تترقب أوساط سياسية في بغداد دعوة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى اجتماع موسع لقادة الكتل والقوى السياسية الفاعلة في البلاد، لشرح نتائج ومخرجات "مؤتمر التعاون والشراكة" الإقليمي الذي استضافته بغداد، أول من أمس السبت. وتؤكد المعلومات المتوفرة أن الحكومة حصلت على وعود من دول خليجية عدة، إضافة إلى فرنسا، بمواصلة الدعم لبغداد في مجالات الحرب على الإرهاب، في مجال التسليح والمعلومات والتدريب، فضلاً عن تأهيل المدن المدمرة وإعمارها. ويتحدث فيه مراقبون عن تحقيق عدد من الدول المشاركة تقارباً جديداً في لقاءات جانبية، باستثناء الجانبين السعودي والإيراني اللذين لم يُسجَل أي لقاء مشترك بينهما على هامش المؤتمر، على الرغم من تأكيد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين وجود لقاءات مستمرة بين الطرفين.
ولم يحمل البيان الختامي المشترك لقادة وممثلي الدول الذي جرى توزيعه على الصحافيين مساء السبت، عقب انتهاء أعمال الجلسة الثانية والمغلقة من أعمال المؤتمر، والتي استغرقت فعلياً نحو 50 دقيقة، تفاصيل كثيرة. وجرى التطرق لعدة محاور غالبيتها متعلقة بالعراق، لكن مسؤولاً عراقياً ضمن اللجنة التحضيرية للمؤتمر قال لـ"العربي الجديد"، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحدث عن ملفات عدة تتعلق بالمنطقة خلال الاجتماع، وأن "دولاً وشعوباً تدفع ثمن صراعات الآخرين على أرضها"، من دون أن يسميها.
استغرقت الجلسة المغلقة نحو 50 دقيقة وتصدّرها الملف العراقي
وكشف المسؤول عن تحقيق العراق منافع من خلال القمة، إذ كانت هناك اجتماعات انفرادية مع قادة الدول المشاركة ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. وحصل العراق على وعود متعلقة بدعمه في مجالات شتى منها الأمن والإعمار والاستثمار، كما جرى طرح ضرورة الإسراع بتفعيل الاتفاقات العراقية الأردنية المصرية المتعلقة بالنفط والتجارة، وضرورة عقد قمة أخرى في القاهرة بين الأطراف الثلاثة تكون مكمّلة لقمة بغداد، التي انعقدت في أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي.
ولفت المسؤول إلى أن اللقاءات التي جمعت الكاظمي مع وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو ركزت على ملفات مشتركة مثل المياه ومسلحي حزب "العمال الكردستاني" وملفات اقتصادية وتجارية. وأكد دعم أنقرة لبغداد في مشاريع بنى تحتية في مدن عدة تعاني من آثار الحرب على تنظيم "داعش". لكن المسؤول التركي كان حازماً فيما يتعلق بحق بلاده بمواجهة مسلحي "الكردستاني" من مبدأ "الدفاع عن النفس"، خصوصاً أن مسلحي الحزب يتخذون من أراضٍ عراقية منطلقاً لتنفيذ اعتداءات داخل الأراضي التركية. أما عن اللقاء بين الكاظمي ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي توجه بعد انتهاء المؤتمر إلى العاصمة السورية دمشق، فوصفه المسؤول العراقي بأنه كان بروتوكوليا ولم يخض بأي تفاصيل.
وتضمن البيان الختامي عدة بنود، أبرزها "دعم جهود العراق في إعادة الإعمار"، و"دعم جهود الحكومة في تعزيز مؤسسات الدولة وإجراء الانتخابات"، والتأكيد على أن "المنطقة تواجه تحديات تقتضي التعامل معها على أساس المصالح المتبادلة"، و"ضرورة توحيد الجهود إقليمياً ودولياً بما ينعكس على استقرار المنطقة وأمنها"، و"الترحيب بالجهود الدبلوماسية للوصول إلى أرضية مشتركة مع المحيط الاقليمي والدولي". وأوضح المسؤول ذاته أن التوجه كان عدم الخوض في أي تفاصيل خلافية داخل البيان واطلعت الوفود المشاركة عليه قبل إعلانه.
ووصف مخرجات المؤتمر بأنها عززت علاقات العراق مع الدول المشاركة في القمة، وستكون هناك مكاسب سياسية ومادية تتعلق بدعم جديد للعراق فيما يتعلق بجهود البناء والإعمار والحرب على الإرهاب وتعزيز مؤسسات الدولة، مستدركا أن مسألة قُصر عمر الحكومة الحالية يجعل على عاتق الحكومة المقبلة إكمال نفس النهج الحالي ومتابعة التفاهمات التي جرى التوصل إليها.
وبدا لافتاً تصريح الرئيس الفرنسي في بغداد خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره العراقي برهم صالح قوله إن بلاده "ستبقي حضوراً لها في العراق لمكافحة الإرهاب، طالما أراد العراق ذلك مهما كان خيار الأميركيين". وأضاف في ختام القمة الإقليمية، أن "لدينا القدرات العملية لضمان هذا الوجود". وهو ما فتح باب التساؤلات بشأن الدور الذي ترغب فرنسا بتأديته في العراق تحديداً في هذا الإطار.
ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف، أمس الأحد، المؤتمر الإقليمي في بغداد، بأنه "كرّس نوعية جديدة على مستوى السياسة الخارجية العراقية وإعادة تنميط مصادر القوة في العلاقات ما بين العراق وجيرانه وأصدقائه". وأوضح في تصريح أوردته وكالة الأنباء العراقية (واع) أن "المؤتمر أرّخ لمسألة مهمة جداً بأن العراق مقبول من جميع الأطراف باجتماعها في بغداد وأنه طوى مرحلة داعش، والآن يؤسس لمرحلة جديدة قوامها التكامل والاستثمار بوصفه نقطة اشتراك ولقاء وحوار متفق عليه بين هذه الأطراف".
في السياق ذاته وصف الرئيس الأميركي جو بايدن، مؤتمر بغداد، بالدبلوماسية الأكثر أهمية من أي وقت مضى. وذكر بيان للبيت الأبيض، أن "الولايات المتحدة تواصل الوقوف إلى جانب الشريك العراقي بينما نعمل معا لتحقيق استقرار أكبر في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لا نزال ملتزمين بتعزيز علاقتنا الثنائية بموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجي". وأضاف بايدن: "عندما اجتمعنا أنا ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في المكتب البيضاوي الشهر الماضي، ناقشنا دور العراق المهم في المنطقة والجهود الكبيرة التي تقودها حكومته، لتحسين وتعزيز العلاقات مع الجوار. ويجب أن تكون الدبلوماسية الأداة الأولى لسياستنا الخارجية، ونحن ممتنون لوجود شركاء يشاركوننا هذه الرؤية".
انتقد النشطاء عدم تطرق البيان الختامي للمطالب الإصلاحية
لكن في المقابل، انتقد ناشطون وقوى مدنية في بغداد والنجف عدم تطرق البيان الختامي إلى المطالب الإصلاحية للعملية السياسية في العراق، وضرورة إخضاع الفصائل المسلحة للقانون ووقف استهداف الناشطين المدنيين وقادة التظاهرات. وقال عضو التيار المدني أحمد حقي إن "أول وأهم الملفات الداخلية العراقية تم تجاهلها وانصبّ البيان على دعم الوضع الحالي السياسي ككل في العراق، من دون التطرق لملف الإصلاحات ومواجهة قوى اللادولة والمليشيات والفساد والتعدي على سلطة القانون بقوة السلاح والإفلات من العقاب وملاحقة الناشطين المدنيين الداعين لمدنية الدولة والمواطنة كمعيار للتعامل في العراق". وأوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "القمة حققت إنجازاً على مستوى القدرة في جمع قادة الدول وممثلي الدول وتنظيم مؤتمر بشكل جيد، لكن على الأرض لا يُتوقَع منها الكثير للشعب العراقي، وقد يكون الدول المشاركة حصدت نتائج أفضل من العراق الدولة المضيفة من ناحية اللقاءات الثنائية التي جمعت الأضداد".
من جهته، قال السياسي عزت الشابندر، إن المؤتمر يمثل "خطوة مهمة لأن يستعيد العراق بعضاً من دوره في المنطقة"، مؤكداً أن "الحوار مهم جداً بين قادة ووفود الدول المشاركة"، لكنه شكك بأن تتحقق "نتائج كبيرة". واعتبر في تصريحات صحافية: "لا أتوقع تحقيق نتائج مهمة، خصوصاً أن الحكومة في نهاية ولايتها. ولا أعتقد أن دول الجوار التي شاركت في المؤتمر مستعدة لعقد اتفاقات مع عهد حكومي غير معروف، بسبب بقاء شهر ونيّف على عمر الحكومة، حتى إجراء الانتخابات المقبلة، فهل هذه الدول على استعداد لتنفيذ تعهداتها واتفاقاتها؟". وذكّر بأنه "شهدنا انعقاد قمم وتقديم تعهدات وتوقيع اتفاقيات مع عهود راسخة، لكنها لم ينتج عن أي شيء".
في المقابل، اعتبر الخبير أحمد النعيمي، أن المؤتمر حرّك الجمود بالمنطقة، وأن نجاحاته على مستوى العلاقات الدبلوماسية أكثر من أي جانب آخر. وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مشاركة السعودية وإيران وتركيا على مستوى وزراء خارجية، عكس تمثيل باقي الدول المرتفع على مستوى قادة ورؤساء حكومات. وأن عدم الإعلان عن تحقيق لقاء كما كان متوقعاً بين المسؤولين السعوديين والإيرانيين في بغداد، يظهر أن المشاكل لا يمكن أن تحل بمؤتمر واحد وأن الخلافات كبيرة جداً، وأكبر من قدرة بغداد على تحقيق تهدئة شاملة، لكنها بكل الأحوال حققت خطوة جيدة في هذا الإطار. ولا ينبغي إعطاء المؤتمر أبعاداً أكبر أو التعويل عليه كثيراً في التوصل لنتائج ملموسة سواء على مستوى العراق أو المنطقة".