اعتبر رئيس الحكومة الانتقالية في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، أن الأزمة في حكومته "سياسية وليست جهوية"، داعياً نائبه الأول، حسين القطراني، إلى ضرورة العودة لممارسة مهامه في هذا المنصب، بمقر الحكومة في بنغازي. وجاءت كلمة الدبيبة، مساء أمس الثلاثاء، والتي وجهها إلى الليبيين من أبناء إقليم برقة (شرق ليبيا)، بعد تصاعد الخلافات داخل حكومته، بينه وبين القطراني ووكيل وزارة الداخلية فرج قعيم، اللذين انتقدا أداء الحكومة الليبية والدبيبة أخيراً. وتفاوتت آراء المتابعين لكلمة الدبيبة، بين من رأى أنها قد تفضي إلى إنهاء الأزمة الحكومية في ليبيا، وبين من رأى أن الخلاف هو نتيجة لتحريض متواصل من اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وفي كلمته أمس، دعا الدبيبة، وكيل وزارة الداخلية فرج قعيم، الذي كان شارك القطراني في بيان الاحتجاج على الحكومة والذي صدر عنهما في 10 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، للعودة إلى ممارسة عمله، مؤكداً أن حكومته "لم تكن جهوية في يوم من الأيام، ولن تكون". واعتبر الدبيبة أن "من حق القطراني وقعيم الاحتجاج والانتقاد، لكن ليس من حقّهما الحديث عن فئات لم تخولهما بذلك".
أعرب القطراني، أمس أيضاً، عن رفضه لقرار إيفاد وفد حكومي إلى مناطق شرق ليبيا
وجاءت كلمة الدبيبة بعد بيان للقطراني، أمس أيضاً، أعرب فيه عن رفضه لقرار إيفاد وفد حكومي إلى مناطق شرق ليبيا لمدة أسبوع "للاطلاع على القطاعات العامة التابعة للحكومة"، معتبراً أن "المطالب واضحة (في شرق ليبيا)، ولا تحتاج لجاناً لزيارة برقة". كما دعا القطراني الدبيبة إلى تعديل قراره بإرسال الوفد، حتى "يمكن تنفيذه على أرض الواقع"، مبرّراً ذلك بأن القرار "تضمن عضوية بعض الأشخاص بالأسماء فقط، دون تحديد وظائفهم أو الجهات التي يتبعونها، لمعرفة علاقتهم الوظيفية بموضوع القرار".
وكان القطراني وقعيم، قد وجّها، في بيان متلفز في 10 أكتوبر، سيلاً من الانتقادات إلى رئيس الحكومة الانتقالية، واصفين مواقف الأخير بأنها "تعمق الانقسامات بين الليبيين". كما اتهم البيان الدبيبة بأنه "وقع في مسالك الإدارة الدكتاتورية الفردية"، وطالبه بـ"ضرورة التوزيع العادل للمؤسسات الحكومية وشاغليها بين أقاليم البلاد، وعدم تضييع حقوق برقة".
وفيما طالب قعيم، في ذلك البيان، بضرورة أن يُعيّن الدبيبة وزيراً للدفاع بالحكومة، شدّد القطراني على ضرورة صرف رواتب مسلحي مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، مهدداً بإمكانية إنشاء حكومة موازية في شرق البلاد، قبل أن يتراجع عن تهديده هذا، ويبرّره بأنه جاء في سياق "تقويم مسار الحكومة وحثّها على معالجة الملفات الخدمية".
واستخدم الدبيبة، في كلمته ليل أمس، لغة الأرقام، لدحض اتهامات القطراني للحكومة، حيث أكد أن نسبة تمثيل إقليم برقة في المؤسسات الحكومية والسفارات والشركات العامة تزيد عن 40 في المائة، مشيراً إلى أن هذه النسبة تتجاوز نسبة التمثيل السكّاني مقارنة بجهات البلاد الأخرى في الغرب والجنوب.
وفي معرض حديثه عن المشاريع التنموية التي تطمح الحكومة إلى تنفيذها في شرق البلاد، أكد الدبيبة أنه "تمّ تدشين صندوق بمليار دينار(حوالي 220 مليون دولار)، لإعادة إعمار مدينة بنغازي، وسوف تتم إحالتها (الأموال) قريباً"، مضيفاً أنه "إذا كان لدينا خلل في أي مكان، فمصّرون على إصلاحه".
وتضمن حديث الدبيبة رفضه الجهوية في إطار الاختلاف السياسي، مطالباً أبناء برقة بضرورة رفضهم لاستخدام مؤسسات الدولة كـ"قفل مطارات شرق البلاد"، لتحقيق "مصالح فرد أو اثنين أو حتى خمسة أفراد". وأكد أن حكومته مستعدة للحديث مع القطراني لـ"إصلاح أي خطأ في قراراتنا، ولا يضايقنا أن نعطي مسؤوليات ومناصب لأهلنا في الشرق زيادة عن حصة التمثيل الجغرافي"، لافتاً إلى أن حكومته "راعت منذ بداية تشكيلها التمثيل الجغرافي في البلاد".
وفي إطار استنكاره لبيان القطراني، تساءل الدبيبة: "ما علاقة قعيم بوزارة الدفاع؟ عليه أن يلزم حدوده ويعود لعمله". كما دعا الدبيبة القطراني إلى لقاء الوفد الحكومي ومناقشة كل المشاكل التي تعترض عمله.
أكد الدبيبة أن نسبة تمثيل إقليم برقة في المؤسسات الحكومية والسفارات والشركات العامة تزيد عن 40 في المائة
وشارك عدد من وزراء الحكومة في الكلمة، حيث أكد وزير الداخلية، خالد مازن، أن وكيل الوزارة فرج قعيم، منع مسؤولي مديريات أمن المناطق الشرقية من التواصل مع الوزارة، مؤكداً أن قعيم طلب مخصصات بقيمة 150 مليون دينار (حوالي 33 مليون دولار)، وأراد أن يتسلمها دون أي إجراءات أو مستندات.
ورفض مسؤولو المكتب الإعلامي لديوان الحكومة في بنغازي التعليق لـ"العربي الجديد" على خطاب الدبيبة، لكن فرج الفيتوري، عضو المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية (أهلي)، أعتبر أن الخطاب أزاح الكثير من الغموض الذي اكتنف بيان القطراني، بل رأى الفيتوري أن "حجج القطراني أسقطتها لغة الأرقام التي تحدث بها الدبيبة".
ورجّح الفيتوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يكون لخطاب الدبيبة دور في إنهاء الأزمة الحكومية، معتبراً أن "الكلمة أوضحت الكثير من الشبهات وستبقى مختزنة في الأذهان إلى أن يأتي رد ليدحضها"، مستبعداً أن يتمكن القطراني من فعل ذلك. كما أعرب عن اعتقاده بأن رد الفعل في الأوساط القبلية في شرق البلاد "لن يكون لصالح القطراني".
وأكد الفيتوري أن الحواضن القبلية في شرق ليبيا مختلفة مع خطوة القطراني ضد الحكومة، مشيراً إلى أن الحكومة لا تزال تحظى بدعم مكونات البلاد في الشرق. وذكّر في هذا الصدد بالتظاهرات التي خرجت لدعم الحكومة بعد إصدار مجلس النواب الليبي (الذي يتخذ من شرق البلاد مقراً له) قراراً بسحب الثقة منها في سبتمبر/أيلول الماضي.
في المقابل، استبعد الناشط السياسي من طبرق، صالح المريمي، أن يكون لخطاب الدبيبة دور في حلحلة الأزمة الحكومية. وقال في هذا الصدد إن "الديبية اعترف ضمناً بحجم الأزمة، عندما قال إن الخلاف سياسي وليس جهوياً". ورأى أنه "لا يمكن لأحد أن ينكر أن القطراني وبيانه يشكلان حركة جديدة في مسرح حفتر المعروف بإعاقته لأي تواصل أو وفاق"، مرجحاً أن "يصدر القطراني بياناً أو يخرج في خطاب يزيد من حالة الخلاف".
ووفقاً للمريمي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، فإن بيان القطراني "حلقة في سلسلة عراقيل حفتر"، مذكراً أن اللواء المتقاعد "كان ضغط على النواب لسحب الثقة من الحكومة، والآن أدخل الخلاف داخلها"، مشيراً إلى أن القطراني وقعيم "هما من أكثر الشخصيات الفاعلة في معسكر حفتر".
ورأى الناشط السياسي أن "المرحلة المقبلة، وهي الانتخابات، خطرة بالنسبة لحفتر، ولن يسمح بإجرائها، خصوصا بعدما أصبحت القوانين الانتخابية واقعاً، وعلى الرغم من أنه جرى تفصيلها (من قبل مجلس النواب) على مقاسه ومقاس حلفائه، إلا انه أصبح يدرك أن حظوظه ضئيلة في الفوز والبقاء في المشهد المقبل".