لا يزال اتفاق الغاز الموقع بين حكومة الوحدة الوطنية الليبية والحكومة الإيطالية، يثير موجة من الرفض والتشكيك داخل البلاد، لأسباب تحمل طابعاً اقتصادياً مغلفاً بالسياسة.
وبموجب العقد الموقع بين الجانبين الليبي والإيطالي، والذي يعدّ امتداداً لاتفاق سابق موقع بين البلدين عام 2008، سيتم استثمار 8 مليارات دولار في حقلين بحريين ليبيين يبلغ إجمالي احتياطهما 6 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي، لاستخراجها خلال 25 عاماً.
وبناءً على الاتفاق سيغذي المشروع ليبيا بـ750 إلى 800 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً، وسيزيد الحصص التصديرية الليبية من الغاز إلى إيطاليا.
لكن حكومة الدبيبة تلقت سيلاً من التهم بتوظيف هذا الاتفاق لدعم شرعيته، التي لا يعترفون بها بعد أن أنهى مجلس النواب ولايته وأقر في فبراير/ شباط 2022 حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، ما أوقع البلاد في صراع حكومي على خلفية رفض الدبيبة تسليم السلطة. وتسيطر حكومة الدبيبة على العاصمة طرابلس ومؤسسات الدولة السيادية والمالية بما فيها مصرف ليبيا المركزي، الذي حضر محافظه توقيع الاتفاق.
ويؤكد عضو مجلس النواب، جبريل أوحيدة، لـ"العربي الجديد"، عدم قانونية الاتفاق المبرم، محتجاً بانتهاء ولاية حكومة الدبيبة، وقال "حتى وإن سلمنا جدلاً بأنها حكومة أمر واقع ولديها دعم دولي، فهي غير مخولة بتوقيع الاتفاقيات وعقد الصفقات، لأنها حكومة مؤقتة بصلاحيات محدودة تتعلق بالتمهيد للانتخابات وقد فشلت في ذلك، والآن تسعى عبر توظيف المال والإغراءات إلى تثبيت أركانها والاستمرار لأطول ما يمكن، وصبغ نفسها بشرعية لا تمتلكها". واستشهد أوحيدة بتصريحات وزير النفط والغاز بحكومة الدبيبة، محمد عون، الذي عارض توقيع الاتفاق.
وأضاف أوحيدة "هناك خبراء نفط أحدهم كان ضمن اللجنة التي أبرمت اتفاقية 2008 تحدثوا عن أن العقد الأول يقرر تخفيض في حصة إيني (الشركة الإيطالية) بعد 10 سنوات إلى 30%، ارتفعت في النسخة الجديدة إلى 37%، وهذا موطن شبهة واضحة، تتمثل في عقد صفقات مثل التي وقعت مع تركيا العام الماضي، وفاز الدبيبة من خلالها بالدعم السياسي التركي، والآن يسعى لنيل مساندة الإيطاليين أو على الأقل كسب سكوتهم عن أي مخالفات يرتكبها"، متهماً الدبيبة بالمتاجرة بأموال الليبيين وقوتهم. ولم يستبعد النائب وجود شبهة فساد مالي أيضاً، معتبراً ما يحدث "انتهازية من قبل دول مثل إيطاليا وتركيا"، وأكد عدم تلقي محلس النواب أي نسخ من الاتفاقية.
من جهة أخرى، يرى أستاذ القانون بالجامعات الليبية، أحمد العاقل، أن حملة الاعتراضات قد لا تعكس إلا مواقف أصحابها الخاصة، متسائلاً عن الموقف الرسمي لمجلسي النواب والدولة اللذين لم يصدرا أي بيان أو موقف حيال الاتفاق.
وقال العاقل متحدثاً لــ"العربي الجديد": "حتى الآن لا يمكن التكهن بالفائدة الاقتصادية التي تعود على البلاد من هذا الاتفاق، فقد قيل الكثير حول الاتفاقات التي تم توقيعها مع الجانب التركي لكن ثبت في الأخير أنها لصالح ليبيا اقتصادياً"، مستدركاً بالقول "لكن دون شك يجب ألا تُهمل الجوانب القانونية، خصوصاً تصريحات محمد عون (وزير النفط الليبي)، فقد تكون هناك بالفعل تجاوزات قانونية تضر بمصالح البلاد".
ويضيف العاقل بالقول "تصريحات عون من جانب آخر قد تكون بدوافع خلافاته مع الدبيبة، ولا يحل كل تلك الإشكالات إلا الإفصاح عن بنود الاتفاق واعلانه بشفافية، وعدم إعلانه قد يلقي بشيء من المخاوف، لكن في كل الأحوال لا يمكن لإيطاليا أن تجازف بتوقيع عقد مع حكومة مهزوزة الشرعية، دون أن تكون هناك ضمانات لنفاذه قانوناً".
وفي المقابل، يلفت الباحث في الشأن السياسي، الدوكالي الهاين، لـ"العربي الجديد" إلى خطورة ارتباط الاتفاق بالمصالح السياسة لحكومة الدبيبة أو الجانب الإيطالي، معتبراً أن هذا الارتباط يمثل "الجانب السلبي الذي قد يؤثر على الوضع الليبي، خصوصاً في حالة مثل حالة ليبيا التي تعاني انقساماً يتجاوز الانقسام الداخلي إلى انقسام إقليمي، وبالتالي قد تكون إيطاليا دخلت لمعركة الاصطفافات الإقليمية في الملف الليبي".
ويؤكد الهاين أهمية هذا الاتفاق بالنسبة لأوروبا، قائلاً "هذا يحدث في وقت تعاني في أوروبا حصار روسيا في تدفقات الغاز، وبالتالي فقد يكون الاتفاق جسر يعبر منه الدبيبة للوصول الى عواصم أوربية أخرى لحشد الدعم لحكومته". ويشير إلى أن الزيارة الإيطالية لطرابلس جاءت بعد أيام قليلة من زيارات أميركية لليبيا، وهو ما يدفعه للاعتقاد بأن النشاط الإيطالي الجديد جاء بدفع أميركي، لتتولى روما مجدداً تمثيل واشنطن في الملف الليبي من ناحية سياسية، ولذا لا يستبعد أن تكون إيطاليا "حلقة الوصل بين الدبيبة وخليفة حفتر كخيار أميركي للتوافق بينهما".
وفيما يرى الهاين أن الهدف الأميركي لا يركز على الانتخابات من أجلها، بل من أجل إيجاد سلطة موحدة في البلاد تمكنها من إخراج شركة فاغنر من ليبيا، ودفع كل مستحقاتها حتى لا تبقى لها حجة في البقاء، يرى أن هذا الهدف إذا تحقق بأي طريقة "كأن تتوحد السلطة بتقارب بين الدبيبة وحفتر لن تتشدد واشنطن في أمر إجراء الانتخابات".
وأطلق الهاين عدة استفسارات تزيد من حجم الغموض حول التحرك الإيطالي، وتتعلق بالصمت الإقليمي حول توقيع الاتفاق، سيما مصر التي تعتبر حكومة الدبيبة منتهية الشرعية، وكذلك سماح واشنطن بمثل هذه الخطوة التي تقوي من موقف الدبيبة في ظل الصراعات الليبية، هذا بالإضافة لصمت مجلسي النواب والدولة حول شرعية وقانونية الاتفاق.