تشهد ثمانٍ وخمسون بلدية في ليبيا اليوم السبت، انتخابات محلية يدلي خلالها الناخبون بأصوات اختيار عمداء هذه البلديات، في وقت يعبّر فيه خبراء عن تفاؤلهم بأن تكسر هذه الانتخابات حاجز الجمود السياسي المسيطر على البلاد. وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات جهوزية 352 مركزاً انتخابيا و777 محطة اقتراع في كامل البلديات الـ58 المستهدفة بانتخابات مجالسها البلدية في غرب البلاد وجنوبها وشرقها، موضحة أنها المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية، وسيشارك فيها 210 آلاف ناخب، وستليها مرحلة ثانية.
وفي عموم البلاد 143 بلدية، إلا أن الانتخابات لن تجري إلا في البلديات التي انتهت مددها الانتخابية، وهي 106 بلديات فقط. وستؤمن الأجهزة الأمنية التابعة لحكومتي البلاد، حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، وحكومة مجلس النواب في بنغازي، المراكز الانتخابية حال إجراء الاقتراع، فيما سيتولى موظفو ومندوبو المفوضية العليا للانتخابات الإشراف على الجوانب الفنية.
ودعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، مساء أمس الجمعة، الليبيين كافة إلى التواجه للمراكز الانتخابية والمشاركة في الاقتراع، ووصف هذا اليوم بـ"اليوم التاريخي"، مشيراً إلى ضرورة نجاحها. من جانبها، رحبت البعثة الأممية بانطلاق الانتخابات البلدية، واعتبرتها علامة فارقة في مسيرة البلاد نحو الديمقراطية وخطوة مهمة على طريق إعادة الشرعية للمؤسسات. وأكدت البعثة، في بيان لها مساء أمس الجمعة، استعدادها لدعم العملية الانتخابية لتسير بشكل سلمي وشامل، لتمكن الليبيين كافة من المشاركة بكثافة والأداء بأصواتهم.
والانتخابات البلدية الحالية هي الثانية منذ عام 2011، إذ جرت الأولى على عدة مراحل بين عامي 2013 و2018، إلا أنها تعرقلت وتعثّر عمل المجالس البلدية، خصوصاً في الشرق الليبي عندما أعلن مجلس النواب في 2016 تعيين الفريق عبد الرزاق الناطوري، رئيس أركان مليشيات خليفة حفتر، حاكماً عسكرياً لشرق البلاد، وكلف الناظوري حكاماً عسكريين في البلديات بديلاً من عمدائها، ما عطل العمل البلدي في كامل مناطق الشرق الليبي لعدة سنوات. وفي فبراير/شباط الماضي اتهمت البعثة الأممية حكومة مجلس النواب بإغلاق 11 مركزاً انتخابياً تابعاً للمفوضية العليا للانتخابات وتعليق أعمالها، إلا أن الحكومة نفت ذلك.
وأخفقت المفوضية العليا للانتخابات في قفل السجل الانتخابي عدة مرات خلال الأشهر الماضية، بسبب الإقبال الضعيف على تسلّم الناخبين لبطاقاتهم الانتخابية، إذ بلغت النسبة النهائية لمن تسلموا بطاقاتهم 64% من أصل 135 ألف ناخب.
ويرى عبد الحكيم المختار، عضو حزب الإصلاح الديمقراطي، أن نجاح المفوضية العليا للانتخابات في إطلاق الانتخابات البلدية "خطوة وطنية مهمة"، وأنها "تمثل تهديداً حقيقياً لمعرقلي إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بحجة ضرورة وجود حكومة موحدة".
وبصرف النظر عما يبديه المختار في حديثه لـ"العربي الجديد" من تهديد لشفافية هذه الانتخابات، بسبب تنفذ المجموعات المسلحة الموالية للحكومتين وأطراف على علاقة بالصراع القائم في البلاد، إلا أنه يؤكد بقوله: "في العموم، من المهم نجاح إجراء هذه الانتخابات لكسر حالة الجمود المسيطر على الاستحقاق الانتخابي في البلاد".
المختار: من المهم نجاح إجراء هذه الانتخابات لكسر حالة الجمود المسيطر على الاستحقاق الانتخابي في البلاد
ويؤكد المختار أن الانتخابات البلدية ستشجع الليبيين على "التمسك بالاستحقاقات الوطنية، وعدم الاستسلام للشعور باليأس السياسي"، مضيفاً القول: "مَن يدري؟ لعل المجالس البلدية الجديدة تتمكن من تشكيل منتظم سياسي موحد تجبر الساسة المتمسكين بالبقاء في سدة الحكم على القبول بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وعلى الأقل تتشكل جهة ضاغطة وطنية لا تترك المجال للمتصارعين لاتخاذ حالة الانقسام سبباً للبقاء والتحكم في مصير البلاد".
أما عيسى زايد (مواطن من طرابلس)، فلا يبدي تفاؤله بالانتخابات البلدية، بسبب سلوكيات الفساد المالي والإداري التي ظهرت في البلديات في السنوات السابقة، على حد وصفه، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد": "الأعداد الكبيرة التي ترشحت للانتخابات البلدية سببها ليس الحرص على خدمة المناطق عبر البلديات، بل لما شاع من ثقافة راسخة بأنها مصدر للإثراء والنفوذ".
ويتساءل زايد عن أعمال المجالس البلدية في السنوات السابقة، متسائلاً عن مصير "الميزانيات السابقة التي لم نرَ مقابلها أي خدمات في البلدية، فهي على حالها في البنى التحتية وفي كل ما يتعلق بحياة المواطن".