الحكومي والسبل الممكنة لمعالجته، خاصة في ظل التفاهمات الأخيرة التي توصلت إليها مختلف أطراف الصراع وأنهت بها الأزمة التي عصفت بالمصرف المركزي، بعد أن كادت تصعّد من حدة الانقسام في البلاد.
وأمس الثلاثاء التقى وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي، وصدام حفتر (نجل اللواء خليفة حفتر) الذي يحمل صفة رئيس أركان القوات البرية في قيادة مليشيات والده، خلال حضورهما معرض "ساها إكسبو 2024" الدولي للدفاع في إسطنبول بدعوة تركية.
وأظهرت صور تناقلتها وسائل إعلام تركية وليبية على نطاق واسع الطرابلسي وحفتر وهما يجلسان إلى جانب بعضهما على هامش المعرض ويتبادلان الحديث، في أجواء تعكس تقارباً بينهما، وصور أخرى وهما يتجولان داخل المعرض ويستمعان لشروحات المسؤولين عن المنتجات الدفاعية التركية.
ويعد هذا اللقاء الأول من نوعه بين مسؤولين بارزين في حكومة الوحدة الوطنية وقيادة حفتر، منذ توتر العلاقة بينهما إثر منع قيادة حفتر رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة من زيارة بنغازي في مايو/ أيار 2021، قبل أن تتحوّل العلاقة إلى خصومة ومقاطعة خلال السنوات التالية. إذ تعتبر قيادة حفتر الحكومة المكلفة من مجلس النواب هي الحكومة الشرعية؛ بعد أن أيدت قرار مجلس النواب باعتبار حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية.
دلالات وأبعاد لقاء صدام حفتر والطرابلسي
وعلى الرغم من أن كلا الجهتين لم يصدر عنها أي موقف رسمي حيال هذا اللقاء، إذ اكتفت قيادة حفتر بإعلان زيارة صدام إلى إسطنبول بدعوة تركية، وكذلك وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية التي نشرت صور الطرابلسي مع وزير الدفاع التركي يشار غولر، دون أن تنشر كلا الجهتين أي صور تجمع صدام والطرابلسي، إلا أن أستاذ العلوم السياسية أبوبكر طلمون يعتبر اللقاء مؤشراً على وجود اتصالات في كواليس العلاقة بين قيادة حفتر والحكومة في طرابلس، "فلا يمكن أن يكون لقاء حدث بالصدفة دون ترتيبات مسبقة".
ووفقاً لرأي طلمون، فإن أهمية اللقاء تأتي لكونه حدث بين شخصيات عسكرية وأمنية. ويضيف في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "هذا هو المهم لقراءة الحدث، صدام عسكري له وزنه في قرارات معسكر والده وهو من يملك القوة على الأرض، والطرابلسي كذلك له حجمه في حكومة طرابلس فهو يتولى وزارة الداخلية التي كانت طيلة أشهر طويلة ماضية تمثل مركزية في تحركات وقرارات الحكومة، وقبل ذلك فالطرابلسي شخصية عسكرية تتبعه مليشيات قوية في طرابلس وخارجها".
ومن هذا المنظور، يرى طلمون أن الطرابلسي وصدام قد يكونان "أقرب ممثلين لطرفي الحكومة وقيادة حفتر لصياغة مقاربة أمنية لأساس معالجة الانقسام الحكومي وتقريب تصور دمج الحكومتين للواقع". وتابع في هذا السياق قائلاً: "الطرابلسي بالفعل نجح في انتزاع العاصمة طرابلس من قبضة المليشيات وحدّ من نفوذها عبر برامجه الأمنية، التي توسعت حتى شملت مناطق بعيدة مثل السيطرة على المنفذ الحدودي مع تونس". ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن الطرابلسي يسعى كذلك "لربط اتصالات وعلاقات مع الجزائر لتحقيق السيطرة على الحدود المشتركة معها، وقريباً جداً كان له دوره الأساسي في تجنيب العاصمة من حرب واسعة أثناء اندلاع أزمة المصرف المركزي، وكل هذا يجعله شخصية لها ثقلها داخل الحكومة؛ ويمكن أن توازن شخصية صدام في معسكر والده".
ويستشهد طلمون لصحة قراءته خلفيات وأسباب اللقاء ذي الصبغة العسكرية الأمنية بأنه جاء في سياق النشاط في الاجتماعات العسكرية والأمنية مؤخراً، خاصة عقد مجموعة العمل الأمنية الدولية المعنية بليبيا لقاءها الأول في ضيافة لجنة 5+5 العسكرية الليبية المشتركة في مقرها بمدينة سرت.
والخميس الماضي أعلنت البعثة الأممية عن عقد مجموعة العمل الأمنية الدولية مع لجنة 5+5 العسكرية الليبية اجتماعاً بمدينة سرت، وسط شمال البلاد، لمتابعة أعمال الأخيرة ومناقشة كيفية تقديم الدعم لها لتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار.
وفيما لم تعلن البعثة الأممية عن نتائج الاجتماع، فإنها نشرت تصريحات للقائمة بأعمال البعثة ستيفاني خوري، شددت خلالها على "الحاجة الملحة لإنهاء الانسداد السياسي بهدف توحيد مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها المؤسستان العسكرية والأمنية، وتمكين اللجنة العسكرية المشتركة من التنفيذ الكامل لكافة بنود اتفاق وقف إطلاق النار".
ويعتبر طمون ربط خوري بين اجتماع سرت الأمني العسكري وضرورة إحياء العملية السياسية دليلاً على وجود اتجاه دولي وإقليمي "لبناء خطة لإطلاق مسار سياسي من واقع تقارب أمني وعسكري بين طرابلس وبنغازي".
مسعى تركي للتقريب بين الشخصيات الليبية
أما الناشط السياسي فاضل الطويل، فيرى اللقاء "مجرد لقاء سريع وعلى هامش معرض لمنتجات دفاعية، فلا يحمل أي انعكاس لتقارب حقيقي بين قيادة حفتر والحكومة في طرابلس". وأضاف: "في الأمس القريب مليشيات صدام هي من حاولت اقتحام غدامس، التي تسيطر عليها مليشيا تابعة للطرابلسي، الذي دفع الحكومة لإعلان النفير العام في أوساط قواتها، ومنذ لحظتها تصاعد الوضع وتفجرت أزمة المصرف ببعدها الاقتصادي المتصل بالنفط، الذي بدأه صدام بقفل حقل الشرارة، وهو أهم الحقول النفطية". وتساءل: "فكيف يمكن أن يمثل لقاء الرجلين تقارباً بين المعسكرين بهذه السرعة، والتقارب الحقيقي البعيد عن المصالح الشخصية والضيفة يحتاج ترتيبات طويلة وحوارات، أما اللقاء فطبيعته كما نرى عسكرية وأمنية وليست سياسية".
ويرجح الطويل في حديثه لـ"العربي الجديد" أن يكون وراء دعوة تركيا للطرابلسي وصدام خطوة تركية نحو المزيد من خطوات الاقتراب من معسكر حفتر لتشبيك العلاقات بشكل أقوى، خاصة مع تقاربها الأخير مع القاهرة، التي يعد حفتر حليفها الأول في ليبيا. وتابع قائلاً "في هذا الإطار والخلفية يمكن قراءة اللقاء على أنه مسعى تركي للتقريب بين شخصيات في معسكري غربي البلاد وشرقيها، لكن هدف تركيا منه لن يتجاوز تحقيق مصالحها، فهي تدرك جيداً أن الملف الليبي دخل مرحلة تنافس شديد بين قوى دولية كبرى ولن تتمكن بمفردها فعل أي شيء أساسي لاخترق الانقسام فيه". وختم قائلاً: "وقبل هذا فحفتر شخصية لا تؤمن بمبدأ الشراكة في السلطة واحتياله السياسي معروف لدى الحكومة في طرابلس، ومجريات الوضع لم يظهر من خلالها أي جديد يمكن أن يوفر للحكومة أي ضمانات لنية حفتر في التقارب وعدم انقلابه كما هو معروف عنه".