بعد أسابيع من التقارب بين مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبيين، وصل إلى حد الإعداد للقاء يجمع رئيسيهما عقيلة صالح وخالد المشري داخل ليبيا لتسوية كل الملفات العالقة، تفجر الخلاف فجأة وأفسد علاقة التقارب بين المجلسين بعد إعلان مجلس النواب نيته إنشاء محكمة دستورية.
وكان مجلس النواب قد أقر، في تصويت أجراه الثلاثاء الماضي، قانون إنشاء محكمة دستورية تتولى البدء في كل ما طرح ويطرح أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، الأمر الذي رفضه رئيس مجلس الدولة خالد المشري، وأعلن عن تعليق تواصل مجلسه مع مجلس النواب واشترط "إلغاء القانون" لعودة التواصل، فضلاً عن تعليق تواصل اللجان المشتركة بين المجلسين.
ومنذ طرح صالح مشروع القانون أمام النواب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لاقى موجة رفض من أطراف سياسية تتخوف من إحكام صالح قبضته على كامل أجسام المؤسسة القضائية.
وكان صالح قد قام بتغيير هيكل المجلس الأعلى للقضاء بقرار صدر دون عقد جلسة رسمية، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، ورغم موجة الاعتراض التي سادت المشهد إلا أن القرار وجد طريقه للنفاذ.
كما عيّن صالح 45 مستشاراً بالمحكمة العليا، في أكتوبر الماضي، وعيّن أحد مؤيديه رئيساً جديداً للمحكمة، حتى وصل الأمر لإقرار قانون إنشاء محكمة دستورية تحال لها اختصاصات الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، وهي الدائرة التي عطلتها المحكمة العليا منذ ست سنوات لإبعاد القضاء عن المماحكات السياسية، قبل إعادة تفعيلها قبل شهرين.
ويرى عضو مجلس الدولة إدريس أبو فايد أن الغرض من إنشاء المحكمة هو "الالتفاف على الطعون الدستورية السابقة، ولا سيما الخاصة بالتعديلات المزعومة العاشر والحادي عشر والثاني عشر على الإعلان الدستوري وما ترتب عليها من قوانين، وللسيطرة المباشرة على القضاء، وخصوصاً أن قانون إنشاء المحكمة الدستورية يمكّن المواطنين وكل ذي مصلحة من الطعن أمامها، فضلاً عن السعي لانقسام مؤسسة القضاء الموحدة، في مسعى لتقسيم البلاد".
وفي معرض تعليقه على إعلان المشري تعليق التواصل مع مجلس النواب، قال أبو فايد لـ"العربي الجديد": "التقارب بين صالح والمشري لا قيمة له ولا اعتبار على الإطلاق، إلا إذا صادق المجلس الأعلى للدولة على نتائجه، وهذا أمر ليس بالسهل، ولذلك اضطر المشري لإعلان مؤقت لتعليق اتصالاته ولجان المجلس مع عقيلة ولجان النواب استباقا لموقف صارم من أعضاء مجلس الدولة بوقف كل أنواع ومستويات التواصل مع مجلس النواب، بل حتى إلغاء، وليس فقط وقف، تنفيذ القانون المزعوم".
ووفقاً لأبو فايد، سيعول صالح ومجلس النواب على عامل الزمن، لعل مجلس الدولة والمشري ينهيان تعليق التواصل مع ضغوط إقليمية ودولية يتوقعونها، مضيفاً "باستحواذهم على المحكمة الدستورية يتصورون أنهم يستطيعون التمديد لأنفسهم ولو لسنوات طويلة وبحجة التوافق على الدستور الدائم أولاً، ما لم يتعرض مجلس النواب لضغوطات كبيرة من الدول المؤثرة من أجل ردعه ودفعه للتوقف".
في المقابل، يقر عضو مجلس النواب علي التكبالي بصحة التصويت على قانون المحكمة الدستورية، وبموافقة المجلس الأعلى للقضاء على قانون إنشائها، إلا أنه يرى أن كل الأجسام القضائية، كالمحكمة الدستورية ومجلس القضاء الأعلى والدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، "فُعّلت لغرض معين".
وفسر قائلاً لـ"العربي الجديد": "الكل يسعى لتحقيق مصالحه عبر هذه الأجسام القضائية، ومن هنا يتبين أنه لا يمكن أبدا لنا كليبيين أن نتفق لا على القضاء ولا على القاعدة الدستورية، كما أن كل الفاعلين يتم التحكم بهم من الخارج".
ولم تنشر هيئة رئاسة مجلس النواب عدد نصاب حضور الجلسة التي أقر القانون فيها، ولا نصاب التصويت عليه، إلا أن التكبالي أكد حضور نحو 70 نائباً، وأشار إلى أن حضور النواب بهذه الكثافة كان لغرض "التصويت على اختيار نائب ثان جديد لرئيس المجلس" وفق جدول أعمال الجلسة.
ومع أن التكبالي أكد التصويت على القانون بإجماع الحاضرين من النواب لجلسة الثلاثاء، إلا أنه يرى أن إقراره "جاء في وقت غير مناسب"، معلقاً على تداعيات القانون وتعليق التواصل بين المجلسين بالقول: "أكاد أقول إن الأمر مفتعل من أجل تعليق العمل بين المجلسين، والحقيقة أنه لا أحد يريد الوصول إلى حل، ففي لحظة وجدنا رئيسي المجلسين قد توافقا بعد لقاء في الرباط، وفي اللحظة التالية يعلق التواصل بينهما".
وخارج المجلسين، علق الخبير القانوني ورئيس لجنة فبراير التي أنتجت قانون انتخاب مجلس النواب، الكوني عبودة، على القانون، قائلاً "إنشاء المحكمة يدل على أن مجلس النواب لا يتردد في صب الزيت على النار لزيادة المشهد تعقيدا"، وتابع متسائلاً في حسابه على فيسبوك: "أي معنى لإقرار قانون يتعلق بمحكمة دستورية، وهذه تعد منذ تاريخ انتخاب هيئة صياغة مشروع الدستور خارج الولاية التشريعية، فهي شأن دستوري بامتياز"، مشيراً إلى أن دستور استقلال ليبيا نص على أن الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا.
وأضاف: "ما ينقصنا ليس المحكمة الدستورية، بل شرعية جديدة لجميع السلطات، ورحيل المتصدرين للمشهد، غير مأسوف عليهم، لأنهم كانوا وراء وصول ليبيا إلى ما وصلت إليه، وتحولها إلى دولة فاشلة بامتياز".
الجزائر تجدد الدعوة لإجراء انتخابات وسحب القوات الأجنبية من ليبيا
إلى ذلك، جددت الجزائر دعوتها الفرقاء الليبيين إلى إجراء مصالحة داخلية، تسمح بتنظيم انتخابات تمكن الشعب الليبي من التعبير عن اختياراته، فيما شددت على ضرورة سحب وإخراج القوات الأجنبية من ليبيا، كشرط يعزز ظروف إجراء الاستحقاق الانتخابي.
وقال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في مؤتمر صحافي عقد مساء أمس، بعد اختتام أشغال الندوة رفيعة المستوى حول الأمن والسلم في أفريقيا، المنعقدة في مدينة وهران غربي الجزائر، إن موقف بلاده واضح، ويتمثل في الدعوة إلى التوصل إلى حل ليبي يشمل المصالحة الوطنية بين كل الليبيين، وهو ما يجب أن يتمخض عن انتخابات ديمقراطية تسمح للشعب الليبي باختيار قادته على جميع المستويات.
وجدد وزير الخارجية الجزائري الدعوة إلى سحب فوري لكامل القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، بما يسمح بتأمين أكبر للانتخابات، وقال: "نبغي إجلاء القوات الأجنبية وتفكيك المليشيات ووقف تدفق الأسلحة وضمان مناخ مناسب لإجراء الانتخابات".
وأشار إلى مشاكل تدفق الأسلحة على ليبيا وانتشارها، ما يهدد الأمن الداخلي لليبيا، وأمن دول الجوار الليبي، من بينها الجزائر التي تتقاسم مع ليبيا حدودا بمسافة 980 كيلومتراً.
وتدعم الجزائر حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا التي يقودها عبد الحميد الدبيبة، وترفض في السياق الاعتراف بحكومة فتحي باشاغا التي تشكلت من قبل مجلس النواب.