في وقت يستمر فيه "الهدوء النسبي" على الجبهة الجنوبية في لبنان، تزامناً مع "الهدنة في غزة"، مع تسجيل خرق واحد، اليوم الثلاثاء، بإطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي قذيفة سقطت على أطراف بلدة عيتا الشعب، استُؤنف الحراك الرئاسي على الساحة المحلية، من خلال بدء الموفد الرئاسي الفرنسي إلى بيروت، جان إيف لودريان، جولته الرابعة في البلاد.
وعيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لودريان، في يونيو/حزيران الماضي، مبعوثاً خاصاً إلى لبنان، لمساعدة الجهات السياسية اللبنانية الفاعلة على إنهاء الشغور الرئاسي المتمادي منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، وقام لأجل ذلك بثلاث جولات، كان آخرها في سبتمبر/أيلول الماضي، من دون تسجيل أي خرق جدّي في جدار الأزمة.
وعُلِّق البحث في الملف الرئاسي منذ بدء الأحداث الأمنية على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي، في 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالتزامن مع انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، علماً بأن حراكاً فاعلاً كان سبق هذه التطورات، خصوصاً من الدول الخمس، قطر، الولايات المتحدة الأميركية، مصر، فرنسا، والسعودية، وكان التعويل كبيراً عليه لإيجاد حلّ رئاسيّ.
من الرياض إلى بيروت
وفي السياق، قال الحساب الرسمي عبر منصة "إكس" التابع للسفير الفرنسي لدى المملكة العربية السعودية لودوفيك بويّ إن لقاءً مثمراً في الرياض جمع بين الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان والمستشار في الديوان الملكي نزار العلولا.
وأكد المنشور أن فرنسا والسعودية تعملان يداً بيدٍ من أجل استقرار وأمن لبنان واجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية في أسرع وقتٍ.
🇸🇦🇨🇵🇱🇧 Fruitful meeting in #Riyadh between Mr Jean-Yves Le Drian, special envoy of the President of the Republic for #Lebanon, and HE Nizar Alalula, Advisor to the Royal Court. #France and #SaudiArabia are working hand in hand to ensure Lebanon's stability and security and the… pic.twitter.com/cATXP1aNbU
— Ludovic Pouille (@ludovic_pouille) November 28, 2023
ويصل لودريان إلى بيروت، يوم غدٍ الأربعاء، حيث يجري محادثات مع المسؤولين اللبنانيين تتناول بالدرجة الأولى الملفين الرئاسي والأمني في لبنان، وذلك بعد تصريحات أدلى بها الموفد الرئاسي الفرنسي قبل أيام، أعرب فيها عن قلقه إزاء الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ سنوات، والتي أصبحت اليوم أيضاً على حافة حرب، ربطاً بالأحداث التي تشهدها الحدود اللبنانية الجنوبية.
ويبدأ لودريان، صباح غد الأربعاء، لقاءاته في بيروت التي تمتدّ لأكثر من يومٍ، مع كلّ من رئيسي الحكومة نجيب ميقاتي، ومن ثم البرلمان نبيه بري، قبل أن يستكمل نشاطه مع باقي الكتل والقوى الفاعلة لبنانياً.
وتستبعد أوساط سياسية في لبنان أن يأتي لودريان بأيّ مبادرة رئاسية رغم تلويحها بأن برنامج وأهداف الزيارة ليسا معلنين بعد وضبابيان، لكنها في الوقت نفسه تعتبر أنّ الوضع الأمني في الجنوب سيكون على طاولة مباحثات الموفد الفرنسي، إلى جانب استحقاقين أساسيّين خلافيّين، هما رئاسة الجمهورية، وقيادة الجيش التي أصبحت بدورها بدائرة خطر الشغور، مع قرب انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون، في 10 يناير/كانون الثاني المقبل، واستمرار الصراع السياسي حول الخيار الواجب سلكه لتفادي الفراغ، ولا سيما بين تعيين الخلف وتأجيل التسريح.
في السياق، يقول مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"العربي الجديد" إنّ "زيارة لودريان تندرج في إطار حرص فرنسا على استقرار لبنان السياسي والأمني، فهما يتكاملان، كذلك الخشية من تفجّر الوضع في البلاد، وبالتالي فإنّ الظروف الدقيقة الراهنة تحتم على الأطراف المعنيّة الوصول إلى حلٍّ توافقي لانتخاب رئيس، وإعادة تحريك المؤسسات السياسية واستعادتها كامل صلاحياتها".
ويشير المصدر إلى أن "الموفد الفرنسي سيحث الجهات الفاعلة في لبنان على وضع الخلافات جانباً والتقارب لإنهاء الشغور، وتشكيل حكومة جديدة فيستعيد البرلمان تبعاً لذلك دوره التشريعي"، لافتاً إلى أن "لودريان سيؤكد كذلك ضرورة أن تلتزم الحكومة بقرارات مجلس الأمن الدولي، وخصوصاً القرار 1701 الصادر عام 2006، وأن يستمرّ التنسيق بين الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في الجنوب (اليونيفيل)، للحفاظ على الاستقرار والتهدئة".
كما يلفت المصدر إلى أن "لودريان سيؤكد دعم فرنسا للمؤسسة العسكرية، التي يجب أن تكون اليوم أكثر من أي وقت مضى بعيدة عن الشغور والخلافات والصراعات السياسية، ومُحيَّدة عنها".
استبعاد التوصل لحل رئاسي قريب
في الإطار، يقول عضو كتلة "التنمية والتحرير" (يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، حليف حزب الله)، ميشال موسى، لـ"العربي الجديد"، إنّ زيارة لودريان غداً هي استكمالٌ لجولاته الثلاث، التي تناولت الملف الرئاسي والوساطة الرئاسية.
ويشير موسى إلى أن "لا أفكار واضحة ونهائية لدى لودريان، ولا علم لدينا بأن هناك مبادرة يحملها بيده، بل إن زيارته هي استئناف لحراكه، ولعلّه يجد عند الأفرقاء بالداخل شيئاً مختلفاً، خصوصاً في ظلّ الظروف الراهنة، لكن حسب ما هو واضح للآن لا تقارب حاصلاً بالمعنى السياسي لانتخاب رئيس".
ويرى موسى أن "البحث سيتناول طبعاً الملف الأمني والأحداث في غزة والجنوب اللبناني، فلبنان ليس معزولاً عن الوضع بالمنطقة والمحادثات التي تجري حولها".
من جهته، يقول عضو كتلة "الكتائب اللبنانية" (يرأسها النائب سامي الجميل، المعارض لحزب الله)، النائب الياس حنكش، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك ملفّين ضاغطين في لبنان، هما رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، ونعتبر أن الفرنسيين آتون للتحدّث بشأنهما".
ويرى حنكش أن "هناك كلاماً كثيراً بدأ يثار حول مرحلة ما بعد الهدنة الإنسانية المؤقتة في غزة، والحاجة الملحّة للضغط باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية وتحييد قيادة الجيش عن التجاذبات السياسية، لا سيما في ظلّ المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها البلاد".
ويلفت إلى أن "هناك إمكاناً لإحداث خرق ما لأن البلد بحاجة لرئيس للجمهورية، وهو القائد الأعلى للقوات المسلّحة، كما أنها بحاجة إلى من يمثّل البلاد في المحافل الدولية ويكون صلة وصل بين لبنان المحاصر والمغامر به أمام العالم، ولمن ينال ثقة اللبنانيين".
في المقابل، يعتبر حنكش أن المشهد الرئاسي برأيه "مؤجّل" لكن على القوى الفاعلة "الضغط بشكل أكبر لتشعر الأطراف جميعها بالحالة الطارئة التي تمرّ بها البلاد، والتي تستوجب منها التقدم خطوة نحو الفريق الآخر، وتقديم التنازلات الكافية المطلوبة لانتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن، وتحييد لبنان عن ما هو أسوأ".
وحول ما إذا كان الوزير السابق جهاد أزعور لا يزال مرشح القوى المعارضة لـ"حزب الله"، يقول حنكش إنّه "لا شك أنه بعد الأحداث الأخيرة بات هناك فصل جديد من التوافقات أو بناء أرضية مشتركة بين الأطراف، قد تكون على أزعور أو شخص آخر في مواصفاته".
ورداً على ما يُحكى في بعض الأروقة السياسية والإعلامية، عن تسوية قد تحصل مع "حزب الله" من بوابة الجنوب تدعم مرشحه رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية للرئاسة، يقول حنكش: "لا أربط ما يحصل في الجنوب اللبناني بتعزيز حظوظ فرنجية، خصوصاً أننا لا نعرف أصلاً كيف ستنتهي الأمور، ولكننا اليوم بمكان يحتم علينا ألا نجعل أياً من الأحداث الإقليمية وخارج الحدود اللبنانية تنعكس علينا سواء ربحاً أو خسارة، لأن هذا ما أوصل البلد إلى الخراب، بل علينا وضع المصلحة العليا فوق أي اعتبار".
وتجدر الإشارة إلى أن لودريان حمل في زيارته الأخيرة تأييداً فرنسياً لطرح رئيس البرلمان نبيه بري الحوار بين الأفرقاء قبل الدعوة إلى جلسة لانتخاب رئيس، لكنه سرعان ما لمس امتعاض القوى المعارضة من هذه الخطوة، ليعود ويدعم عند اختتام جولته، خيار المرشح الثالث.
خلاف سياسي يهدد مصير قيادة الجيش
ويُعتبر قائد الجيش اللبناني جوزاف عون من الأسماء صاحبة الحظوظ المتقدِّمة رئاسياً، خصوصاً لما تلقاه من دعم خارجي، بيد أن هناك خلافاً داخلياً حوله، لا سيما من جانب رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، الذي يُعد أيضاً أبرز رافضي خيار التمديد لعون، كحال وزير الدفاع الذي يمثله حكومياً، موريس سليم.
ويُحال عون إلى التقاعد، في يناير/ كانون الثاني المقبل، بيد أن الشغور الرئاسي وعدم وجود حكومة أصيلة مكتملة الصلاحيات يحولان دون تعيين قائد جديد للجيش.
وفي وقت يتمهّل ميقاتي في دعوة مجلس الوزراء للانعقاد للنظر في الملف من خارج جدول الأعمال، وطرح بند تأجيل تسريحه حتى حسم "حزب الله" و"حركة أمل" موقفهما، وهما أقرب إلى تأجيل التسريح، يتريث بري بتعيين جلسة برلمانية للتمديد لعون، مفضلاً أن يحصل ذلك عبر الحكومة.
ويُعدّ البطريرك الماروني أيضاً من أشدّ المعارضين لتعيين قائد جيش جديد في ظل الشغور الرئاسي، معتبراً أن الحلّ لهذه الأزمة يكمن في انتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن.
ماكرون: لتهيئة الظروف المناسبة لانتخاب رئيس للجمهورية
إلى ذلك، أكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أنّ "تهيئة الظروف المناسبة لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، وتشكيل حكومة عمل أمرٌ ملّحٌ، وأنّ ممثله الشخصي جان ايف لودريان، يواصل العمل في هذا الاتجاه".
وقال المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، إنّ الأخير تلقّى رسالة من ماكرون بمناسبة عيد الاستقلال في لبنان، أشار فيها إلى أن "فرنسا، ونظراً للعلاقات التاريخية التي تربط بلدينا، تضاعف جهودها لتعزيز استقرار لبنان وأمنه واستقلاله. ونحن دعمنا هذه الأهداف باستمرار".
وأشار ماكرون في رسالته إلى أن "امتداد رقعة الصراع إلى لبنان ستكون له عواقب وخيمة على البلد وعلى الشعب اللبناني"، مضيفاً: "تدرك فرنسا أنّ لديها مسؤولية فريدة تجاه بلدكم، مسؤولية تترجم بشكل خاص من خلال الدور الذي نضطلع به ضمن قوات حفظ السلام اليونيفيل"، مشدداً على أنه "يجب ألا يستخدم أي طرف الأراضي اللبنانية بشكل يتعارض مع مصالحه السيادية. وعلينا اليوم تجنب الأسوأ. لذلك أحثّكم على مواصلة جهودكم في هذا الاتجاه".
وتابع ماكرون رسالته: "أكدت لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في كل مرة تواصلت معه، كل الاهتمام الذي نوليه لبلدكم وأعربت له عن قلقي إزاء مخاطر التصعيد وامتداد الصراع إلى لبنان".
وأضاف الرئيس الفرنسي: "هناك حاجة ملحة لتحقيق الاستقرار في المؤسسات اللبنانية. فالشغور الرئاسي المستمر منذ أكثر من عام يلقي بثقله على قدرة البلاد على الخروج من الأزمة الحالية، وتجنب التدهور الأمني المرتبط بالحرب المستمرة في غزة. فمن دون رئيس أو حكومة فاعلة، لا احتمال للخروج من المأزق الأمني والاجتماعي والاقتصادي والمالي الذي يعاني منه في المقام الأول الشعب اللبناني".
وقال ماكرون أيضاً إن "لبنان يتمتع بكامل المقومات للنهوض مجدداً، مستنداً بذلك إلى مجموعة من المواهب ورجال الأعمال والباحثين والمبدعين الذين ذاع صيتهم عالمياً، ويمكنهم بث نفس جديد في البلد"، آملاً في أن "تكون اليقظة ممكنة أخيراً"، مؤكداً وقوف فرنسا إلى جانب لبنان كما هي الحال دائماً.