استمع إلى الملخص
- سعت حكومة ستارمر لبناء جسور مع ترامب، حيث التقى رئيس الوزراء ووزير الخارجية معه في نيويورك، وأجرى ستارمر مكالمة مبكرة بعد محاولة اغتيال فاشلة، مما يعكس استعدادهم لاختبار دبلوماسي صعب.
- أثار فوز ترامب ردود فعل متباينة، حيث قلق البعض من تأثير سياساته على الاقتصاد البريطاني، خاصة التعريفات الجمركية، وحذرت مؤسسة بحثية من انخفاض نمو المملكة المتحدة للنصف.
حالة من التأهب والترقب تسود الأوساط السياسية في المملكة المتحدة بعد فوز الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية اليوم الأربعاء، خصوصاً في صفوف حزب العمّال الحاكم، وذلك بالنسبة إلى عدد من الملفات والقضايا التي ستحكم علاقة البلدين في السنوات الأربع المقبلة، أبرزها الحرب في أوكرانيا، والضرائب الجمركية.
سارع رئيس الحكومة البريطاني كير ستارمر إلى تهنئة ترامب صباح اليوم، بعد إعلان الأخير فوزه حتى قبل حصول ترامب على 270 نقطة في المجمع الانتخابي، في إشارة إلى رغبة لندن في إقامة علاقات وديّة مع الرئيس العائد إلى البيت الأبيض، بعد تباين ظهر خلال الحملة الانتخابية، المتمثل بمهاجمة حملة ترامب حزب العمّال البريطاني لإرساله نشطاء إلى الولايات المتحدة للعمل في حملة كامالا هاريس، وهو ما اعتبرته الحملة تدخلاً خارجياً وانتقدته في أكثر من مناسبة في الأسبوعين الماضيين.
وحرصت إدارة ستارمر في الأسابيع الماضية على مد جسور مع فريق دونالد ترامب في أكثر من مناسبة تحسباً لفوزه في الانتخابات وحصول بعض التقلبات في العلاقة مع الولايات المتحدة، إذ التقى رئيس الوزراء ووزير الخارجية ديفيد لامي مع الرئيس المنتخب خلال وجبة عشاء في برج ترامب في نيويورك في سبتمبر/ أيلول الماضي، فيما قالت المصادر في حينه إن ترامب أعاد ترتيب جدول أعماله لإيجاد الوقت لمقابلة ستارمر ولامي، وهو ما اعتُبر "لفتة طيبة" مع الرئيس المستقبلي.
كذلك تمكّن رئيس الوزراء البريطاني من إجراء مكالمة مبكرة مع دونالد ترامب بعد وقت قصير من نجاته من محاولة اغتيال في شهر يوليو/ تموز الماضي. رغم ذلك شهدت العلاقات توتراً خلال الحملة الانتخابية و"انفلاتاً بالهجوم"، بحسب وسائل إعلام رصدت التوتر بين حملة ترامب وحزب العمّال، إذ اتهم مناصرو ترامب حزب العمال "بالتدخل الأجنبي الصارخ" بالانتخابات الأميركية، زاعمين تجنيد حزب العمال ناشطين من الحزب للمشاركة في حملة كامالا هاريس في الولايات المتأرجحة انتخابياً للتأثير على النتيجة لصالح الديمقراطيين، وهو ما دفع الحزب الجمهوري إلى تقديم شكوى بذلك إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية.
واستندت الشكوى إلى منشور لرئيسة العمليات في حزب العمال البريطاني، صوفيا باتيل، أعلنت فيه عن توفر "10 أماكن شاغرة" لمن يرغب في التوجه إلى ولاية كارولينا الشمالية للمشاركة في حملة الحزب الديمقراطي. وأشارت الشكوى إلى تقديم استراتيجيين "مرتبطين" بحزب العمال الذي يقوده رئيس الوزراء كير ستارمر المشورة لنائبة الرئيس هاريس، بعد فوزهم الكاسح في الانتخابات البريطانية في يوليو/تموز. وردّ ستارمر، في تصريحات نقلتها صحيفة ذا غارديان في حينه، بأنّ "متطوعي حزب العمال شاركوا تقريباً في كل انتخابات سابقة. إنهم يقومون بذلك في أوقات فراغهم، كمتطوعين، وأعتقد أنهم يقيمون مع متطوعين آخرين هناك".
في موازاة ذلك، استمرت عمليات التخفيف من حدة هذه التوتر سريعاً، إذ التقى وزير الخارجية البريطاني مؤخراً بوزير خارجية ترامب السابق مايك بومبيو. كما عملت الحكومة على تنمية العلاقات مع روبرت أوبراين، الذي كان مستشاراً# للأمن القومي في ولاية دونالد ترامب الأولى، وإلبريدج كولبي، الذي عمل مستشاراً للأمن القومي في عهد ترامب.
ورغم هذه المساعي، سيظل انتخاب ترامب اختباراً دبلوماسياً صعباً لحكومة حزب العمّال أكثر مما كان سيحدث لحكومة حزب المحافظين، مع العلم أن حزب العمّال استعد لهذا السيناريو منذ أشهر، بحسب ما نقله مسؤول في الحزب لموقع سكاي نيوز. يقول هذا المصدر "بالنسبة لنا، ستكون هناك دائمًا مجالات ذات اهتمام مشترك تتجاوز السياسة الحزبية، كما هو الحال مع العلاقة الخاصة. إن نهجنا هو أن الأمر في نهاية المطاف يتعلق بالشعب الأميركي، وقد اختاروا بوضوح من يريدون أن يكون رئيساً - ومسؤوليتنا هي جعل العلاقة تعمل لصالح المصلحة الوطنية للمملكة المتحدة". وأضاف "لهذا السبب خصص رئيس الوزراء وقتاً لتناول العشاء مع الرئيس ترامب في سبتمبر، وكانت أمسية ناجحة للغاية. إنه لمن حسن الحظ أن يكون لدينا هذا الوقت، حتى لا نبدأ من الصفر".
تعليقات السياسيين على فوز ترامب
وكان للعديد من الساسة في المملكة المتحدة آراء قوية بشأن دونالد ترامب، بعضهم هاجمه بشكل حاد والآخر أخفى آراءه. فكير ستارمر، حتّى عندما كان زعيماً للمعارضة، نادراً ما انتقد دونالد ترامب بشكل مباشر، خشية من عودته إلى البيت الأبيض.
وزير الخارحية ديفيد لامي كتب في عام 2018، عندما كان عضواً في البرلمان: "ترامب ليس مجرد شخص مريض نفسياً يكره النساء ويتعاطف مع النازيين الجدد. إنه يشكل أيضاً تهديداً عميقاً للنظام الدولي الذي كان أساس التقدّم الغربي لفترة طويلة". لكن اليوم الأربعاء، غرّد لامي في تهنئة لترامب، قائلاً: "ليس للمملكة المتحدة صديق أعظم من الولايات المتحدة، مع اعتزاز العلاقة الخاصة على جانبي الأطلسي لأكثر من 80 عاماً. نتطلع إلى العمل معك ومع جيه دي فانس في السنوات المقبلة".
أمّا زعيمة المحافظين الجديدة كيمي بادينوخ، فلم تتحدث كثيراً عن ترامب، وعلى عكس روبرت جينريك، خصمها في المنافسة الأخيرة للحزب، لم تقل إنها ستدعمه إذا كانت أميركية. في عام 2017، غردت عضو الجمعية اللندنية آنذاك، والتي لم تكن عضواً في البرلمان بعد بأنها "ليست من محبي ترامب".، فيما هنّأته اليوم على "فوزه التاريخي في الانتخابات".
ويمكن اعتبار نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح في المملكة المتحدة، بالمعجب الأول بترامب في المملكة المتحدة، ويصف نفسه بأنه صديق للرئيس الأميركي، الذي أشاد بدوره بفاراج باعتباره رفيق الروح الأيديولوجي لحملته من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كان فاراج في الولايات المتحدة للانتخابات، كما حضر المؤتمر الوطني الجمهوري في يوليو/ تموز. وكان لفاراج تصريح ملفت هذا الأسبوع قال فيه لصحيفة التلغراف إنه "لم يوافق أبداً على رواية الانتخابات المسروقة"، وإنه إذا خسر ترامب الانتخابات الحالية، فيجب عليه قبول هذا و"الذهاب للعب الغولف في تيرنبيري".
وفي عودة إلى تصريحات سابقة لجون سويني في حديثه إلى الصحافيين الأسبوع الماضي، قال الوزير الأول الاسكتلندي: "يجب على الناس في الولايات المتحدة التصويت لكامالا هاريس، ولم أتوصل إلى هذا الاستنتاج فقط لأن دونالد ترامب يعارض استقلال اسكتلندا". فيما وصف فريق ترامب هذا بأنه "إهانة للاستثمار الضخم الذي قامت به عائلة ترامب في اسكتلندا". وبعد النتيجة، غرّد سويني بتغريدة هنأ فيها ترامب وتعهد "بالوقوف بقوة لدعم قيمنا المتمثلة في العدالة والديمقراطية والمساواة - المثل العليا التي بُنيت عليها أميركا".
ومن اللافت للنظر تصريحات رئيسة لجنة الشؤون الخارجية المختارة إميلي ثورنبيري، في حديثها في عام 2019، عندما كانت وزيرة خارجية الظل، حيث زعمت عضو البرلمان عن حزب العمال بأن ترامب لم يكن ينبغي أن يُمنح زيارة دولة للمملكة المتحدة: "زيارة الدولة شرف، ولا نعتقد أن هذا الرئيس يستحق هذا التكريم"، وقالت "إنه مفترس جنسي، إنه عنصري، ومن الصواب أن نقول ذلك".
وعندما سألتها هيئة الإذاعة البريطانية، اليوم الأربعاء، عمّا إذا كانت لا تزال تعتقد أن ترامب "مفترس جنسي عنصري"، قالت ثورنبيري: "حسناً، إنه كذلك. لكنه رئيس الولايات المتحدة، ونحن بحاجة إلى العمل معه".
وقد يكون عمدة لندن، صادق خان، هو الناقد الأكثر صراحة لترامب بين كبار الساسة في المملكة المتحدة، بعد أن اشتبك مراراً وتكراراً مع الرئيس الأميركي. بدوره، هاجم ترامب خان، وهو ما ربطه العمدة بالارتفاع اللاحق في الانتهاكات العنصرية والتهديدات التي يواجهها.
في بيان بعد النتيجة، قال خان في منشور عبر موقع فيسبوك: "أعلم أن العديد من سكان لندن سيكونون قلقين بشأن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية. وسيشعر الكثيرون بالخوف بشأن ما قد تعنيه للديمقراطية وحقوق المرأة، أو كيف تؤثر النتيجة على الوضع في الشرق الأوسط أو مصير أوكرانيا". وأضاف: "لندن مكان حيث نفتخر فيه بتنوعنا، ومساهمة مجتمعاتنا وروح الوحدة. هذه بعض القيم التي سنستمر في بنائها في لندن".
أمّا النائب المستقل جيرمي كوربين، فاعتبر في منشور له على منصاته في مواقع التواصل اليوم أن انتخاب دونالد ترامب "يوم مظلم للرعاية الصحية الإنجابية وحقوق اللاجئين ومستقبل كوكبنا". وأشار إلى أنه في الوقت الذي نتحدث فيه "يُقتل البشر في غزّة ولبنان"، مؤكداً عدم تغيير مطالبه للحكومات بالتوقف عن "تمكين الإبادة الجماعية وإنهاء جميع مبيعات الأسلحة لإسرائيل". ودعا لمعارضة حازمة أكثر من أي وقت مضى للعنصرية والكراهية والتعصب، وعدم التخلي عن "الأمل في عالم أكثر مساواة واستدامة وسلاماً".
تحذير من انخفاض النمو الاقتصادي
وفي سياق متصل، حذّرت مؤسسة بحثية رائدة قبل أيام من أن نمو المملكة المتحدة سينخفض إلى النصف في حالة فوز دونالد ترامب في السباق الرئاسي الأميركي وفرض التعريفات الجمركية الجديدة التي هدد بها. وقال المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية إن التدابير الحمائية التي يُخطط لها ترامب للبيت الأبيض من شأنها أن تؤدي إلى ضعف النشاط وارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة من بنك إنكلترا.
وقال أحمد كايا، الخبير الاقتصادي في المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، إنه إذا مضى ترامب قدماً في فرض تعريفات جمركية بنسبة 60% على السلع الصينية وتعريفات جمركية بنسبة 10% على السلع من جميع البلدان الأخرى، فإن الحرب التجارية الناتجة عن ذلك من شأنها أن تخفض نمو المملكة المتحدة بنسبة 0.7 نقطة مئوية و 0.5 نقطة مئوية في العامين الأولين.
وقال كايا لصحيفة ذا غارديان: "المملكة المتحدة اقتصاد صغير مفتوح وستكون واحداً من أكثر البلدان تضرراً". وقدّر المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية أنه على مدار عامين سيكون معدل التضخم في المملكة المتحدة أعلى بنحو 3-4 نقاط، بينما ستكون أسعار الفائدة أعلى بنحو 2-3 نقاط.
وتواجه حكومة العمّال المنتخبة قبل أشهر تحدّيات كبيرة على مستوى تحقيق إنجازات اقتصادية ملموسة، وهي كانت أساس الوعود التي قدّمها الحزب للناخب البريطاني العائد للسلطة بعد أربعة عشر عاماً في صفوف المعارضة. ومن المرجح أن تواجه الحكومة ردود فعل حادّة إذا فشلت في الوفاء بالوعود التي قطعتها، في الوقت الذي بدأت فيه العديد من الأصوات تنتقد سياسات الضرائب التي شرعت الحكومة في فرضها على المواطنين.
كذلك أصبح القلق الآن واضحاً في المملكة المتحدة من أن يغذّي فوز دونالد ترامب التيارات العالمية التي تتحرّك نحو اليمين الشعبوي، خصوصاً بعد تحقيق حزب الإصلاح في المملكة المتحدة نتائج لافتة في انتخابات مجلس العموم الأخيرة وتمثّله بخمسة مقاعد، إضافة إلى فوز حركات أخرى في أوروبا.
وبدأت بعض وسائل الإعلام في بريطانيا دقّ ناقوس الخطر من فوز ترامب، إذ كتبت رئيسة تحرير صحيفة ذا غارديان كاثرين فينر مقالاً اليوم تحذّر فيه من تهديد ترامب لوسائل الإعلام و"التهديدات الاستبدادية" على الديمقراطية، داعية لمضاعفة الجهود لمحاسبة الرئيس المنتخب وأولئك المحيطين به.