استمع إلى الملخص
- **استطلاعات الرأي تظهر أن 74% من الفرنسيين يعتقدون أن ماكرون تجاهل نتائج الانتخابات، مما يعكس الفهلوة السياسية الفرنسية.**
- **مقارنة بين ردود فعل الشعوب في فرنسا والمغرب العربي، حيث تتوحد النخب الفرنسية ضد السلطة، بينما تظل الشعوب المغاربية صامتة أو منقسمة.**
ما يحدُث في فرنسا، وبالتوازي في بعض معسكراتها القديمة، تحديداً في شمال أفريقيا، يدعو إلى التساؤل بشأن الإرث الذي خلّفته فرنسا في هذه الدول، وما تستمر في بثه في هذا الفضاء من أفكار وقيم هدّامة تقتل كل ما بشرت به تلك الثورة الفرنسية العظيمة من أنوار عدلٍ وإنسانية. السبت الماضي، خرج آلاف إلى الشوارع في أنحاء فرنسا، للاحتجاج على قرار الرئيس إيمانويل ماكرون تعيين ميشال بارنييه (73 عاماً)، المنتمي إلى يمين الوسط، رئيساً للوزراء، بينما تتهم أحزاب يسارية ماكرون بسرقة الانتخابات التشريعية، وبارنييه هو المفاوض السابق للاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا من التكتل.
واتهم اليساريون، بقيادة حزب فرنسا الأبية، ماكرون بإنكار الديمقراطية وسرقة الانتخابات بعد رفضه اختيار مرشّح تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" الذي فاز في انتخابات يوليو/تموز الماضي. ونشرت مؤسّسة إيلاب لاستطلاعات الرأي مسحاً يوم الجمعة الماضي أظهر أن 74% من الفرنسيين يعتقدون أن ماكرون تجاهل نتائج الانتخابات، بينما يعتقد 55% منهم أنه سرقها. تؤكّد هذه الأرقام، هذه الفهلوة السياسية الفرنسية التي تُمكّن الحكومات من التسلل بين القوانين والنصوص، تؤولها كيفما شاءت لتلتفّ على شعبها وعلى قراره وخياره الذي وضعه في صندوق الاقتراع. انظروا إلى مستعمرات فرنسا السابقة، هذا المغرب العربي المعتل، الذي قُتلت فيه الديمقراطية، أو تكاد. يتعلم من تلك المدرسة العريقة كيف يتحايل على القوانين ليضعها في صفّه، مدّعياً أنه في صف القانون، وقد لا تحتاج السلطات فيه إلى هذه التبريرات أصلاً، وتضرب بكل القوانين عرض الحائط.
لكن المشكلة، هي في فرق رد فعل الشعوب، فهناك، في فرنسا، مؤسّسات عريقة ونخب صاحية، بإمكانها، أحياناً، أن تتجاوز خلافاتها وتتوحد ضد السلطة. أما في غير بلد في المغرب العربي، فتتفرّج الشعوب صامتة على مأساتها، وتنهل من خطابات شعبوية تروّج الأكاذيب. وحتى ما إذا كان هناك مجال متاح للتحرّك والاحتجاج، كما في الحالة التونسية، فإن الانقسامات لا تنتهي، ولا يتعلم أحد درس الفُرقة والخلافات، وما أدت إليه من خسارات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، بل هي خسارات تاريخية، ستبقي على التخلف الحضاري سنوات طويلة إن خُسِرت التجربة الديمقراطية نهائياً، وسقطت أمام موجة الارتداد التي تريد أن تنهي الفكر التحرّري من شعوب المنطقة نهائياً. ولكن لا يزال هناك آمال بإمكان صمودها أمام هذه الموجة، بشرط ألا نساير "ماما فرنسا" بطريقة عمياء، وكأنها مصدر الإلهام الوحيد، فماذا جنينا منها؟