لا يزال الملف الليبي يشهد تطورات متلاحقة بفعل تغير خيارات بعض الدول الإقليمية المتصلة به، فيما يرجح خبراء أن يكون طريقاً لتفاهمات إقليمية أوسع دار بينها جدل في الآونة الأخيرة بشأن ملفات أخرى في المنطقة كانت الأزمة الليبية حاضرة فيها بشكل غير مباشر.
وقال المتحدث باسم وزارة خارجية حكومة "الوفاق"، محمد القبلاوي، إنّ وزير الخارجية محمد سيالة بحث هاتفياً، اليوم الاثنين، مع نظيره المصري سامح شكري، الملف الليبي ودعم الاستقرار.
وأضاف القبلاوي، في بيان، أنّ وزير الخارجية المصري أثنى على استقبال الوفد المصري في العاصمة طرابلس، مؤكداً على استمرار التعاون بين الجانبين وأن "تكون الزيارة خطوة جدية في هذا الاتجاه".
واستضافت العاصمة طرابلس زيارتين مهمتين خلال اليومين الماضيين، وعلى نحو مفاجئ، تبدوان على طرفي نقيض بسبب الخلافات الكبيرة بينهما، الأولى هي زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي آكار بصحبة وفد عسكري رفيع ضمن رؤساء الأركان البرية والبحرية، قبل أن يزور العاصمة وفد مصري رفيع مكون من شخصيات أمنية ودبلوماسية.
وسعى كلا الوفدين إلى ترفيع العلاقات مع طرابلس، فالأول ينتظر أن تخطو تركيا خطوات أخرى في تطبيق بنود تتعلق بالاتفاق الأمني الموقع بينها وبين طرابلس، من بينها إنشاء مكتب ليبي تركي مشترك في مجالي الأمن والدفاع، بالإضافة لإنشاء قوة تعرف باسم "قوة الاستجابة السريعة" مؤلفة من عناصر ليبية تم تخريجها عبر دفعات، أخيراً، على يد مدربين أتراك، بينما سعت مصر إلى إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع طرابلس ومن بينها إعادة فتح السفارة المصرية في طرابلس.
ملامح تقارب مصري تركي
وبينما هدّد آكار، أمس الأحد، مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بشكل مباشر بأنها ستكون هدفاً مباشراً إذ اعتدت على المصالح التركية في ليبيا، لم يصدر عن القاهرة أي موقف يتساوق مع مواقفها السابقة التي اعتبرت فيها سرت – الجفرة "خطاً أحمر" وذلك في يونيو/حزيران الماضي، عندما اقتربت قوات "الوفاق"، بدعم تركي، منهما، بل على العكس وصل الوفد المصري رفيع المستوى للقاء المسؤولين أنفسهم الذين التقاهم الوزير التركي، ما قد يرجح إمكانية وجود ملامح لتقارب مصري تركي في الملف الليبي على الأقل، بحسب الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق.
وفي السياق، كشفت مصادر ليبية مطلعة من طرابلس النقاب عن اطلاع الجانب المصري على تقارير تفيد بحماية مقر السفارة المصرية ومحيطها في طرابلس، واستعداد حكومة الوفاق لتأمين عملها، بل طلب من وزير الداخلية فتحي باشاغا ضرورة عودة السفارة المصرية لعملها كإشارة تعطي انطباعاً في الأوساط الليبية، لا سيما في أوساط المجموعات المسلحة، بتغير السياسة المصرية تجاه معسكر غرب البلاد.
وأكدت المصادر أن وفداً ليبياً من المرجح أن يترأسه رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، سيزور القاهرة قريباً في زيارة رسمية، مشيرة إلى أن مستشاره الأمني تاج الدين الرزاقي ووزير الخارجية محمد سيالة سيكونان من ضمن الوفد، دون أن يتحدد موعد الزيارة.
ولم تتطرق اللقاءات الليبية مع الجانب المصري، أمس الأحد، إلى قضية دعم القاهرة للواء المتقاعد خليفة حفتر، لكن وزير الخارجية محمد سيالة، أبلغ الجانب المصري أن الحكومة لا تسعى لبناء تحالفات مع طرف بعينه، لكنها ترغب في تفعيل الاتفاقيات مع كل الدول الصديقة، مشيراً إلى تفعيل اتفاق أمني مع إيطاليا، أخيراً، والرغبة أيضاً في تفعيل اتفاقات مع الجانب المصري على الصعيد الاقتصادي، خصوصاً في ملف إعادة الإعمار.
موازنة العلاقات
ولقيت الزيارة المصرية اهتماماً كبيراً في أوساط حكومة الوفاق، خصوصاً الشخصيات الحكومية الراغبة في موازنة العلاقات مع الأطراف الإقليمية، كوزير الخارجية سيالة ووزير الداخلية باشاغا، لكن المصادر ذاتها أكدت أن اجتماعات أخرى للوفد المصري كانت مقررة وتم إلغاؤها، بداعي ضيق وقت زيارة الوفد المصري المقررة ليوم واحد، مثل اجتماعه مع وزير الدفاع صلاح الدين النمروش، الذي فضل الذهاب إلى مصراتة لحضور مراحل تدريب عناصر عسكرية ليبية على يد مدربين أتراك، في إشارة إلى رفضه الضمني للتقارب مع الجانب المصري.
ولم تصدر أي تعليقات من جانب المجموعات المسلحة، خصوصاً المرابطة على تخوم سرت، حول الزيارة المصرية، ورغم ذلك تؤكد المصادر أن الأجواء السائدة في كواليس طرابلس تميل لصالح تمتين العلاقات مع القاهرة واعتبار زيارة الوفد المصري بادرة حسن نية خصوصاً مع تراجع سياساتها الداعمة لحفتر منذ إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن مبادرة سياسية لحل الأزمة في ليبيا مطلع يونيو الماضي.
عرض مصري
كما كشفت المصادر أن الجانب المصري قدم عرضاً لوزارة الداخلية بشأن تدريب كوادرها الأمنية والرغبة في التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب وسط ترحيب من جانب باشاغا. وتوقعت المصادر أن يعلن الأخير عن إرسال دفعة من منتسبي أجهزة الأمن الليبية للتدرب في مصر.
ووفق قراءة البرق للمستجدات فإن طرابلس قد تكون طريقاً لتقارب مصري تركي، خصوصاً أن الأوضاع الساخنة في شرق المتوسط التي حاولت أنقرة جر طرابلس لأتونها عبر الاتفاق البحري الموقع منذ نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، جرّت أطرافاً إقليمية أخرى، عربية وأوروبية، ما شجع طرابلس على التحرك في هامش من الحرية الدبلوماسية والتحرر من الضغوط التركية نسبياً، مشيراً إلى أن زيارة وزير الدفاع التركي وعلى مستوى عسكري رفيع لطرابلس تعكس ضعفاً في شبكة علاقاتها داخل حكومة الوفاق بسبب الخلافات بين قادة الحكومة، لذا فإن زيارة الوزير التركي من شأنها إعطاء الوجود التركي ثقلاً أكبر.
وهي قراءة لا يتوافق معها أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية خليفة الحداد، الذي يرى أن التنافس بين القاهرة وأنقرة تحول إلى داخل العاصمة طرابلس التي تعدها تركيا أهم قواعد ارتكازها في ملف البحر المتوسط، حيث تسعى القاهرة لبناء وجود لها موازٍ للوجود التركي.
دعم إماراتي وروسي لحفتر
ويؤكد الحداد في حديثه لــ"العربي الجديد" أن القاهرة لا تزال تمتلك قرار حفتر الذي يمثل الخطر المحدق بطرابلس ومدن غرب ليبيا كمصراتة، وبالتالي فوجودها في طرابلس جاء بناء على وعود لوقف أي هجوم عسكري جديد من جانب حفتر.
وعن الدعم الإماراتي والروسي لحفتر، لا يرى الحداد أي فاعلية له وأن أي قرار عسكري من جانب حفتر يجب أن يتخذ من القاهرة، ويقول: "كل الأطراف بما فيها موسكو تدرك جيداً أن المجال الليبي مهم لأمن مصر وأن القاهرة لن توافق على أي خطوة في أي اتجاه لا تناسب مصالحها"، مرجحاً أن التقارب المصري مع طرابلس يأتي لقطع الطريق أمام أنقرة لتفردها بمعسكر غرب البلاد.
ووفقاً للاتفاق الأمني الموقع بين طرابلس وأنقرة باتت الأخيرة تمتلك وجوداً عسكرياً في قاعدة الوطية، أقصى غرب البلاد، وتمركزات في طرابلس من بينها نقاط عسكرية في الشق العسكري من قاعدة امعيتيقة، بالإضافة لوجود فرق تركية تجري عمليات تدريب لعناصر ليبية في معسكرات الهضبة وخميس في طرابلس، والكلية الجوية بمصراتة، ويرجح الحداد أن ترفع القاهرة مستوى التعاون مع وزارة الداخلية بحكومة الوفاق في مراحل مقبلة لدرجة تدريبها لعناصر الشرطة والأمن في معسكرات بطرابلس أو قريبة منها.
ويرتبط التنافس المصري التركي في طرابلس بالمرحلة السياسية المقبلة التي تعمل الأمم المتحدة على تشكيلها وفقاً لمخرجات مسارات الحوار السياسي، التي تشهد تعثراً خصوصاً داخل أعمال ملتقى الحوار السياسي، بحسب البرق، موضحاً أن المرحلة المقبلة ستكون أكثر تنافساً حيث تسعى كل الأطراف الإقليمية لبقاء عناصر ليبية حليفة لها في المشهد.
وفيما يؤكد البرق عدم قدرة حفتر على شن حرب جديدة، خصوصاً بعد التهديد التركي الصريح، يرى أن أي تقارب تركي مصري بشأن الملف الليبي قد يسرّع عملية الوصول إلى توافقات سياسية تنهي مرحلة من أزمات البلاد.