استمع إلى الملخص
- اختيارات ترامب لبعض أعضاء إدارته، مثل إيلون ماسك، أثارت اعتراضات حتى من داخل حزبه، مما يثير مخاوف من فوضى وتذبذب في رئاسته الثانية، خاصة مع عدم وضوح سياساته الخارجية تجاه الأزمات مثل حرب أوكرانيا.
- رغم التحديات، قد تتحرك إدارة ترامب لدعم الوضع في سورية وعزل إيران وروسيا، مع مقترحات لتسوية سياسية في أوكرانيا. ومع ذلك، يبقى ترامب معروفاً بتقلباته، مما يضيف غموضاً حول سياساته المستقبلية.
انتهت عملياً رئاسة جو بايدن وصارت شبه منطفئة حضوراً، حتى في أوساط حزبه، وتتركز الأضواء الآن على العائد من جديد إلى البيت الأبيض بعد أقل من عشرين يوماً. وكالعادة عند انتقال السلطة، تدور التوقعات والتكهنات حول ما يمكن أن يحمله الرئيس القادم في العام الجديد. وتبقى التقديرات مرتبكة، لأن توجهات الرئيس المنتخب دونالد ترامب غير واضحة إزاء المشهد الدولي بانهياراته وتحولاته غير المسبوقة، خصوصاً في الشرق الأوسط، من جهة، ولأن تشكيل الإدارة الجديدة الذي لم يُستكمل بعد أثار بعض الاستغراب، حيث إن ما صدر عنها حتى الآن مشوش في أحسن أحواله وأقرب إلى العناوين منه إلى السياسات المتماسكة، من جهة أخرى.
وما زال وزير الخارجية المعيّن، السيناتور ماركو روبيو، غائباً عن الشاشة تماماً، ولم يصدر عنه أي تصريح أو حتى إشارة بخصوص الملفات التي ستواجهه منذ اليوم الأول في مهمته الجديدة. ثم إن هناك إشارات أولية لبداية متعثرة للإدارة القادمة، بما قد ينعكس سلباً على الأداء والسياسات لاحقاً، فاختيار ترامب لبعض أركانها تسبب باعتراضات حتى في صفوف الجمهوريين، ما اضطره إلى سحب مرشحه لمنصب وزير العدل. وقد يضطر إلى التخلي عن مرشح أو أكثر لمناصب حساسة أخرى في مجالات الأمن القومي والاستخباراتي، حيث قوبلت اختياراته بتحفظات كبيرة، حتى من جانب جمهوريين في مجلس الشيوخ المطلوبة موافقته على التعيينات في المناصب الوزارية، أو ما يعادلها في الوكالات الفيدرالية.
وزاد اختيار ترامب للملياردير إيلون ماسك لشغل منصب حكومي مستجداً من النفور تجاه إدارته. وأثار ماسك نقمة بعض الجمهوريين بعد أن بدأ يتصرف وكأنه الرئيس المنتخب ويعطي ما يشبه الأوامر في أمور حساسة تتعلق بصلاحيات الكونغرس، وكاد تدخله الفوقي يوم الجمعة الماضي في التصويت على مشروع قانون متعلق بتمويل الخزينة أن يؤدي إلى سقوط المشروع، وبالتالي إقفال دوائر الحكومة لعدم صدور تفويض الكونغرس بصرف الأجور والنفقات العامة.
وبدأت هذه المقدمات ترسم علامات استفهام وتخوف في واشنطن، خصوصاً في أوساط الجمهوريين، من أن تكون رئاسة ترامب الثانية مهددة بالفوضى والتذبذب والمزاجية التي سادت في رئاسته الأولى، وهناك خشية من أن تغرق رئاسته في قضايا تصفية الحسابات في الداخل، التي لوّح بها مراراً وتكراراً. وفي الشق الخارجي، لم تتبلور بعد ملامح سياسة متماسكة إزاء القضايا والأزمات الساخنة، من حرب أوكرانيا إلى حروب الشرق الأوسط والتغييرات المتسارعة في معادلاته وتوازناته، وآخرها انهيار نظام بشار الأسد.
ومع ذلك هناك اعتقاد بأن إدارة ترامب "من مصلحتها أن تتحرك خلال الأشهر الأولى من العام المقبل" لدعم الوضع الجديد في دمشق، رغم ما قاله ترامب قبل أسبوعين عن عدم اهتمامه بسورية، فموقفه قبل أن يدخل البيت الأبيض شيء، وبعد دخوله شيء آخر، خصوصاً أن إدارة بايدن فتحت له الباب مع النظام الجديد في سورية، وبدأت ببناء الجسور معه من خلال زيارة فريق دبلوماسي أميركي لدمشق برئاسة مساعدة وزير الخارجية باربرا ليف قبل يومين. فالمباحثات التي جرت يمكن البناء عليها، لأنها "تخدم الرئيس الجديد" من جهة أن من شأن مساعدة النظام الجديد ودعمه أن يصبا في "تعزيز عزل إيران وروسيا عن سورية"، بما يتقاطع مع سياسة ترامب وتوجهات وزير خارجيته المحسوب على صفوف الصقور إزاء ايران. وبذلك يتحقق تحصين الوضع السوري وتقوية مناعته لتمكينه من سد الثغرات التي قد يفاقمها تعثر الحكومة الجديدة، بما يزيد من احتمالات التدخل في سورية لزعزعة أوضاعها، بخلاف ما تريده واشنطن.
وقد يكون الأمر ميسوراً أيضاً لترامب في ما يتعلق بحرب أوكرانيا، إذ هناك معلومات تتحدث عن أن الإدارة الجديدة ليست بعيدة عن صيغة دعا إليها السفير الأميركي السابق في موسكو، مايكل ماكفول، المطلع على الوضع الروسي، والذي يطرح تسوية سياسية تقوم على ما يشبه المقايضة بين تنازل أوكرانيا عن الأراضي التي تحتلها القوات الروسية في شرق البلاد، مقابل عدم اعتراض موسكو على انضمام أوكرانيا إلى حلف "الناتو"، ويقال إن مثل هذا العرض قد يشكل مدخلاً للحديث عن مفاوضات سلام، حيث يبدو أن الجهات الأميركية المعنية ليست بعيدة عن مثل هذا المخرج. ويذكر أنه سبق لرموز من هذه الأوساط منذ فترة أن أشارت، دون مواربة، إلى أنّ "من الصعب استعادة هذه الأراضي من روسيا ميدانياً"، والرئيس ترامب قد يجد في هذه الصيغة ما يشكل بوابة مواتية لرغبته في وقف هذه الحرب في إنجاز يسجل في تركته الرئاسية.
يقول ترامب إنه "ضد الحروب"، لكن هذه الحروب قائمة وتعقيداتها تهدد بالأدهى. وبرغم تقاربه مع نتنياهو، يتردد أنه "لا يجاريه" في تطلعاته العسكرية تجاه إيران، لكن من جهة أخرى من المعروف عن ترامب أيضاً أنه شديد التقلب ولا يرسو على خيار إلا بصورة مؤقتة أو عابرة.