- الحرب أسفرت عن آلاف القتلى وأكثر من نصف سكان السودان بحاجة لمساعدات، مع دعوات لاحترام القانون الإنساني ووقف إطلاق النار، لكن التعهدات المالية لا تزال أقل من المطلوب.
- تأكيدات على أهمية التنسيق الدولي لحل النزاع وضرورة الضغط لبدء المفاوضات، مع تحذيرات من وضع "شبه كارثي" والحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية والغذائية في السودان.
دعا المشاركون في المؤتمر الدولي حول السودان اليوم الاثنين في باريس إلى تنسيق الوساطات المختلفة لإنهاء النزاع الدامي، وذلك بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب التي تحولت "أزمة منسية" ذات عواقب إنسانية كارثية ومخاطر جيوسياسية كبيرة. وقال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه: "منذ عام، يجد السودانيون أنفسهم ضحايا حرب رهيبة (...) لا تترك إلا الفوضى والمعاناة". وأضاف: "السودانيون هم أيضا ضحايا النسيان واللامبالاة". وتابع: "هذا هدف اجتماعاتنا اليوم: كسر جدار الصمت المحيط بهذه الحرب ودفع المجتمع الدولي إلى التحرك".
وتعهّد المجتمعون في المؤتمر تقديم مساعدات إنسانية تزيد على مليارَي يورو لدعم المدنيين في السودان. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "يمكن أن نعلن أنه سيتم في المجمل تعبئة أكثر من مليارَي يورو"، لافتًا إلى أن الالتزامات التي سُجّلت قبل المؤتمر الاثنين بلغت 190 مليون يورو فقط.
وتضمن الاجتماع الذي ترأسه فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، شقّاً سياسياً على المستوى الوزاري لمحاولة إيجاد مخارج للنزاع، وشقّا إنسانيا هدفه تعبئة التبرعات وتقديم معونة ضخمة لهذا البلد المدمر في القرن الأفريقي. كما يضم اجتماعا لنحو 40 شخصية من المجتمع المدني. وتستضيف باريس المؤتمر الدولي من أجل السودان بعد مرور عام بالضبط على بدء الحرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.
ورغم أن التعهدات بالتبرعات طموحة، فإنها لا تزال بعيدة عن مبلغ 3,8 مليارات يورو اللازم لتوفير المساعدات بحسب الأمم المتحدة. وأودت الحرب في السودان بآلاف المدنيين بحسب أرقام الأمم المتحدة التي تقول إن نحو 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، فيما يعاني نحو 3,8 ملايين طفل دون سن الخامسة سوء تغذية.
ودعا الرئيس الفرنسي "بشكل رسمي" طرفَي النزاع إلى احترام القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين، قائلاً: "نحثّهما على وقف إطلاق النار فورًا من أجل السماح للجهات الفاعلة الإنسانية بالوصول إلى جميع السودانيين". وأضاف: "يجب عدم استخدام وصول المساعدات الإنسانية لأغراض عسكرية".
من جهتها، قالت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك إن هذا المؤتمر يعقد فيما اهتمام العالم منصب على الوضع في الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل مساء السبت. وأشارت إلى أن المجتمع الدولي يجب ألا يصرف نظره عن الحرب في السودان التي تسببت في أزمة إنسانية كارثية، متحدّثة عن "المعاناة التي لا توصف" للسودانيين ضحايا حرب "جنرالين عديمي الرحمة" وشعورهم بأن العالم تخلى عنهم. وأضافت أن مبادرات الوساطة المتعددة لم تثمر، داعية المجتمع الدولي إلى "العمل بشكل منسّق لجلب الطرفين المتحاربين إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى وقف لإطلاق النار".
من جهته، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إنه من خلال "الضغط الدولي" فقط يمكن دفع الطرفين المتحاربين إلى التفاوض. ودعا وزير الخارجية التشادي محمد صالح النظيف كذلك إلى "ممارسة ضغط إلى جانب التمويل من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار لأنه إذا استمررنا على هذا النحو، فإن السودان معرّض للتفكيك خلال عام".
وضع "شبه كارثي" في السودان
في الشق الإنساني، حذّرت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين الاثنين على هامش المؤتمر في باريس من أن الأزمة الغذائية التي يمر بها السودان قد تكون "الأكبر من نوعها على الإطلاق". وقالت ماكين في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" إن الوضع في السودان "شبه كارثي"، مضيفة: "حتى لو أعلنّا حالة المجاعة، سيكون قد فات الأوان".
بدوره، أكد مدير السودان في المجلس النرويجي للاجئين وليام كارتر أن "المدنيين يعانون الجوع، العنف الجنسي الهائل، المجازر العرقية على نطاق واسع، والإعدامات (...) ورغم ذلك، يواصل العالم الإشاحة بنظره". وحذّر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك من المزيد من التصعيد للعنف مع قيام المتحاربين بتسليح المدنيين وانضمام المزيد من الجماعات المسلحة إلى القتال. وقال "إن تجنيد واستخدام الأطفال من قبل أطراف النزاع يشكلان أيضًا مصدر قلق كبير".
أما وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف فشدّد على "ضرورة فتح ممرات إنسانية يجب أن يقبلها الطرفان تحت رعاية الأمم المتحدة"، مشيرًا إلى أن "هذه الممرات يجب أن يتمّ تأمينها بواسطة وحدات خفيفة تابعة للأمم المتحدة بالتنسيق مع دول المنطقة".
وفي وقت سابق، قال نائب الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف لوموان إن "الفكرة هي إعادة الأزمة إلى صدارة جدول الأعمال. يجب ألا يُسمح بأن يصبح السودان أزمة منسية".
وشددت الخارجية الفرنسية على أن "الاهتمام الدولي ينصبّ على غزة وأوكرانيا أكثر من السودان"، مشيرة إلى أن الأزمة السودانية "إنسانية ولكن جيوسياسية أيضاً"، وقالت إن "خطر تفكك السودان وزعزعة استقرار القرن الأفريقي بكامله كبير جداً".
وشددت منظمة "العمل لمكافحة الجوع" (أكسيون كونتر لا فان) غير الحكومية، على الحاجة إلى تحرك "عاجل" في تشاد لتوفير المساعدات إلى اللاجئين الذين يتدفقون عبر الحدود من السودان المجاور.
وتابع: "إضافة إلى الوفيات المرتبطة بأعمال العنف، نرى الأطفال يتوفون جراء سوء التغذية ونقص اللقاحات، ونساء يعانين مضاعفات بعد ولادات خطرة".
وأوضحت الخارجية الفرنسية أن "تمويل النداء الإنساني للأمم المتحدة في العام الماضي لم يبلغ سوى النصف. هذا العام، لم تتخطّ نسبة التمويل الخمسة في المئة"، مؤكدة أنها لا تتوقع سدّ هذا العجز خلال مؤتمر باريس "لكن نأمل في أن يستيقظ المجتمع الدولي".
وتعثرت جهود الوساطة التي تبذلها الولايات المتحدة والسعودية منذ أشهر. وأعرب المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو الخميس عن أمله في أن يساعد مؤتمر باريس على استئناف المحادثات.
تقييم مبادرات السلام
ومن المقرر أن تعقد اجتماعات سياسية تشارك فيها دول الجوار (تشاد، ليبيا، كينيا، جيبوتي، جنوب السودان، مصر وإثيوبيا)، إضافة إلى الخليج (السعودية والإمارات)، والقوى الغربية (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج).
كما تشارك في الاجتماعات منظمات إقليمية مثل جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، إضافة الى وكالات للأمم المتحدة. ويأمل المجتمعون "الاتفاق على إعلان مبادئ وإجراء تقييم لمختلف مبادرات إحلال السلام" في السودان، وفق الخارجية الفرنسية.
وتزامناً، يجتمع نحو 40 شخصاً يمثلون المجتمع المدني السوداني في معهد العالم العربي في باريس. وأكدت الخارجية الفرنسية أنه ستتوافر لهؤلاء، وبينهم ناشطون ونقابيون وباحثون وصحافيون ورجال أعمال وغيرهم، "مساحة للتحدث عن مسار السلام ومرحلة ما بعد الحرب".
وحضّت مديرة القرن الأفريقي في منظمة هيومن رايتس ووتش ليتيسا بدر على صدور "رسالة صارمة" وعقوبات دولية ضد طرفي الحرب اللذين "حالا دون وصول المساعدات الإنسانية" ونهبا ما وصل منها، وخططا لعمليات "قتل العاملين الإنسانيين"، إضافة إلى سلسلة من الانتهاكات بحق المدنيين. وشددت على أن "من الضروري أن يعقد هذا المؤتمر، لكنه يجب ألا يصبح ذريعة... لنسيان السودان مرة جديدة".
وكانت الحكومة السودانية قد رفضت تنظيم فرنسا مؤتمراً وزارياً حول الوضع الإنساني في البلاد، من دون التشاور أو التنسيق معها، ومن دون دعوتها إلى المشاركة.
واستنكرت استخدام ذريعة الحياد بين من يسمّيها المنظمون "طرفي نزاع" لتبرير تجاهل السودان في تنظيم المؤتمر، معتبراً ذلك الأمر غير مقبول وسابقة خطيرة في العلاقات الدولية.
(العربي الجديد، فرانس برس)