أثار تسريب تقرير خبراء الأمم المتحدة، بشأن وجود فساد ورشى في عملية انتخاب ملتقى الحوار السياسي للسلطة الجديدة، جدلاً ليبياً حول توقيته ونتائجه، فيما سارع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، إلى استنكاره، معتبراً أنه يستهدف التشويش على "عملية تشكيل الحكومة وإفساد حالة التوافق الوطني وتعطيل عملية منح الثقة للحكومة".
وحذّر الدبيبة، في بيان نشره مكتبه الإعلامي، في وقت متأخر ليل أمس الأحد، من أن "نشر الإشاعات والأخبار الزائفة، وتغيير الحقائق، هو نهج سبق وأن عاناه الشعب الليبي وتسبب في جزء كبير من معاناته، نتيجة ما يؤدي إليه من نزاعات وانقسامات وحروب".
ونفى الدبيبة ما تضمّنه التسريب، مؤكداً نزاهة العملية التي جرى فيها اختيار السلطة الجديدة، و"شاهدها جميع الليبيين من خلال شاشات التلفاز". ولفت إلى توقيت التسريب، معتبراً أنه جاء في وقت تلقّى "الشعب الليبي الأخبار المحفزة"، وذلك بعدما حدّد مجلس النواب موعد عقد جلسة منح الثقة للحكومة التي يجري استكمال تشكيلها.
وجاء استنكار الدبيبة لما اعتبرها "محاولات التشويش على عملية تشكيل الحكومة"، بعد تداول واسع لتسريب من تقرير لخبراء تابعين للأمم المتحدة، نشرته وكالة "فرانس برس"، أشار إلى واقعة شراء أصوات ثلاثة مشاركين على الأقل أثناء انعقاد محادثات ملتقى الحوار السياسي، من خلال عروض رشى تتراوح بين 150 ألف دولار و200 ألف دولار "إذا التزموا بالتصويت للدبيبة كرئيس للوزراء".
ولم تتوقف الردود على التسريب عند حدّ الدبيبة، فالمرشح الآخر لرئاسة الحكومة، سلامة الغويل، أكد أن عملية اختيار السلطة الجديدة التي ترشح لها "لم تشبها أي شائبة".
واعتبر الغويل أن التسريب بشأن وجود خلل ومال سياسي فاسد تخلّل عملية اختيار أعضاء المجلس الرئاسي ورئاسة الحكومة، "ما هو إلا محاولة لخلط الأوراق، والتشويش لإفشال الاتفاق السياسي الذي كان ثمرة مخاضٍ عسير واقتتالٍ مرير ومعاناة طويلة للشعب الليبي الذي استبشر خيراً بنتائج الحوار".
وطالب الغويل، في تدوينة عبر حسابه الشخصي على "فيسبوك"، "من لديه أي أدلة أو إثباتات حقيقية، تقديمها للجهات المختصة المحلية والدولية ونشرها علناً للشعب الليبي، أما غير ذلك فلا يعتدّ به"، معتبراً توقيت التسريب "مثيراً للريبة ويضع شكوكاً حول أصحاب المصلحة الحقيقية في إفشال الحكومة قبل اعتمادها".
ولقاء الجدل الواسع بشأن التسريب، رأت عضو ملتقى الحوار السياسي زهراء لنقي، أن الذهاب إلى "انتخابات مبكرة قد يكون هو الحلّ لهذا المأزق، من أجل تعزيز الشرعية السياسية".
ويتفق الناشط السياسي الليبي مالك هراسة مع ملاحظة الغويل حول توقيت التسريب، على الرغم من أن القضية ليست جديدة "فقد تم تداولها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أثناء انعقاد ملتقى الحوار في تونس، وطالب معظم أعضاء الملتقى، البعثة الأممية، بفتح تحقيق في القضية، وقد أعلنت استجابتها"، لكنه يتساءل "لماذا الآن تحديداً، والتقرير لم تسلّمه لجنة العقوبات المعنية بليبيا لمجلس الأمن؟".
ويلاحظ هراسة، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن قضية الرشوة هي جزء من تقرير شامل يعدّه خبراء الأمم المتحدة دورياً حول ليبيا "وحول عدة قضايا، فلماذا ركز التسريب على قضية الرشوة من دون غيرها، رغم أن هناك قضايا أهم كتورط دول في دعم أطراف السلاح وفي قضايا الجرائم والانتهاكات؟". وبحسب هراسة، فإن "طرفاً ما لم ترضه نتائج الانتخابات، دفع بهذا التسريب وفي هذا التوقيت".
وفيما يلقي هراسة بالمسؤولية على البعثة الأممية "التي لا تزال تلزم الصمت رغم مرور يوم على هذه العاصفة"، فإنه يرى أن التسريب قد ينسف العملية السياسية برمتها.
وهو ما تتفق معه أيضاً أستاذة العلاقات الدولية في الأكاديمية الليبية للدراسات العليا، أم العز الدوادي، قائلة إن "الأمر لا يستهدف السلطة الجديدة والدبيبة، كما أشار تقرير الوكالة الفرنسية، بل يطاول كل أعضاء الملتقى، عندما يشير إلى ثلاثة أسماء من دون تحديدهم، ما يجعل الملتقى وأعضاءه بالكامل في طائلة الشبهات".
وتعتبر الدوادي أن التسريب متعمد، "وبهذا الشكل الذي يشير إلى ثلاثة أعضاء متورطين في الرشوة، لأنه رقم قريب من الفارق بين أصوات القائمتين الفائزة والخاسرة".
وقالت متحدثة لـ"العربي الجديد"، إن "القضية تضع الأمم المتحدة على محك إثبات صدقها في دعم العملية السياسية، فإما أن تسارع إلى نشره لإنقاذ البلاد من هذه الهزة السياسية، أو تتغاضى لتفهم من ذلك وجود يد خفية لم تكن راضية عن مسار الانتخابات"، مرجحة أن من كان يدعم ترميم المجلس الرئاسي بقيادة فايز السراج كان يدعم هذا الاتجاه لإعادته للمشهد، لكنها تتساءل "بأي كيفية سيعود السراج وحكومته، هل كخصم أم في شكل وفاق يتجاوز الماضي ويضم الخاسرين في الانتخابات الماضية".
وترى الدوادي أن "مكاسب من كانت تصفهم القائمة بأعمال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، ستيفاني وليامز، بالديناصورات السياسية، كبيرة. فلا مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح يريد أن تذهب صلاحيته لملتقى الحوار السياسي، ولا قادة السلطة التنفيذية كفايز السراج وشركائه يرغبون في مغادرة المشهد". وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الدوادي تعتبر أن نشر الأمم المتحدة للتقرير سيبيّن طريق العملية السياسية في أي اتجاه سيكون.