مؤتمر كوبنهاغن للمانحين.. الاتجاه لتكثيف الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا ينذر بحرب طويلة
يبدو أنّ الدول الـ26 المشاركة، اليوم الخميس، في "مؤتمر أوكرانيا" للدول المانحة في كوبنهاغن، وهو الثاني بعد مؤتمر إبريل/نيسان الماضي في ألمانيا، متجهة نحو تكثيف الدعم اللوجستي العسكري والمالي لكييف. ويقدر بعض الخبراء أنّ استمرار تدفق السلاح، والتعهد بالمزيد، يعنيان أنّ "الحرب ستكون طويلة الأمد".
ويشير المحللون المتخصصون في المسائل الدفاعية في كوبنهاغن إلى أنّ "استضافة الدنمارك مؤتمر المانحين يعني تقديم ضمانات لكييف حول استمرار تدفق السلاح الذي تحتاجه". في نفس السياق، يؤكد لـ"العربي الجديد" الباحث في أكاديمية الدفاع، كلاوس أبيلغورد، أنّ "مؤتمر أوكرانيا في كوبنهاغن، بعد المؤتمر الأول الذي عقد في إبريل الماضي في قاعدة رامشتاين (الجوية الأميركية في جنوب ألمانيا)، مؤشر قوي على أنّ الحرب في أوكرانيا ستستمر وقتا طويلا، على الأقل في الأشهر المتبقية من العام الحالي".
وأعلنت رئيسة الحكومة الدنماركية ميتا فريدركسن، اليوم الخميس، عن تخصيص بلدها المزيد من الدعم المالي للمجهود الحربي الأوكراني. يأتي ذلك بعد اتفاق "لجنة الدفاع والسياسات الخارجية" في البرلمان الدنماركي، أمس الأربعاء، على تخصيص 820 مليون كرونة (أكثر من 100 مليون يورو) لضمان دعم الجيش الأوكراني على شكل إنتاج أسلحة وتبرعات بالذخائر وتخصيص برامج تدريبية مكثفة لآلاف الجنود الأوكرانيين.
وعلى هامش المؤتمر، شدد وزير الدفاع الدنماركي مورتن بودسكوف على أنّ رفع دعم بلاده لكييف إلى أكثر من 3 مليارات كرونه، منذ بداية الغزو الروسي في 24 فبراير/شباط الماضي، يأتي في سياق الجهود الدولية للدول المانحة والمبذولة لتقوية "دفاع أوكرانيا عن نفسها". وأكد بودسكوف "تخصيص 130 مدرباً عسكرياً لتدريب آلاف الجنود الأوكرانيين".
في ذات السياق، جرى التطرق في مؤتمر كوبنهاغن إلى أنّ الدول المنخرطة بدعم أوكرانيا تقوم فعلياً بتقديم تدريبات مكثفة للآلاف، وتقديم استشارات لجيش كييف، وبعضها يجري على الأراضي البريطانية والدنماركية، ودول أخرى في حلف شمال الأطلسي.
وبحسب معلومات خاصة لـ"العربي الجديد" فإنه، على الأقل دنماركياً، ينخرط ضباط في تدريب الأوكرانيين في دولة أوروبية عضو في حلف شمال الأطلسي. وبرغم السرية التي يتعامل فيها المضيفون والدول المشاركة في مؤتمر المانحين، فإنّ تقييمات عسكرية متخصصة ترى أنّ "الأمور تسير بشكل متسارع ومكثف لاستجابة المشاركين السريعة للتدريبات ونقل السلاح".
لتطورات حاسمة
ولا يستبعد الباحث العسكري أبيلغورد أن يجرى تكثيف دعم أوكرانيا "لأسباب تتعلق بتطورات حاسمة للغاية، خلال الفترة المقبلة، في جهود الأوكرانيين على الجبهات".
وزير الدفاع الأوكراني المشارك في المؤتمر، أوليكسي ريزنيكوف، بدا مرتاحاً في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البريطاني بن والاس لمستوى الدعم الذي يتعهد به المؤتمر لتلبية طلبات بلده من السلاح والذخيرة، ولا سيما الدبابات والمدافع والصواريخ.
وعبّر ريزنيكوف عن اعتقاده بأنّ بلده قادر على استعادة الأراضي التي تسيطر عليها القوات الروسية "بوجود داعمين مثل الدنمارك". تعتقد المصادر المتخصصة في الجهود "الأطلسية" لمساندة أوكرانيا أنّ "ما يجري الإعلان عن نية دعم أوكرانيا به، يكون بعضه بالفعل قد وصل، وذلك تحاشياً لاستهداف روسي لطرق إيصاله".
ذلك بالطبع لا يعني أنّ الأمور كلها متيسرة أمام المطالب الأوكرانية، إذ يؤكد، لـ"العربي الجديد"، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة آرهوس، نيكولاي بيدرسن، أنّ الأمور "تتطلب بعض الحذر، حتى لا تنزلق الأمور لتبدو كمواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا".
وفي ذات الاتجاه، يبدو أنّ السويد والدنمارك ترفعان من عجلة التصنيع العسكري لإنتاج المزيد من الصواريخ والأسلحة التي تحتاجها أوكرانيا. وكانت كوبنهاغن واصلت بالفعل إرسال صواريخ هاربون التي أغضبت الروس.
ويصعب تقديم أجوبة صريحة حول نوعية الأسلحة التي ستقدّم لأوكرانيا خلال الفترة المقبلة، على الرغم من تحديد ريزنيكوف حاجة بلده، من بين أمور أخرى، إلى "الدبابات وأنظمة الدفاع الصاروخي والطائرات"، إلا أن المتابعين المتخصصين في الشؤون الدفاعية يرون أنّ "تلك المساعدات تعتبر هائلة الفعالية مقارنة بالسابق".
لاستعادة الأوكرانيين بعض ما خسروه
بدوره، يؤكد الأستاذ المساعد في أكاديمية الدفاع بجامعة كوبنهاغن، بيتر ياكوبسن، أنّ "هذا الانخراط من دول في حلف شمالي الأطلسي ومن خارجه بدعم أوكرانيا، يشي بأنّ الجهود القادمة ستركّز عملياً على استعادة الأوكرانيين على بعض ما خسروه من أرض"، وذلك بالمناسبة ما ردده القادة الأوكرانيون بشكل متكرر خلال الأيام الماضية، ولا سيما مع أخبار الانفجارات في شبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا عام 2014.
على الجانب الآخر من تجدد الانخراط والتعهد بدعم أوكرانيا، يقدّر ياكوبسن أنّ "مؤتمر كوبنهاغن لا ينم عن أنّ الأوكرانيين يتعرضون لضغوط كبيرة على الجبهات، أو تعبير عن يأس، بل ذلك يتماشى مع مستويات معينة من الطموح".
وشدد في الوقت نفسه على أنّ الأوكرانيين "يرغبون بسرعة في جمع قوة كبيرة جداً لاستعادة الأرض، فلم تعد الأمور تتعلق بمحو أوكرانيا"، كما قدمت السرديات الروسية منذ بداية الغزو، باعتبار البلد تاريخياً من صناعة السوفييت.
إجمالاً، إذا صحت التقديرات حول العتاد العسكري، كمّاً ونوعاً، والذي باشرت الدول بتقديمه لأوكرانيا، وتكثيف التدريبات على أنظمة غربية، فإنّ الأشهر المقبلة من الحرب في أوكرانيا يبدو أنها تتجه نحو التصاعد، والمتزامن مع ارتفاع نبرة كييف عن استعادة ما فقدته من أراض، سواء في 2014 أو في الغزو المتواصل منذ أكثر من 5 أشهر.