لا تزال أجهزة أمن اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر ومليشياته تشددان قبضتهما الأمنية في مناطق شرق البلاد، من خلال مجموعة من الإجراءات والقيود، بما في ذلك الاعتقالات. آخر هذه الاعتقالات شهدتها مدينة بنغازي بعد اعتقالات مماثلة طاولت أهل مدينة درنة بسبب تنظيمهم تظاهرة حاشدة في 19 سبتمبر/أيلول الماضي، للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن انهيار سد وادي المدينة، الذي أسفر عن مقتل آلاف الأشخاص وتشريدهم.
وحتى صباح اليوم السبت، لا تزال مدينة بنغازي تشهد هدوءًا حذرًا وسط انقطاع الاتصالات في جميع أنحائها، بسبب الاشتباكات التي وقعت في المدينة، ليل أمس الجمعة، في محاولة للقبض على وزير الدفاع بحكومة الوفاق الوطني سابقاً، المهدي البرغثي.
البرغثي هو ضابط عسكري كان يقود الكتيبة 204 ضمن عملية الكرامة في سنواتها الأولى عام 2014، لكنه انشق عنها بعدما قبل منصب وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني عام 2016، واتُّهم فيما بعد بتقديم الدعم لمقاتلي سرايا بنغازي المعارضين لحفتر، وأيضًا بضلوعه في مذبحة قاعدة براك الشاطئ جنوب البلاد عام 2017، التي أدت إلى مقتل 145 شخصًا بينهم مدنيون وعسكريون.
وبعد غياب دام سبع سنوات عن بنغازي، عاد البرغثي إلى مقر إقامته في حي السلماني بعد مفاوضات واتصالات اجتماعية أكدت قيادة حفتر خلالها عدم التعرض له. لكنه تلقى طلب استدعاء عند وصوله إلى منزله. وأظهرت صور ومقاطع فيديو استقبالًا حافلًا للبرغثي من قبل قبيلته في حي السلماني، بالإضافة إلى تواجد عدد من الآليات العسكرية والمسلحين الموالين له قرب منزله.
الاشتباكات انتهت، منتصف ليل أمس الجمعة، بعد ساعات من التصعيد بين مليشيات طارق بن زياد ومسلحين موالين للبرغثي، حيث حاصرت مليشيات طارق بن زياد الحي الذي يقيم فيه البرغثي بعد رفضه التعامل مع الاستدعاء.
وأشارت مصادر مقربة من مديرية أمن بنغازي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه في الوقت الحالي، تجري اتصالات ووساطات اجتماعية في مدينة بنغازي لإقناع البرغثي بتسليم نفسه أو مغادرة المدينة، ولكن يبدو أن البرغثي لا يزال يرفض هذين الخيارين.
وفي السياق نفسه، أفادت المصادر ذاتها بأن حفتر في طريقه إلى بنغازي قادمًا من الكونغو برازافيل، حيث وصل إلى هناك، صباح أمس الجمعة، والتقى رئيس الكونغو دينيس ساسو نغيسو.
تحشيد عسكري
ما زالت الأحداث تتطور في مدينة بنغازي بشكل سريع، حيث لم يتم الإعلان عن زيارة قائد اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى الكونغو رسمياً. ومع ذلك، تداولت وسائل الإعلام المحلية صورًا تظهر لقاء الرئيس الكونغولي مع حفتر. كما أظهرت هذه الصور وجود الصديق نجل حفتر، وأيوب البوسيفي، الذي يعتبر صهرًا لحفتر وهو قائد الكتيبة 166، بالإضافة إلى باسم البوعيشي، ابن عم حفتر وقائد الكتيبة 165، رفقة حفتر في الكونغو. وتشير مصادر أمنية إلى أن الأحداث الجارية في بنغازي تم تحريكها بشكل رئيسي بواسطة صدام، الابن الأبرز لحفتر، بالتعاون مع شقيقه خالد.
هذا، بالإضافة إلى أن هناك تحشيدًا عسكريًا متزايدًا بالقرب من منطقة الصابري التي يقيم فيها البرغثي، بالإضافة إلى إغلاق مداخل المدينة منذ أمس، بحسب المصادر.
الجدير بالذكر أن هناك توقعًا لقبول العميد البرغثي بمغادرة المدينة بصحبة عدد من القيادات القبلية من شرق البلاد بهدف تجنب أي عمليات ضده خارج بنغازي. ورغم وجود تقارير تفيد بانضمام فصائل قبلية مسلحة أخرى لدعم موقف البرغثي، إلا أن أحد المصادر نفى ذلك وأكد أن "التململ والرفض لسيطرة حفتر وأبنائه ليست جديدة، ولكن لا أحد يمكن أن يجازف بمصيره أمام القوة التي يمتلكها صدام في بنغازي".
تجدر الإشارة إلى أن محاولة اعتقال البرغثي جاءت بعد أربعة أيام من اعتقال جهاز الأمن الداخلي في بنغازي ثلاثة أعضاء من حزب "ليبيا للجميع"، وهم السفير الليبي السابق لكندا فتحي البعجة وطارق البشاري وسراج دغمان، بسبب مشاركتهم في ندوة تناقش أسباب انهيار سد وادي درنة، طالبوا فيها بمحاسبة المسؤولين عن هذا الانهيار.
وقبل هذا الحدث، أصدر حزب "ليبيا للجميع" بيانًا في 19 سبتمبر دعا فيه إلى ضرورة إسقاط كافة الأجسام السياسية في البلاد والانتقال الفوري إلى عقد انتخابات رئاسية وتشريعية بسبب الكارثة التي حلت بمدينة درنة. وعلى الرغم من أن صحفاً كندية أشارت إلى أن اعتقال البعجة جاء بسبب رفضه الكشف عن تفاصيل حول أموال العقيد الراحل معمر القذافي الخاصة وحساباته في كندا وفقًا لوثائق سرية، فإن عاشور شوائل، وزير الداخلية بالحكومة المؤقتة في ليبيا عام 2012 ورئيس الهيئة القيادية لحزب "ليبيا للجميع"، أكد أن اعتقال البعجة جاء بسبب مشاركته في ندوة ناقشت أسباب انهيار سد وادي درنة وطالبت بمحاسبة المسؤولين. وحتى الآن، لم تعلن قيادة حفتر عن اعتقالهم أو تحديد مصيرهم بشكل رسمي.
توتر العلاقات بين البراغثة وحفتر
ويُشير الناشط المدني عقيلة الأطرش إلى أن الخلفية القبلية للبراغثة تعود إلى عشيرة العواقير في منطقة بنغازي والمناطق المحيطة بها.
وبحسب الأطرش، فقد "كانت العلاقة بين البراغثة وحفتر متوترة منذ عام 2017، حينما بدأ حفتر في استبعاد شخصياتهم وضباطهم من قيادته. وفي البداية، كانت العواقير من أوائل القبائل التي دعمت عملية حفتر المباشرة عام 2014. ومع ذلك، تم استبعادهم من قبل حفتر عندما حاولوا فرض ضباطهم في قيادته كشخصيات مشاركة في اتخاذ القرارات".
ويرى الأطرش أن "العواقير لم يعد لديهم القوة العسكرية التي يمكنها تحدي سيطرة حفتر حاليًا. وعلى الرغم من وجود نفوذ اجتماعي لهذه القبيلة وارتباطات مع قبائل أخرى، مثل المغاربة السائدة في منطقة الهلال النفطي، إلا أن النفوذ القبلي وحده غير كافٍ لتهديد سيطرة حفتر".
ويرى الأطرش أن "الاعتقالات التي تجري في بنغازي ودرنة تثير قلقًا دائمًا لحفتر وأولاده". ويرى أن الأسباب المذكورة لهذه الاعتقالات ليست مقنعة وأنها تستخدم كذريعة. ويشير إلى أنه "تم استغلال حملات الإغاثة التي قدمت من جميع أنحاء ليبيا لتوجيه اتهامات بتسلل الخلايا الإرهابية". ويرى أن "هذا يعكس استخدام حفتر للقبيلة والتعصب الجهوي للتلاعب بالأوضاع".
ويؤكد أن "ما يشاع بأنه تدبير لانقلاب عسكري غير صحيح، فرجوع البرغثي إلى بنغازي جرى الترتيب له منذ أشهر، وما أشاعته قنوات ومواقع مقربة من حفتر بأنه تسلل ودخل إلى بنغازي دون تنسيق مع قيادة حفتر غير صحيح، والواقع توجس حفتر وأولاده الدائم هو من تسبب في التصعيد بتنفيذ هذه المحاولة".
ويرجح بأن "الطريقة التي عودنا بها حفتر في السيطرة على الوضع في بنغازي تخبرنا بأن حملة الاعتقالات ستتوسع حتى وإن سمح للبرغثي بالمغادرة من ممر آمن إلى خارج بنغازي".
وفي الأسبوع الماضي، كشف تقرير خبراء الأمم المتحدة عن خطة بدأ حفتر العمل عليها منذ منتصف عام 2020 لتعزيز سيطرة أسرته على مؤسساته العسكرية وتوسيع نفوذ أولاده لتشمل السيطرة على الوضع الاقتصادي والسياسي في شرق البلاد.