بدأ الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان جولته في بيروت، اليوم الأربعاء، بلقاء مسؤولين لبنانيين في إطار مهمته الأساسية لانتخاب رئيس للجمهورية وإنجاز توافق سياسي بين الأفرقاء والقوى الفاعلة لإعادة الانتظام إلى المؤسسات إلى جانب تأكيده على ضرورة التزام لبنان بالقرارات الأممية الدولية وعلى رأسها القرار 1701 (صادر عام 2006)، والحفاظ على الاستقرار والهدوء في الجنوب.
وحرص لودريان على التأكيد أنّ زيارته تأتي في إطار مهمّته التي استهلت في شهر يوليو/تموز الماضي، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والسعودية، وقطر ومصر، وهو ما ظهر أيضاً في اللقاء الذي عقده الموفد الرئاسي الفرنسي في الرياض مع المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا عشية جولته اللبنانية، ووُصِف بـ"المثمر".
وشدد لودريان خلال لقائه، صباح الأربعاء، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية على أن زيارته إلى لبنان تهدف إلى تجديد التأكيد على موقف اللجنة الخماسية بدعوة اللبنانيين إلى توحيد الموقف والإسراع في إنجاز الانتخابات الرئاسية وإبداء الاستعداد لمساعدتهم في هذا الإطار.
وأكد لودريان أن لقاءات عدة واجتماعات ستجري بهدف تأمين التوافق اللبناني حيال الاستحقاقات الراهنة، وفق ما نقله عنه المكتب الإعلامي للرئيس ميقاتي.
وقالت أوساط مقرّبة من ميقاتي لـ"العربي الجديد"، إن "لودريان شدد خلال اللقاء على ضرورة الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات، وأنّ الظروف الراهنة تدعو لوضع الخلافات جانباً وحصول توافقٍ سياسيٍّ يتمّم الاستحقاقات الأساسية في البلاد".
وأشارت الأوساط إلى أن "الموفد الفرنسي أكد دعم باريس للبنان والمؤسسة العسكرية، وحرصها على استقرارهما، وحثها المسؤولين اللبنانيين على ضرورة العمل لتجنيب البلاد الدخول بالصراع الدائر في غزة، الذي ستكون له تداعيات خطيرة عليها، وكذلك ضرورة استمرار العمل والتنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل)، جنوباً، والالتزام بالقرارات الدولية، ولا سيما القرار 1701".
ولفتت الأوساط إلى أن "اللقاء كان إيجابياً، وأكد الموفد الفرنسي خلاله أنه سيعمل جاهداً على محاولة تقريب المسافات بين القوى السياسية للوصول إلى توافق سياسي ينهي أزمة الشغور الرئاسي التي تجاوزت العام".
من جهته، قال ميقاتي في كلمة له بمستهلّ جلسة مجلس الوزراء، اليوم الأربعاء، إنه أكد خلال لقائه مع لودريان على أنّ "الأولوية هي لوقف العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان وغزة"، لافتاً إلى "أننا في الحكومة نتابع تحمّل مسؤولياتنا ونعمل جاهدين لتوفير الخدمات لأهلنا في الجنوب رغم صعوبة الظروف ونقدّر صمودهم وتضحياتهم".
وأعرب ميقاتي عن أمله بأن تنتهي الحرب في غزة إلى سلام بعد تجربة الهدنة التي انعكست على واقع الجنوب اللبناني، وقال إن "مروحة اللقاءات والاتصالات التي أجريتها تؤشر إلى أنّ الاتجاهات الدولية تسعى إلى وضع حلٍّ على أساس (قيام الدولتين) ونظام العدالة الإنسانية".
وأضاف رئيس الحكومة "الموفدون من الأشقاء العرب وأصدقاء لبنان الدوليين الذين يزورون لبنان، ويجرون الاتصالات لإنهاء الحرب وإرساء قواعد السلام، مشكورون على مساعيهم الهادفة إلى الحضِّ على الإسراع بانتخابات الرئاسة ورصد ما يجري في الجنوب من اعتداءات واستفزازات إسرائيلية وسقوط ضحايا".
وتأتي زيارة لودريان في وقتٍ سُجّل فيه امتعاضٌ لبنانيٌّ من الدور الفرنسي الأخير، خصوصاً في الجولة الثالثة للموفد الرئاسي إلى بيروت، في سبتمبر/أيلول الماضي، والتي رأت فيها القوى المعارضة لـ"حزب الله" في البرلمان خروجاً عن مبادئ اللجنة الخماسية، باعتبار أنها حملت تأييداً وتسويقاً لمبادرة رئيس البرلمان نبيه بري بالحوار كشرط أساسي للدعوة إلى جلسة لانتخاب رئيس، قبل أن يعود لودريان ويطرح مبادرة التوافق على مرشح ثالث.
كذلك، تأتي الزيارة في وقتٍ سجلت فيه الأوساط السياسية المقربة والحليفة لـ"حزب الله" امتعاضاً من مواقف فرنسا التضامنية مع إسرائيل، والداعية إلى ضرورة تشكيل تحالف لمواجهة حركة حماس، بعد وصفها بالتنظيم الإرهابي.
وخرج عن لقاء اللجنة الخماسية في العاصمة القطرية، الدوحة، في 17 يوليو/تموز الماضي، بيانٌ مشتركٌ، أكد على ضرورة انتخاب البرلمان اللبناني رئيساً قادراً على "تجسيد نزاهة لبنان وتوحيد الشعب اللبناني ووضع مصلحة البلاد أولاً وجعل رفاه الشعب أولوية وتأليف كتلة واسعة تنفع أكبر عددٍ ممكنٍ بغية تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الجوهرية ولا سيما تلك التي أوصى بها صندوق النقد الدولي".
وشددت الدول الخمس على ضرورة تطبيق الحكومة اللبنانية قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المرتبطة بالوضع في البلاد والقرارات الأخرى ومقررات دولية في هذا الشأن، ولا سيما التي اعتمدتها جامعة الدول العربية، والالتزام في الامتثال لاتفاقية المصالحة الوطنية التي تتيح المحافظة على الوحدة الوطنية والعدالة المدنية في لبنان.
خرق جديد لوقف إطلاق النار على الجبهة الجنوبية
في سياق الهدنة الإنسانية المستمرّة في غزة، والمنسحبة على الجبهة الجنوبية في لبنان، لا تزال القرى الحدودية تعيش حالة هدوء نسبي، مع مواصلة جيش الاحتلال الإسرائيلي بعض الخروقات. وأطلق جنود الاحتلال في موقع "العبّاد" الإسرائيلي عند حدود بلدة حولا، جنوبي لبنان، اليوم الأربعاء، النار باتجاه محيط آلية عسكرية للجيش اللبنانية خلال دورية كان يقوم بها قرب الموقع المحاذي أيضاً لموقع قوات اليونيفيل الدولية، بيد أنه لم تسجل أي صابات في صفوف العسكريين اللبنانيين.
وفي هذا السياق، بحث قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون مع الموفد الرئاسي الفرنسي الوضع العام في لبنان وآخر التطورات في الجنوب.
ونوّه لودريان بأداء الجيش في ظلّ التحديات التي يواجهها، مؤكداً "استمرار دعم بلاده المطلق للمؤسسة العسكرية".
بدوره، شكر عون فرنسا على اهتمامها الدائم بالجيش وإرسالها المساعدات له بصورة متواصلة وآخرها المساعدات الطبية.