نشرت قناة "آي تي في" البريطانية، أمس الأربعاء، تقريراً عن مؤامرة إيرانية عبر وكلائها في دمشق بهدف اغتيال مذيعين في لندن، حيث عرض جواسيس إيرانيون مبالغ ضخمة على مهرب بشر بهدف تنفيذ هذا الهجوم، وتسعى المؤامرة إلى توجيه رسالة ترهيب لمنتقدي النظام الإيراني، وتأكيد قدرته على الإضرار بمعارضيه في أي مكان وزمان.
ففي الخريف الماضي، خطط الجواسيس في البداية لهجوم على استوديوهات قناة إيران إنترناشيونال الإخبارية الناطقة باللغة الفارسية، التي تقع في مجمع تجاري غرب لندن، وتضمنت خطتهم الأصلية تفجير سيارة مفخخة، لكن عقب مضي شهر، ازدادت مخاوف الجواسيس في قدرتهم على تنفيذ الهجوم، فلجأوا إلى تعديل خططهم، وأمروا "ببساطة بطعن المقدمين باستخدام سكين مطبخ"، وفقا للتقرير.
وفي تطور غريب للأحداث، أُحبطت المؤامرة التي دبّرها الجواسيس الإيرانيون لاغتيال اثنين من مذيعي قناة إيران إنترناشيونال الإخبارية في لندن، أطلق عليهما اسمين رمزيين هما "العروس والعريس"، على يد مهرب البشر ذاته الذي استأجروه لتنفيذ هذا العمل، حيث تبيّن أنّه عميل مزدوج، أسمته آي تي في الإخبارية "إسماعيل".
ووفقاً لإسماعيل، أصدر قادته توجيهاً، في أكتوبر/تشرين الأول من العام السابق، بتنفيذ المهمة في لندن تحت أي ظرف من الظروف، في إشارة إلى مقدمي البرامج التلفزيونية المستهدفين.
واللافت أنّ الأدلة تسلّط الضوء على الأساليب التي يستخدمها الجواسيس الإيرانيون، واختيارهم تجنيد مجرمين عابرين للحدود مثل إسماعيل لتنفيذ خططهم الإجرامية في الخارج، بهدف تزويد طهران بورقة تسمح لها بإبعاد نفسها عن هذه العمليات السرية. ومع ذلك، وجدت الأدلة التي جمعتها قناة آي تي في الإخبارية أنّ المجموعة التي تقف وراء هذه المؤامرة هي فيلق الحرس الثوري الإيراني، وهو الفرع الرئيسي للقوات المسلّحة الإيرانية.
مراحل العملية
يقول التقرير إنه "بعد تشديد الإجراءات الأمنية حول استوديوهات إيران إنترناشيونال ووجود حراس أمن، قرّر الحرس الثوري الإيراني تعديل الاستراتيجية، حيث اتخذ قرارًا بتبديل الهجوم الأولي بسيارة مفخخة بهجوم باستخدام سكين على مقدمَي الأخبار داخل منزليهما. وبعد تلقي معلومات حول الخطة، تدخلت السلطات البريطانية عبر ضباط متخصصين من سكوتلاند يارد، ما أدى إلى نقل موقع بث قناة إيران إنترناشيونال من لندن إلى الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي."
وبحسب التقرير، كان "جلّ ما تبرزه هذه الخطة الفاشلة للاغتيال استهداف النزاهة الصحافية، حيث قال إسماعيل إن الجواسيس اختاروا استهداف "إيران إنترناشيونال" بسبب إذلال مذيعيها للدولة في وسائل الإعلام، بيد أنّ المذيعين لم يكتشفا أنهما كانا هدفًا للمؤامرة سوى بعد مرور عام، عندما اتصلت بهما آي تي في الإخبارية".
فرداد فرحزاد، أحد المقدمين المستهدفين، أعرب عن صدمته وعدم وعيه بالتهديدات حتى اللحظة، على الرغم من تحديده هدفاً منذ 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 من قبل قادة الوحدة 840 في الحرس الثوري الإيراني، وتحديد "العروس"، سيما ثابت، هدفًا آخر، التي ترى في محاولة اغتيالها شهادة على مهنيتها.
وأظهرت الأدلّة أنّ محمد عبد الرازق كنفاني، المرتبط برئيس النظام السوري بشار الأسد، أصدر الأوامر لإسماعيل لأجل اغتيال المذيعين وتوفير معلومات عنهما من خلال إنستغرام ومتابعة المكالمات، ومع ذلك، كان العقل المدبر الحقيقي للهجوم هو محمد رضا أنصاري، أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، الذي يرتبط بعلاقات مع عائلة الأسد هو الآخر، وقد فرضت عليه عقوبات مؤخرا من قبل وزارة الخارجية الأميركية.
وتبيّن أنّ الأنصاري وجّه كنفاني في تنسيق مؤامرة "الزفاف"، واستخدم هذا المصطلح لتجنب اكتشافه، وفي مكالمة هاتفية في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أمر كنفاني إسماعيل بتغيير الهدف من مقدمي البرامج إلى مديري "إيران إنترناشيونال"، وتكشف المحادثات المسجّلة أهمية استهداف المدير ونائبه إلى جانب خمسة إلى ستة أفراد آخرين، لكن مع تأخر المؤامرة، أبدى كنفاني قلقًا وأشار إلى ضرورة تنفيذ الهجوم على المذيعين في غضون يومين أو ثلاثة أيام.
ومع تغيير خططهم، أمر كنفاني بتحويل التركيز إلى "حفل زفاف هادئ"، أي هجوم بسكين بدلاً من سيارة مفخخة، وهو ما يتطلب تخطيطًا ومعدات أقل، وفي هذه المرحلة، لم يكن المخططون على علم بأن فرداد فرحزاد انتقل إلى الولايات المتحدة، بينما بقيت سيما في لندن، وأنّ شرطة سكوتلاند يارد تدخلت وأبلغت إيران إنترناشيونال بالتهديدات، ولم تكشف القناة عن المؤامرة سوى في بيان نشرته يوم 7 نوفمبر.
من جهته، أكّد إسماعيل لقناة آي تي في الإخبارية تورطه مع الحرس الثوري الإيراني منذ 2016، وكونه "عميلاً مزدوجاً" لوكالة غربية، حيث شارك تفاصيل محادثاته مع كنفاني، وأشار إلى خطط الأخير لتسهيل حياته بالتنقل بسهولة من سورية إلى إيران من دون جوازات سفر.
وفي تسجيلات منفصلة ردا على أسئلة قناة آي تي في الإخبارية، أكد إسماعيل منصب كنفاني الرفيع في إيران بالرغم من وجوده في سورية، وقال إنّه أخبره بأنه أرسل صديقا لجمع المعلومات الاستخبارية، وتفقد مقر "إيران إنترناشونال" وتزويده بصور.
ووفق قناة آي تي في الإخبارية، تُظهر الأدلة نوايا إيران لضرب المملكة المتحدة والدور الذي يلعبه وكلاؤها عند التخطيط لهجمات إرهابية دولية، وأن "مؤامرة الزفاف" لم تتم بتكليف من طهران بل من دمشق، وعبر مقربين من الرئيس السوري بشار الأسد.