أنهى عدد من المسؤولين الأميركيين جملة من الزيارات والاتصالات في ليبيا، آخرها اتصال هاتفي أجراه المبعوث الأميركي الخاص، ريتشارد نورلاند، الإثنين الماضي، برئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، لمناقشة خطوات المجلس لـ"كسر الجمود السياسي" في البلاد. لكن المولعين بالغرب وثقله وآثار تحركاته، لم تتوقف أذهانهم حتى الآن عن التفكير والتكهن بكواليس تلك الزيارات والاتصالات، وما يمكن أن يترتب عليها، وإظهار حنكتهم السياسية ومعرفة بما يجري في الدوائر القريبة. لكن الواقع يقول إن لا جديد بشأن ليبيا التي لا تعد من أولويات السياسات الأميركية، خصوصاً أنها لا تزال تدار من خلال مبعوث خاص.
رئيس جهاز الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز، الشخصية الأميركية الأبرز التي زارت ليبيا أخيراً، قد يكون أوضح بعض التوجيهات الخاصة لمن التقاهم في ليبيا، لكن الحديث عن انشغاله بالترتيب والتفصيل لراهن ومستقبل العملية السياسية، إلى حد انهماكه بتفاصيل الانتخابات الليبية وقاعدتها الدستورية، ومن يترأس البلاد، ومن لا يمكنه ذلك، ومن عليه ترك الساحة، يبدو مبالغاً به، وهي مواضيع لا يبدو أن الدولة الأميركية تلقي بالاً أو انشغالاً بها. فكل ما يهم واشنطن حفظ مصالحها في المنطقة، وتزيد درجة اهتمامها بالملف الليبي كلما يلامس قضايا تتصل بمصالحها، وأهمها ملفا النفط ومجموعة فاغنر، خصوصاً أن الملفين على صلة بما يدور في شرق أوروبا، وتحديداً الحرب الأوكرانية.
لا جديد في السياسة الأميركية في الملف الليبي، سواء في شكل مبادرة أو طرح جديد، وإنما مواصلة الحفاظ على المصالح. ولا أدل على ذلك من أن الزيارات الأميركية لم تتجاوز شخصيتين على صلة بالملفين، الأول رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي يسيطر على مؤسسة النفط. أما الثاني فهو اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يسيطر على منابع النفط، وقرار وقف تدفقه واستئنافه، بالإضافة إلى صلته الوثيقة بفاغنر. فأين تلك الزيارات للقادة الفاعلين في الملف السياسي، خصوصاً رئيسي مجلسي النواب والدولة، عقيلة صالح وخالد المشري؟ إنّ توجيه رسائل صارمة لهما بشأن ملف الانتخابات أجدى لتحريكه ودفعه نحو التوافق وإجراء الانتخابات.
سبق أن تولت ستيفاني وليامز، وهي دبلوماسية أميركية، قيادة البعثة الأممية، بكل ما تملكه البعثة من صلاحيات وهامش كبير لتمرير مصالح أي طرف دولي، لكنها غادرت منصبها من دون أن نرى تدخّلاً أميركياً لرسم مشهد الحكم والسياسة. وكان أجدى أن نراه في عهدها إن كان الملف الليبي من أولويات الاهتمام الأميركي على المستوى السياسي.
الزيارات الأميركية باتت كالمواسم، يزداد الاهتمام بها وبكواليسها وتداعياتها كلما تحدث، وينحسر عند انتهائها. وقريباً سيعود الحديث وبكل الصيغ، عن رؤية وخطة ومبادرة، مع وصول الدبلوماسي الأميركي كينيث غلوك المرشح لتولي منصب نائب رئيس البعثة الأممية في ليبيا. لكن شيئاً لن يتغير في السياسة الأميركية في الملف الليبي نشاطاً وتراجعاً إلا بقدر مصالحها في الملفين، النفط وفاغنر.