مؤتمر باريس لدعم لبنان: مساعدات "مخيبة" ولا ضمانات بوقف الحرب

25 أكتوبر 2024
ميقاتي (يسار) ووزير خارجية فرنسا خلال مؤتمر باريس / 24 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

قالت أوساط لبنانية إن حجم المساعدات المقدمة مخيب

لا قرار دولياً لتسليح الجيش اللبناني

المؤتمر فشل في إحراز أي تقدم في مسار وقف إطلاق النار

انتهى مؤتمر باريس الدولي لدعم لبنان، أمس الخميس، إلى حشد دعم مالي "مخيب" للنازحين والجيش، وفشل جديد في إحراز أي تقدم في مسار وقف إطلاق النار بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي. وقد اكتفى المشاركون بتكرار خطابات التحذير والتنبيه من كوارث الحرب وتوسعها إقليمياً، والدعوة إلى ضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي سياسي وتطبيق القرارات الدولية، في مقدمها القرار رقم 1701.

وأتاح "مؤتمر باريس" الذي شارك فيه نحو 70 دولة ومنظمة دولية، وغابت عنه الولايات المتحدة، جمع 800 مليون دولار من المساعدة الإنسانية و200 مليون دولار لمساعدة القوات الأمنية اللبنانية، وفق ما أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أمس، علماً أنّ هذا الدعم أتى "مخيباً"، على حدّ قول أوساط وزارية لـ"العربي الجديد"، مقارنة مع حجم الخسائر من جراء العدوان وحاجات الجيش لتمكينه من التعامل مع التحديات، التي تفوق جداً الرقم المرصود، خصوصاً أن المبالغ التي جمعت في مراحل سابقة كانت أكبر، على سبيل المثال  جمع "مؤتمر باريس 3"، عام 2007، 7.6 مليارات دولار.

الحكومة لن تتسلم مساعدات مؤتمر باريس

وقالت أوساط وزارية شاركت في مؤتمر باريس لـ"العربي الجديد" إنّ "المؤتمر تمكّن من حصد مساعدة للبنان، هي ضرورية طبعاً ونحتاج إليها في هذا الوقت الصعب والدقيق، ولكن تبقى غير كافية، لأن حجم الخسائر أكبر بكثير، إذ نحتاج إلى مليارات الدولارات، خصوصاً على صعيد التعامل مع أزمة النازحين، وكذلك لناحية ما تحتاجه المؤسسة العسكرية في لبنان، هذا عدا إعادة الإعمار وهي مرحلة لاحقة من المبكر الحديث عنها اليوم".

وأشارت الأوساط إلى أنّ "هناك آليات ستُوضع لكيفية توزيع المساعدات وسيكون هناك حتماً تنسيق بين الجهات المانحة والمنظمات الدولية العاملة في لبنان، وذلك من أجل الشفافية والمراقبة والتأكد من التوزيع العادل، كما أنّ الحكومة اللبنانية لن تتسلمها بشكل مباشر، وبالتالي سيكون هناك مسار نضمن به أن المساعدة ستصل إلى الجميع، وإلى كل من هو بحاجة إليها".

ولفتت الأوساط إلى أنّ "المساعدة التي رُصدت للجيش، وهي 200 مليون دولار، تأتي في سياق دعمه وتعزيز انتشاره على الحدود، خصوصاً في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، وقد تحدث رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمس عن معادلة الاستقرار التي تشمل تنفيذ القرار 1701 ونشر ثمانية آلاف عنصر من الجيش جنوب نهر الليطاني"، مشيرة في المقابل إلى أن "هذه المساعدة لا تشمل معدات أو مستلزمات عسكرية، بل مساعدات خصوصاً على مستوى الوقود، وطبعاً الجيش يحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير لتجهيزه وقيامه بدوره بالشكل اللازم على الحدود".

سياسياً، تشير الأوساط نفسها إلى أنّ "لقاءات كثيرة حصلت خلال وجود وفد لبنان في باريس"، مضيفة أن "الكلام تركز على ضرورة وقف الحرب، والتحذير من تداعياتها، وتطبيق القرار 1701، وغير ذلك من العناوين التي بات الجميع يعرفها". ولفتت الأوساط إلى أن "لبنان كرّر موقفه المؤيد مبادرةَ وقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً يصار خلالها إلى إجراء محادثات دبلوماسية، وسمع كلاماً حول تكثيف الجهود لإعادة إحياء المبادرة الأميركية الفرنسية المدعومة دولياً وعربياً، لكن إسرائيل لا تزال ترفضها حتى الساعة".

وأضافت الأوساط: "لم نحصل على أي ضمانات أو تطمينات حول وقف إطلاق النار أو أقلّه تخفيض التصعيد، وحتى لو أعطونا إياها، فلن نصدق لنرى النتائج في الميدان، والميدان اليوم يسجل جرائم حرب يومية، مجازر، إبادة، تدميراً على نطاق واسع من لبنان، وتوسّعاً أكبر للأهداف الإسرائيلية، بالأمس، استشهد ثلاثة عناصر بالجيش اللبناني بينهم ضابط، واليوم استشهد ثلاثة صحافيين باستهداف مقرّ إقامتهم في منطقة حاصبيا في الجنوب بينما كانوا نياماً، هذه هي أهداف إسرائيل التي على العالم أن يراها ويضع حدّاً لها، ويكفّ عن تبريرها تحت عناوين الأهداف العسكرية، ودفاع إسرائيل عن نفسها، وعليه أن يتحرك أكثر لوقفها بدل التركيز فقط على الطلب من لبنان التزام القرارات الدولية".

لا قرار دولياً بتسليح الجيش اللبناني

في الإطار، يقول منسق الدائرة القانونية لروّاد العدالة المحامي هيثم عزو إنه في ظل وجود "سلطة فساد" في الدولة اللبنانية، يبقى الاحتمال كبيراً بتبديد قسم كبير من هذه المساعدات على مصالح خاصة، لافتاً إلى أن "هذه المبالغ طبعاً غير كافية لمعالجة نتائج أزمة النزوح التي تسبّبت بها الحرب، وبطبيعة الحال، غير كافية لإعادة الإعمار، حيث تحدث وزير الاقتصاد أمين سلام عن أن التكلفة تصل إلى 30 مليار دولار، هذا عدا أنّ الصرخة الكبيرة ستكون عند عودة الناس إلى قراها ومنازلها، بما ينبئ بأزمة إنسانية كبيرة ستحدث، إذا لم تتوفر المساعدات الكافية في حينه".

ويشير عزو إلى أن لا قرار دولياً لتسليح الجيش اللبناني، فالمجتمع الدولي يريد منه أن يضبط الحدود، وفي الوقت نفسه لا يريده أن يكون فعلاً جيشاً قادراً على القيام بمهامه في الدفاع عن لبنان، مضيفاً: "كلنا نريد أن يكون الجيش منتشراً على الحدود وعلى كامل الأراضي اللبنانية وأن تبسط السلطة سيادتها وألا يكون هناك سلاح إلا بيد القوى المسلحة الشرعية، لكن في المقابل، هذا يحتاج إلى دولة قوية عمادها جيش قوي، ما يعني وجوب تمويل الجيش بشكل جدّي ومؤثر بالسلاح والعتاد والذخيرة، الأمر الذي يحتم بالضرورة حصول محادثات أممية تكون خاصة فقط بتسليح الجيش، حتى يتمكن من القيام بواجبه وبوظيفته بصورة فاعلة في الدفاع عن لبنان، خصوصاً أن لديه ضباطاً أصحاب كفاءة، وما ينقصه فقط قدرات عسكرية تمكنه من مواجهة أي عدوان".

وأردف عزو: "ليساعد الجيش الوطني في الدفاع عن حدوده بفعالية، يقتضي أن تكون لديه قدرات الردع العسكري، أي امتلاك ترسانة حربية متقدمة تشمل الدبابات، الطائرات الحربية، المدفعية، والصواريخ الدفاعية، ما يتيح ردع أي اعتداء محتمل، بما في ذلك حتماً أنظمة الدفاع الجوي والبحري لحماية المجالين الجوي والبحري من أي اعتداءات، سواء عبر الطائرات أو الصواريخ أو السفن؛ فضلاً عن الدعم الفني والتكنولوجي لصيانة المعدات العسكرية وإصلاح الأعطال في أنظمة المراقبة والرصد والتسليح لضمان الجاهزية العالية"، متسائلاً: "هل المجتمع الدولي يريد فعلاً تسليح الجيش اللبناني لإنهاء أي عذر لأية مجموعات مسلحة في الدفاع عن لبنان أو أنه يريده فقط شرطة حدود لأمن إسرائيل؟".

وتكرّرت الاعتداءات الإسرائيلية المباشرة على الجيش اللبناني خلال قيامه بمهامه الوطنية منذ فتح جبهة الإسناد اللبنانية في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لتسفر حتى اليوم الجمعة عن استشهاد 13 عنصراً، ثلاثة منهم سقطوا أمس الخميس أثناء تنفيذ عملية إخلاء جرحى في خراج بلدة ياطر- بنت جبيل في الجنوب، وهم: الجندي محمد بزال، والجندي موسى مهنا، والرائد محمد فرحات، (كان له تصد يصفه اللبنانيون بالبطوليٍّ العام الماضي خلال احتكاك مع جنود الاحتلال قرب الخط الأزرق مقابل بلدة عيتا الشعب جنوباً، على الجانب اللبناني)، الأمر الذي يطيح "تبريرات" الاحتلال بارتكابها عن خطأ ومن دون دراية، تحت عنوان "لم نكن نعلم".

بري: مؤتمر باريس يرسخ القناعة أن لبنان ليس وحده

إلى ذلك، أصدر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بياناً توجه فيه "بالشكر والتقدير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وفرنسا حكومة وشعباً على تنظيم المؤتمر الدولي لدعم لبنان وسيادته مالياً وسياسياً وإنسانياً".

وقال بري "شكراً لصديق لبنان الرئيس إيمانويل ماكرون وللحكومة الفرنسية والشعب الفرنسي، والشكر أيضاً موصول للاتحاد الأوروبي وللحكومة اللبنانية ولكافة الدول التي شاركت، الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة في المؤتمر الذي خصص لدعم لبنان وشعبه وجيشه في مواجهة تداعيات الحرب العدوانية الإسرائيلية التي يتعرض لها لبنان وإنسانه وتراثه وحضارته ورسالته ودوره في المنطقة والعالم".

وأضاف "ما أفضى اليه المؤتمر من نتائج على مستوى الدعم المالي لإغاثة النازحين وتمكين ودعم الجيش اللبناني يرسخ لدينا القناعة أن لبنان ليس وحده في مواجهة الخطر الوجودي الذي يتهدده، إننا نتطلع بنفس القدر من الأمل وعلى وجه السرعة بأن يلاقي المجتمع الدولي ما أفضى اليه المؤتمر من نتائج وتوصيات لكي يبادر إلى وقفة إنسانية تاريخية جادة، لقد آن الأوان لإنقاذ الإنسان وإنقاذ لبنان من العدوان".