وسط تساؤلات عن القدرات القتالية وراء النجاحات المستمرة التي تحققها قوات المجلس الرئاسي الليبي في مدينة سرت، معقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الرئيسي في البلاد، وقدرة المجموعات المسلحة الرئيسية، خصوصاً القوات الموالية للواء خليفة حفتر، على الاستمرار في القتال طيلة أربعة أعوام من الصراع، تكشف مصادر متطابقة عن استخدام معظم المجموعات المسلحة في البلاد أعداداً من المقاتلين الأجانب "المرتزقة" في صفوفها.
وتبدو هذه النقطة هي العامل المشترك الوحيد بين جميع أطراف الحرب المتواصلة منذ ما بعد الثورة الليبية، من قوات حفتر إلى بعض الفصائل المحسوبة على "فجر ليبيا"، والتي باتت اليوم منضوية تحت لواء قوات المجلس الرئاسي، وصولاً إلى تنظيم "داعش". كل ذلك طبعاً من دون الحديث عن "الخبراء" و"المستشارين" والضباط الأجانب الحكوميين من الدول الأجنبية المتواجدين، وإن بأعداد قليلة، في الميدان الليبي.
وإن كان مؤكداً جلب المرتزقة الأفارقة للقتال منذ عام 2011 في صفوف كتائب نظام العقيد الراحل، معمر القذافي، لإجهاض الثورة، ومن بعده تنظيم "داعش" الذي اعتمد بشكل كبير على الجنسيات نفسها للقتال في صفوفه، إلا أن اللافت هو سعي المجموعات المسلحة المختلفة الحالية في ليبيا إلى الاستعانة بمقاتلين "مرتزقة" أكثر كفاءة وذوي خبرة عسكرية أكبر من المقاتلين الليبيين.
وتقول مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" إن شخصية محورية في صفوف "فجر ليبيا" سابقاً، والتي ترتبط بها أقوى مليشيات المدينة، لا سيما "لواء الحلبوص"، لها اتصالات كثيفة بدول شرق أوروبا، تحديداً أوكرانيا، التي زارتها هذه الشخصية بشكل علني ورسمي في فبراير/شباط من العام الماضي. وتشير المصادر إلى أن الطرف الأوكراني، المرتبط أيضاً باتفاقية لا تزال مجمّدة مع حفتر، تغاضى عن عقد شخصيات من مدينة مصراتة البارزة سياسياً وعسكرياً، صفقات مع شركة أمنية خاصة تتخذ من مدينة باليرمو الإيطالية مقراً لها، وفرت بموجبها عدداً من الضباط الأوكرانيين من ذوي الخبرات العسكرية أكثر من مرة للمدينة. وتوضح المصادر أن صلات المدن الداعمة لمعسكر "فجر ليبيا" سابقاً بأوكرانيا، ليست جديدة، ففي أتون الحرب ضد نظام القذافي في العام 2011، تمكّن مقاتلو مدينة مصراتة من أسر 11 مقاتلاً أوكرانياً كانوا يقاتلون ضمن صفوف قوات القذافي، واستفادت من خبراتهم طيلة السنوات الماضية مقابل أموال طائلة.
وتكشف المصادر عن أن أربع طائرات من نوع "ميغ" كانت قابعة في مدرج الكلية الجوية في مصراتة وقاعدة إمعيتيقة، قام الخبراء الأوكرانيون بصيانتها وإدخالها للعمل إبان قتال "فجر ليبيا" للقوات الموالية لحفتر. وطبقاً للمصادر ذاتها، فإن تغير شكل القتال في سرت إلى قتال قناصة وعمليات انتحارية، استدعى من أحد قياديي مصراتة النافذين تجديد اتصاله مع شركات جلب المقاتلين الأجانب، التي وفّرت له عناصر من صربيا وأوكرانيا مدربة، كانت قد شاركت في حروب العصابات خصوصاً في النزاعات الأفريقية، بالإضافة إلى خبراء اتصالات تمكّنوا من فك تشفير اتصالات تنظيم "داعش"، الذي تبيّن أنه يستخدم أيضاً خبراء ومنظومات اتصال متطورة، وتم التشويش على تردداتها وتعقب اتصالاته.
وتشير المصادر إلى أن الفرق الإيطالية والبريطانية الخاصة المتواجدة في الصفوف الخلفية لمقاتلي قوات المجلس الرئاسي في سرت حالياً، طالبت بضرورة تعاطي غرف قيادة قوات الرئاسي مع طرق عملها التي تفوق قدرات الضباط الليبيين، مما استدعى جلب عناصر أجنبية يمكنها التعامل مع التقنيات المتقدمة سواء القتالية أو الاستخباراتية التي تعمل بموجبها فرق إيطاليا وبريطانيا. وعن أعداد هذه العناصر المستجلبة، توضح المصادر أن "أعدادها قليلة حتى الآن فهي لا تزيد عن 30 عنصراً في مختلف التخصصات، من بينهم ضباط متقاعدون لتقديم الخبرة العسكرية، وخبراء ألغام ومتفجرات وآخرون في مجال الاتصال". وتضيف المصادر: "قريباً سيكون في صفوف المقاتلين قناصة أوكرانيون ذوو خبرة وتدريب للتعامل مع مقاتلي تنظيم داعش، الذين نجحوا في عرقلة تقدّم قوات الرئاسي بشكل كبير داخل سرت".
وفي الجانب الآخر وتحديداً في شرق ليبيا، حيث لا تزال القوات الموالية لحفتر تقاتل على الرغم من مرور عامين على بدء عمليتها العسكرية "الكرامة"، وعلى الرغم من سقوط مئات القتلى والانكسارات العسكرية، سعى قائد عملية "الكرامة"، خليفة حفتر، إلى الاستفادة من خبرات أوكرانيا التي عقدت معه صفقة لتوريد أسلحة في مطلع عام 2015، تم تجميدها لأسباب غير واضحة، مما دفع حفتر إلى الاستعانة بعناصر من أميركا اللاتينية عن طريق دولة الإمارات، التي سبق أن استعانت بمرتزقة كولومبيين نيابة عن جيشها في حرب التحالف العربي في اليمن.
ووفق المصادر، فإن "اجتماعاً جمع ضباطاً مقربين من حفتر مع مسؤولي شركة جلب مرتزقة في مدينة زايد العسكرية في الإمارات، لتوظيف عناصر من كولومبيا وتشيلي للقتال ضمن صفوف عملية الكرامة، ولكن التفاوض انتهى بالرفض، حيث أن المبالغ المقدمة من قبل إدارة حفتر تكفي لتشغيل عناصر كفنيين لصيانة الطائرات أو طيارين للمروحيات فقط، ولا يكفي المبلغ لتوفير مقاتلين ميدانيين". هذا الوضع دفع المحيطين بحفتر إلى محاولة إقناعه بوجوب التوجّه إلى الدول، التي كان يهيمن عليها المعسكر السوفييتي، لمعرفة هؤلاء بالمعدات الحربية السوفييتية المستخدمة في ليبيا، "لكن المقترح رُفض من قبل ضباط فرنسيين خلال أحد الاجتماعات، التي كانت تمهد لتقارب فرنسي مع قوات حفتر بالقاهرة، إذ رفض الفرنسيون وجود مرتزقة من بيلاروسيا وأوكرانيا في أي مجال عسكري في بنغازي".
وعن هذا الموضوع، تشرح المصادر أن "المفاوضين الليبيين قدّموا تقريراً خلال الاجتماع للجانب الفرنسي بأسماء بعض المعدات العسكرية، التي بحوزتهم، وهي روسية الصنع، ومنها راجمات صواريخ غراد ودبابات T62 ومدافع 2S1 Gvozdika وسيارات استطلاع من نوع BRDM مما يستدعي خبرات روسية لصيانتها وتشغيلها".
وتكشف المصادر عن أن صالح كان حلقة وصل بين هذه الشركة وحركة "العدل والمساواة" السودانية (في دارفور)، والتي يتواجد لها مقاتلون أيضاً في ليبيا في مناطق مرزق ومقرات الحقول النفطية في تازربو والسرير، كقوات موالية لحفتر في الجنوب. ولا يزال مقترح سكرتير القذافي قيد الدراسة، إلا أن تقديم عدد من الشخصيات النافذة في حكومة برلمان طبرق عروض شركاتهم الخاصة لجلب عمال نظافة وخدم البيوت من هذه الشركة الجنوب أفريقية، والتي عادة ما تُستخدم كستار لجلب المقاتلين الأجانب بشكل غير قانوني، يشير إلى أن قبول العرض بات قاب قوسين أو أدنى.