تستضيف العاصمة الإيرلندية بلفاست، اليوم الأربعاء، مؤتمر الأمن السيبراني السنوي، وسط تصاعد تحذيرات المسؤولين البريطانيين من التهديد الذي تمثّله الصين وروسيا على النظام العالمي.
وتحمل الندوات المقرّرة اليوم وغداً عناوين عريضة عن الأمن السيبراني وعن كيفية "تعزيز الدفاعات السيبرانية وبناء المرونة ضد التهديدات المزمنة والمستقبلية في مشهد عالمي متغيّر"، وسبل "تأمين مستقبل رقمي مفتوح وآمن".
ويأتي المؤتمر بعد أسبوعين فقط من منع الحكومة البريطانية وزراءها من استخدام تطبيق "تيك توك" على هواتفهم بسبب المخاوف الأمنية المرتبطة بالشركة الصينية. الخطوة ذاتها طبّقها مجلس العموم على نوّابه ومجلس اللوردات على أعضائه. كذلك تأتي بعد أسابيع من إعلان رئيس الحكومة، الزعيم المحافظ ريشي سوناك، المراجعة المتكاملة الجديدة للدفاع والسياسة الخارجية، التي حُدِّثَت بعد الغزو الروسي على أوكرانيا، وشملت مضاعفة تمويل برنامج "قدرات الصين" على مستوى الحكومة، بما في ذلك الاستثمار في التدريب على لغة الماندرين (لغة الصين)، وخبرات الصين الدبلوماسية، وطرح منهج لتعزيز قدرات الأمن القومي عبر الحكومة.
إلا أن تلك التحديثات لم تجنّب سوناك انتقادات معارضيه ومطالبهم باتّخاذ موقف "أكثر صرامة" تجاه بكين، على اعتبارها "تهديداً للأمن القومي"، فيما اكتفت المراجعة بالقول إن "الصين تمثّل في ظلّ حكم الحزب الشيوعي تحدّياً شاملاً للعصر".
يذكر أن الموقف من الصين والعلاقة معها كان إحدى النقاط الخلافية في المناظرات التي خاضها سوناك إلى جانب منافسته ليز تراس الصيف الماضي، حيث اتهمته تراس وحلفاؤها بـ"التراخي" في تعاطيه مع التهديد الصيني. التهمة ذاتها أطلقتها تراس قبل أيام ضدّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما اعتبرت أن زيارته الأخيرة للصين "علامة ضعف".
وسرّبت صحيفة "ذا تايمز" بعض المخاوف التي ستعبّر عنها رئيسة المركز الوطني للأمن السيبراني "NCSC" ليندي كاميرون خلال هذا المؤتمر، وأبرزها أن الصين "تهدف إلى التفوق التقني على الدول الغربية بدلاً من التكافؤ"، وأنه لو سمح لها ذلك، فستستخدم القوة "لتحقيق دور مهيمن في الشؤون العالمية".
وستشدّد كاميرون على ضرورة مواجهة المملكة المتحدة وحلفائها لـ"الصعود الدراماتيكي للصين كقوة تكنولوجية عظمى"، ومواكبة ذلك الصعود تفادياً لاحتمال "هيمنة الصين على الفضاء الإلكتروني".
في المقابل، ستلقي كاميرون الضوء على "الميزة الهائلة" التي يمتلكها الغرب عبر "اقتصاده الليبرالي وقيمه الديمقراطية"، ما يجعله قادراً على اتخاذ "نهج استباقي" لتشكيل الأطر التي تحكم الفضاء الإلكتروني. وستضيء على النماذج اللغوية الكبيرة مثل روبوت الدردشة ChatGPT المزوّد بالذكاء الاصطناعي، والذي "وفّر فرصة أمام اقتصادات العالم لتكون أكثر كفاءة ولتقدّم خدمة قيّمة للعملاء"، إلا أنه يطرح "مخاوف مرتبطة بانتهاكات خصوصية البيانات وانتشار المعلومات المضلّلة".
وكان المدير العام لجهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية "M15" كين ماكالوم، قد حذّر قبل أشهر من أن "التجسس الاقتصادي الصيني يستهدف خبرة المملكة المتحدة وتقنياتها وأبحاثها، ويحاول الحدّ من مزاياها الاقتصادية والتجارية"، خصوصاً بعد أن أعلنت الصين بشكل صريح نيتها في أن تصبح "القوة المتفوقة" من حيث تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ملف حساس بالنسبة إلى القادة الأمنيين.
من جانبه، حذّر جيرمي فليمينغ، رئيس وكالة الأمن والاستخبارات والمعلوماتية، من المخاطر التي يمثّلها الذكاء الاصطناعي على الأمن القومي والاقتصاد في المملكة المتحدة، مشدّداً على الحاجة لتنظيم استخدامه تفادياً للتضليل وحفاظاً على سلامة الناس، مشيراً إلى أن الصين "قد تسيطر بشكل فعال على نظام التشغيل العالمي في العالم إذا سُمح لها بالسيطرة على التقنيات الناشئة الرئيسية" بما يجعلها قادرة على "تعقب الأفراد في جميع أنحاء العالم"، إضافة إلى التهرب من العقوبات في حال غزوها لتايوان عبر "عملتها الرقمية المركزية".
ومن المتوقع أن تثير التصريحات الأخيرة التي أدلى بها وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، في لقاء مع "ذا غارديان"، المزيد من الانتقادات في صفوف الحزب، حيث قال إن على بريطانيا "ألا تغلق الباب نهائياً" أمام الصين، لأن ذلك قد يؤدي إلى "نتائج عكسية"، ويضرّ بالمصلحة الوطنية، مشيراً إلى أنه يتفهّم "تشدّد بعض الزملاء في الحكومة وفي الحزب"، إلا أن إغلاق الباب نهائياً "ليس في مصلحة أحد".
وأعلن كليفرلي رفضه تلخيص العلاقة مع الصين بكلمة واحدة على غرار "تهديد" أو "تحدٍّ"، لأن "الصين كبيرة ومؤثرة ولها ثقل تكنولوجي ودور مهم في القضايا البيئية والاقتصادية، ويصعب لكلمة واحدة أن تختصر العلاقة معها".
وفي سياق متصل، سيحذّر عضو البرلمان المحافظ أوليفر دودن خلال مشاركته في المؤتمر، من المخاطر التي تمثّلها مجموعات القرصنة الروسية على غرار مجموعة فاغنر شبه العسكرية في "تعطيل أو تدمير" أجزاء من البنية التحتية الوطنية الحيوية في المملكة المتحدة. كذلك سيطلق "تنبيهاً وطنياً" للشركات الرئيسية لتعزيز أمنها عبر "إدخال تدابير لمساءلة مشغلي البنية التحتية"، بما في ذلك تحديد أهداف المرونة الإلكترونية و"الدفاع عن نفسها وعن الدولة".
وسيشير دودن إلى أن "الخصوم يمتلكون دوافع إيديولوجية وليس مالية"، ولا يخضعون لسيطرة الدولة رسمياً، ما يجعلهم أكثر خطورة ويجعل سلوكهم "غير قابل للتنبّؤ".
وكانت كاميرون قد تطرّقت إلى الموضوع ذاته قبل يومين في لقاء على القناة الرابعة، مشدّدة على أهمية حماية البنية التحتية الوطنية الحيوية للمملكة المتحدة من "القرصنة" وتعزيز قدراتها على "مواجهة تهديدات المستقبل". ولم تنفِ كاميرون خلال اللقاء المعلومات التي تحدثت أخيراً عن "محاولات لاستهداف البنية التحتية في المملكة المتحدة"، واعترفت بأن "السلطات تمتلك بعض المؤشرات" حول ذلك الأمر، لكنها رفضت الخوض في المزيد من التفاصيل.