انتهت نشوة الفوز بالانتخابات البرازيلية للرئيس المنتخب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. وبعدما كانت مهمته الأولى ضمان الهدوء، إثر الانتخابات الرئاسية التي جرت دورتها الثانية في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دخل لولا دا سيلفا، مرحلة التحديات الكبرى، فيما يعمل على تأليف فريق عمل انتقالي منسجم، عليه أن يجمع فيه بين اليساريين والليبراليين الذين تحالف معهم لهزيمة الرئيس اليميني المتطرف الخاسر في الانتخابات، جايير بولسونارو.
من جهته، يواصل الأخير الالتزام بالصمت، إثر صدور نتائج الانتخابات، التي حسمها لولا بفارق 1.8 في المائة فقط، فيما أصبح حزب بولسونارو، "الحزب الليبرالي" اليميني، والأحزاب اليمينية الأخرى المتحالفة معه، الأكبر في الكونغرس في غرفته، الغرفة الأدنى ومجلس الشيوخ.
يستبق لولا تشريعات قد يكون صعباً تمريرها في كونغرس معاد
في غضون ذلك، يسود الترقب أيضاً الأسابيع القليلة الفاصلة حتى يوم التنصيب الرسمي للولا في 1 يناير/ كانون الثاني المقبل، حيث يظلّ صمت بولسونارو مثيراً للشكوك.
لولا وتحديات المرحلة
وبعدما أمضى إجازة قصيرة إثر صدور النتائج، وحصوله على تهنئة دولية لافتة، بدأ لولا الإثنين الماضي مع فريقه اختيار المسؤولين الانتقاليين، وسط تركيز على مسألتين أساسيتين، إعادة البرازيل إلى الساحة الدولية وتحسين الاقتصاد، بعد أعوام من حكم بولسونارو، والتي تراجعت خلالها البلاد، وهي أكبر اقتصادات أميركا اللاتينية، في علاقاتها الدولية، فيما شهدت "إفراغاً" لخزينتها، مع ارتفاع غير مسبوق في نسبة الدين.
ويدرك لولا جيّداً تحديات المرحلة، والتي يحتاج فيها إلى طمأنة الأسواق، والمجتمع الدولي، والحلفاء في الداخل، فيما يطالب أيضاً حزب العمّال الذي يقوده بحصة وازنة في التعيينات الجديدة. ويأتي ذلك، فيما يمسك لولا ببرازيل مختلفة عن تلك التي قادها بين 2003 و2010، حين كان رئيساً لولايتين، ثم سلّم القيادة للعمّالية ديلما روسيف التي جرى عزلها في 2016.
فاليوم، تبدو البرازيل منهكة أكثر، أولاً بسبب الانكماش الاقتصادي بين 2014 و2016، ثم بسبب تداعيات جائحة كورونا. كما أن الحرب الروسية على أوكرانيا، وإن ساهمت في ارتفاع صادرات البرازيل مع اضطراب سلاسل الإمداد العالمية، إلا أنها لم تساعد بعد في تعزيز إيرادات خزينة الدولة.
ويأتي كل ذلك استباقاً لتشريعات قد يكون صعباً تمريرها في كونغرس معاد. إذ يملك مثلاً حزب بولسونارو 99 مقعداً في الغرفة السفلى في الكونغرس، من أصل 513 عضواً، بعدما كان يملك 77 مقعداً في الكونغرس السابق. ومع حلفائه، يسيطر بولسونارو، على نصف الغرفة السفلى، فيما يملك حزب لولا، العمّال، 68 مقعداً فيها. ويملك تحالف لولا الانتخابي ما مجموعه 123 صوتاً في الغرفة السفلى، و27 صوتاً في مجلس الشيوخ المكّون من 88 مقعداً.
ويقول المنتقدون للولا إنه اعتمد كثيراً خلال حملته الانتخابية على إثارة الحنين إلى عهده السابق، من دون أن يوضح كثيراً رؤيته لإنقاذ الاقتصاد البرازيلي، الذي يواجه ارتفاع معدل البطالة، وديناً عاماً وصل إلى 84 في المائة من الناتج المحلي العام، فيما لا يزال الوضع المالي للبلاد هشّاً.
أسماء معتدلة للفريق الانتقالي
وفي مؤشر على رغبته في طمأنة الأسواق، ضمّ الرئيس البرازيلي المنتخب، سريعاً، أول من أمس الثلاثاء، اسمين "معتدلين" إثنين إلى فريقه الانتقالي، بإمكانهما تخفيف قلق السوق بشأن السياسات الاقتصادية والمالية المحتملة للولا. وجاء ذلك، بحسب موقع صحيفة "فولها" البرازيلية، في ظلّ مطالبة المسؤولين في حزب العمّال أيضاً، بزيادة عدد أعضائهم في الفريق الانتقالي.
واختار لولا بداية أندريا لارا ريساندي وبيرسيو أريدا، وهما اقتصاديات محافظان، كانا من ضمن مهندسي "الخطة الحقيقية" الاقتصادية في البرازيل، في تسعينيات القرن الماضي، والتي أدخلت إلى السوق عملة برازيلية جديدة، وخفّضت التضخم المفرط آنذاك.
وأعلن نائب لولا، جيرالدو ألكمين (من تيار الوسط ونافس لولا في رئاسيات 2006)، الأسماء الجديدة في الفريق الانتقالي، الذي ضمّ أيضاً نيلسون باربوسا الذي كان وزيراً للمالية في عهد روسيف، وغيليرمو ميلو، وهو أستاذ اقتصاد عُرِف لوقت طويل بأنه "اقتصادي حزب العمّال"، و"اقتصادي لولا".
اختار لولا بداية أندريا لارا ريساندي وبيرسيو أريدا، وهما اقتصاديات محافظان، كانا من ضمن مهندسي "الخطة الحقيقية" الاقتصادية في البرازيل، في تسعينيات القرن الماضي
وأكد ألكمين أن الرجال الأربعة "ليست لديهم آراء متناقضة، بل يكمّلون بعضهم"، كما أكد أن هذه الأسماء لن تنضم بالضرورة إلى الإدارة بعد تسلّم لولا منصبه رسمياً في الأول من يناير المقبل. رغم ذلك، فإن هذه الاختيارات تؤكد جنوح لولا نحو اعتماد التعددية في التعيينات.
ورأى المحلّل السياسي في مؤسسة "غوتيليو فارغاس" في ساو باولو، إدواردو غرين، لوكالة "أسوشييتد برس"، أن "لولا قد فهم أنه يحتاج إلى نقاط قوة تتخطى اليسار الوسطي، وإلى آراء كثيرة لبلورة قراره النهائي". وبحسب الوكالة، فإن أسماء أخرى راودت فريق لولا الانتقالي، لاختيارها، لكن تم العدول عنها، مثل فرناندو حدّاد، المرشح السابق للرئاسة في 2018 عن "العمّال" والذي هزمه بولسونارو، وغيدو مانتيغا، وزير المالية في عهد روسيف، والذي يحمّله البعض المسؤولية في الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في عهد الرئيسة العمّالية السابقة.
بولسونارو وحزب المعارضة
في غضون ذلك، أكد حزب بولسونارو، "الحزب الليبرالي" اليميني (بولسونارو لم يترشح على اسم هذا الحزب في 2018)، الثلاثاء، أن هذا الحزب سيبقى حزب المعارضة الرئيسي للولا عندما يتسلّم الأخير مهامه في يناير، بحسب زعيم الحزب، فالديمار كوستا نيتو.
وأضاف نيتو، منذ الآن، أن بولوسونارو سيكون مرشح الحزب للرئاسة في 2026، كما سمّي الرئيس الشرفي للحزب حالياً. ورأى أن "البولسونارية تكبر كثيراً. لقد أصبحت أكبر من بولسونارو". وأكد نيتو أن حزبه لا ينوي الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية، فيما كان ينتظر أمس الأربعاء، صدور تقرير عن الجيش البرازيلي حول ما إذا كان سجّل أي شوائب في العملية الانتخابية.
ولطالما شكّك بولسونارو بالنظام الانتخابي، لكنه التزم الصمت مع صدور النتائج، وسمح لفريقه في القصر الرئاسي بالتفاوض على عملية انتقال السلطة، كما دعا أنصاره إلى التراجع من الطرقات، حين نزلوا في اليوم التالي لصدور النتائج، اعتراضاً عليها.
ويتوقع أن يلتقي لولا في برازيليا، رئيس الغرفة السفلى، أرثور ليرا، وهو حليف أساسي لبولسونارو، من التحالف الهجين المعروف باسم مجموعة "سنتراو"، وبأنه ينسج التحالفات مع أي كان في السلطة. ويرى متابعون أن لولا سيكون تحت الضغط من "سنتراو" لعدم معارضة ما يعرف بـ"الميزانية السرّية" (3.8 مليار دولار)، وهو تمويل فيدرالي غير مراقب وافق الرئيس السابق على منحه لمشرعين محدّدين لنيل دعمهم في الانتخابات الأخيرة.
(العربي الجديد، فرانس برس، أسوشييتد برس)