أثارت عملية الإنزال الأخيرة التي نفّذتها قوة أميركية ضد زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي عبد الله قرداش، المعروف باسم أبو إبراهيم القرشي الهاشمي، وأدّت إلى مقتله في محافظة إدلب شمال غربي سورية، ومن قبله أبو بكر البغدادي، العديد من التساؤلات حول كيفية وصول هذين الرجلين إلى هذه المنطقة، وعن الطرق التي سلكاها، وإذا ما كانت السلطات المحلية أو البيئة سهّلت عملية وصولهما إليها، أو أنّ هناك أسباباً أخرى جعلت منها ملاذهما الأخير.
تخضع جميع مناطق محافظة إدلب، الخارجة على سيطرة قوات النظام السوري، لسيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، التي كانت جزءاً من التنظيم الإرهابي قبل أن تنفصل عنه وتتخذ من هذه المحافظة مركزاً لها في سورية.
وتفرض الهيئة قبضة أمنية على المنطقة، وتعلن بشكل دائم القبض على مسؤولين في "داعش"، وآخرين يعملون لصالح النظام السوري، لكن القبض على زعيمي هذا التنظيم يجعلها محط اتهام بتسهيل وصولهما إلى المنطقة، بينما يعتبر مراقبون أنّ قيادة الهيئة كان لها دور بالكشف عن مكانيهما.
عرابي: اكتظاظ منطقة أطمة يجعل التخفي سهلاً لأي شخص دون لفت أنظار السكان المحليين أو سلطات الأمر الواقع
يقول الباحث في الشأن السوري والجماعات الجهادية عرابي عبد الحي عرابي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "اكتظاظ محافظة إدلب بالنازحين الذين يزيد عددهم على أربعة ملايين نسمة يجعلها بيئة جاذبة لمثل هؤلاء القادة، وخاصة منطقة أطمة القريبة من الحدود التركية التي تعجّ بالمقاتلين الأجانب من جميع الجنسيات العربية والأجنبية، الذين دخلوا الأراضي السورية بعد اندلاع الثورة 2011، وهذا الاكتظاظ يجعل التخفي سهلاً لأي شخص دون لفت أنظار السكان المحليين أو سلطات الأمر الواقع".
ويشير إلى أنّ وصول زعيم "داعش" الأخير إلى المنطقة "ليس حديثاً وقد يكون وصل قبل خمسة أشهر، وهناك معلومات تؤكد أنه بدأ بالتحرّك من الأراضي العراقية قبل نحو سنة، وقد تعاقب على المنزل الذي عثر عليه مختبئاً فيه عدد من الأشخاص، على الأغلب مقرّبون من التنظيم وكان يحضّرون لوصوله، ومنذ وصول نبأ استقراره في المنطقة إلى الجيش الأميركي بدأ بمتابعته عبر وسائله الخاصة".
واستبعد عرابي أي دور للهيئة بوصول قرداش إلى المنطقة أو القبض عليه، لكنّه أشار إلى أنّ من أوصله ومن قبله "أبو بكر البغدادي" إلى المنطقة هي شبكات التهريب المنتشرة في جميع مناطق السيطرة، بدءاً من مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) إلى مناطق سيطرة النظام فمناطق سيطرة "الجيش الوطني السوري" المعارض المدعوم من تركيا، لافتاً إلى أنّ هذه "الشبكات هدفها جمع المال، وقد لا تكون منتمية لأي تشكيل عسكري".
وعن سبب اختيار هؤلاء القادة لإدلب دون مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، فهو كون الأخيرة خالية من الأجانب ما يجعلهم محط أنظار الجميع، بحسب عرابي، مبيّناً أنّ توجّههم إلى إدلب "لا يعني وجود حاضنة شعبية لهم هناك، لكنّ الأمر مرتبط بأنّ سلطات هيئة تحرير الشام لا تمانع وجود الأجانب في المنطقة، على عكس سلطات الجيش الوطني التي تنتشر في أرياف محافظات حلب والرقة والحسكة".
ثغرات أمنية
وبدوره أشار الباحث في مركز "جسور" عبد الوهاب عاصي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ هناك "ثغرات أمنية في جميع المناطق السورية ما جعل هذه الخلايا التابعة لداعش تستغلها، وهذا جعل أنظار التنظيم تتجه نحو إدلب واعتبارها ملاذاً آمناً لقادته، بعد أن تمكّن من خلق جيوب عديدة الهدف منها الإشراف على العمليات العسكرية على امتداد الأراضي السورية ومراقبتها، وربّما لإعادة هيكلة مجموعات انطلاقاً من هذه الجيوب".
عاصي: خلق "داعش" في إدلب جيوب عديدة الهدف منها الإشراف والمراقبة على العمليات العسكرية على امتداد الأراضي السورية
وأكّد عاصي أنّ "هذه الخلايا حاولت إبعاد الأنظار عنها بتقليل عملياتها الأمنية والتفجيرية في إدلب، على عكس ما كانت تقوم به في مناطق السيطرة الأخرى، وخاصة في البادية السورية والمناطق الواقعة شرقي نهر الفرات، وهي مناطق انتشار قوات النظام والمليشيات الموالية لها، وقوات (قسد) والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية".
عربون صداقة للمجتمع الدولي؟
وقال مصدر مقرّب من "هيئة تحرير الشام" من إدلب، لـ"العربي الجديد"، إنّه لا يمكن أن تكون عملية قتل زعيمي تنظيم "داعش" قد تمّت بدون علم قادة الهيئة، وذلك لعدة أسباب؛ منها الحملات الأمنية التي تشنّها الهيئة ضد خلايا التنظيم في المنطقة، والتنسيق العالي بينها وبين القوات التركية المنتشرة في المنطقة التي أعلنت علمها بعملية قوات أميركية على أطراف أطمةقرية، وخاصة أنّ هناك نقطة تفتيش تتبع للهيئة تقع على مقربة من هذا المنزل، ما يعني أنها ربما كانت تراقبه وتعلم بمكان وجوده.
ولفت إلى أنّ الهيئة ممثّلة بقائدها أبو محمد الجولاني "تسعى لنفي تهمة الإرهاب عن نفسها، وتحاول تقديم عربون صدق للمجتمع الدولي". ولم يستبعد المصدر علم الهيئة وإبلاغها بمكان وجود البغدادي الذي قتل بعملية إنزال مشابهة في ريف إدلب أواخر عام 2019، مشيراً إلى أنّها "اعتقلت وأعدمت المئات من الجهاديين الأجانب المتشدّدين، وحاولت التخفيف من نبرتها الخطابية على الإعلام، ووجّهت العديد من الرسائل التي لا يرضى عنها الكثير من عناصرها، محاولة الظهور بمظهر التشكيل المعتدل".
وكانت الولايات المتحدة الأميركية أعلنت مقتل زعيم "داعش" عبد الله قرداش خلال عملية إنزال جوي شمالي محافظة إدلب، ليلة الأربعاء-الخميس، وأكّدت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، مقتل ستة أطفال وثلاث نساء على خلفية اشتباكات بين قوات التحالف الدولي ومسلحين، لم تتمكن من تحديد هويتهم في أطمة بريف إدلب، وطالبت قوات التحالف الدولي بفتح تحقيق في الحادثة، وإظهار مدى الاحتياطات التي تم اتخاذها، وسبّب وقوع الضحايا المدنيين.