استمع إلى الملخص
- مسؤولون ألمان، مثل وزير الصحة ونائب المستشار، انتقدوا تأثير ماسك على السياسة عبر منصته، محذرين من مخاطر الجمع بين الثروة والسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
- المستشار أولاف شولتز يؤكد على حرية التعبير للجميع، بما في ذلك المليارديرات، بشرط أن تكون مسؤولة، بينما تستعد المحكمة الإدارية لفحص قانونية ممارسات ماسك.
عاد مالك منصة إكس ومليارديرالتكنولوجيا الأميركي إيلون ماسك إلى إطلاق تصريحات مؤيدة للأحزاب اليمينية في ألمانيا، دعا فيها إلى دعم حزب البديل الشعبوي وانتقد الحكومة الألمانية الحالية، وشارك، أمس الخميس، في محادثة علنية مع الزعيمة المشاركة لحزب البديل من أجل ألمانيا أليس فايدل، على منصة إكس لمدة 75 دقيقة وتابعها أكثرمن 200 ألف شخص، وجدد فيها انتقاداته للمسؤولين الألمان وكال المديح لحزب البديل اليميني الشعبوي مع توصية للناخبين بالتصويت له في حال الانتخابات العامة المبكرة، المقررة نهاية فبراير 2025، في حال كانوا يريدون التغيير لأن الأخير فقط قادرعلى إنقاذ ألمانيا.
وكان ماسك، الذي يملك شركة تسلا المصنعة للسيارات الكهربائية ومقرها غرونهايده التابعة لولاية براندنبورغ قرب برلين، ويتحضر لتسلم مهامه في إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، قد هاجم في تصريحات سابقة المستشار أولاف شولتزعلى خلفية طرح الثقة بحكومته في البوندستاغ وبعد عملية الدهس داخل سوق ميلادي في ماغديبورغ، قبل أيام من نهاية العام 2024، ووصفه في تغريدات على منصته إكس بـ"الأحمق وغير الكفؤ" ودعاه إلى الاستقالة على الفور، ما اعتبر تدخلاً في السياسة الألمانية.
ماسك.. انتهازية التفوق والسيطرة
وشددت القراءات والردود المثارة على أن ماسك يتوهم أنه يمكن له شراء السلطة في ألمانيا باعتباره قام باستثمارات كبيرة فيها، ويعتقد أن من حقه أن يتحدث علناً عن توجهاته السياسية، ولا تغفل تلك الردود أن تدخلات ماسك ستكون لها تبعات وأضرارعلى الديمقراطية، لا سيما أنه يستعين بمنصة إكس للتأثير في سياسات الدول وتزكية اليمين الشعبوي حول العالم، سواء في ألمانيا أو بريطانيا أو الأرجنتين أو البرازيل وغيرها، ورأت في خطابه إعادة إحياء لخطابات الانتهازية والتفوق والسيطرة، وعليه، لا ينبغي لماسك التدخل في سياسة ألمانيا وأوروبا، واعتبرت الردود أن منصة ماسك (إكس) تستفيد من الكراهية والإثارة وتدفع الناس إلى التطرف.
وفي هذا الإطار، قال وزيرالصحة كارل لاوترباخ: "إنه أمرمقلق للغاية كيف تُستخدم منصة إكس"، ولفت في تصريحات لصحيفة بيلد الألمانية إلى أنه "يتعين النظر إلى ماسك بصفته مستشاراً لترامب وعضواً في الحكومة الأميركية المستقبلية، ولا ينبغي له التدخل في قضايا وشؤون الدول الأخرى". فيما وجه نائب المستشار وزير الاقتصاد الاتحادي روبرت هابيك مؤخراً تحذيراً لماسك طالبه فيه بالكف عن التدخل في السياسة الألمانية، ومشدداً على أن الجمع بين الثروة الهائلة والسيطرة على شبكات التواصل الاجتماعي يمثل تهدديداً للديمقراطية.
وبخصوص المقالات الإعلانية الانتخابية، يفيد مطلعون بأن هذا النوع من التدخلات شائع جداً في وسائل الإعلام الأميركية، لكن ثقافة توصيات التصويت هذه غير موجودة في ألمانيا، ولهذا السبب، يشعر الكثيرمن الناس بالامتعاض من هذه التدخلات. عدا ذلك، فإن ماسك منذ أن اشترى منصة تويتر (أصبح اسمها إكس)، عام 2022، بات مؤثراً في ثقافة النقاش ويشارك بشكل متزايد في السياسة، وهو الذي قام بدعم حملة ترامب بالكثير من المال وبضمان أقصى قدر من الاهتمام الإعلامي، وعمد إلى توزيع شيكات بأكثرمن مليون دولارعلى الناخبين في الولايات المتأرجحة وزرع الشكوك حول نتائج الانتخابات، وغالباً ما استخدم كلمات تتجاوز حدود الحشمة والأخلاق، وفي حين استثمر 200 مليون دولار في انتخاب ترامب، ربح بالمقابل 20 مليار دولار.
وكان ماسك قال، في مقال نُشر مؤخراً في صحيفة دي فيلت الألمانية، إن الحزب اليميني الشعبوي "البديل من أجل ألمانيا" هو آخر شرارة أمل لهذا البلد، وحان الوقت لإجراء تغييرات جريئة، واعتبر أن "البديل" سيجسد المواقف الصحيحة بشأن الانتعاش الاقتصادي وقضايا الهجرة والطاقة ويمثل الواقعية السياسية، ولن تبقى الابتكارات والتكنولوجيا مجرد أحلام كاذبة بل حقيقة واقعة. الأمر الذي اعتُبر دعوة صريحة منه للناخبين الألمان بالتصويت للحزب المصنف متطرفاً في عدد من الولايات.
وأثارت تدخلات ماسك غضب خبير السياسة الخارجية في الحزب المسيحي الديمقراطي إلمار بروك، الذي استنكر ذلك بالقول إن "حفنة من أغنى الناس في العالم يريدون إعادة هيكلة السياسة العالمية لصالحهم عبر التخلص من أي نوع من النظام"، وشدد على ضرورة وضع حد لذلك، لا سيما أن "أشخاص مثل ماسك، وعبر إكس، يساندون الحملة الانتخابية للبديل والأحزاب الشعبوية اليمينية في أوروبا". واعتبر زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي فريدرش ميرتس، الذي من المرجح أن يظفر بمنصب المستشار بعد الانتخابات العامة المبكرة نهاية فبراير/شباط 2025، أن "دعوات ماسك الانتخابية تعد عدوانية ومتغطرسة"، وقال في حديث سابق مع مجموعة فونكه الإعلامية إنه "لا يتذكر أنه في تاريخ الديمقراطيات الغربية كانت هناك حالة مماثلة من التدخل في الحملة الانتخابية لدولة صديقة".
بين حرية التعبير والتشهير
وفي رد على كلام وتدخلات ماسك، رأى شولتز أن حرية التعبير تنطبق أيضاً على أصحاب المليارات، لكن هذه الحرية تعني أيضاً أنه يمكنك قول أشياء غير صحيحة ولا تحتوي على نصيحة سياسية جيدة، وعاد وشدد في مقابلة مع مجلة شتيرن على أن الأمر الأكثر إثارة للقلق من تلك الإهانات هو حقيقة أن ماسك يدعم حزباً مثل البديل المصنف متطرفاً في بعض الولايات الألمانية، ويسعى إلى إضعاف العلاقات عبر الأطلسي.
وفي وقت تتحضر فيه المحكمة الإدارية في ألمانيا لفحص قانونية ممارسات ودعم وانحياز ماسك ونفوذه وتقديمه مساحة إعلانية مجانية للبديل وبخاصة في الحملة الانتخابية، أوضحت الخبيرة في قانون الأحزاب في جامعة دوسلدورف صوفي شونربرغر، مع القناة الثانية "زد دي إف"، أخيراً، أنه يحق لماسك، كما لغيره، التعبيرعن رأيه كأي شخص وفق القوانين، لكن من دون التشهير أو الشتم والتحريض الذي لا تحميه حرية التعبير. وهذا ما ينسجم مع آراء قانونيين آخرين في أنه لا يُسمح له باستخدام الخوارزمية الخاصة بمنصته لصالح رأيه الخاص ويمكن للمتضررين أن يتخذوا إجراءات قانونية، وبخاصة إذا ما قُمعت آراء الاخرين التي لا تحظى بشعبية، وهذا ما حصل إبان الحملة الانتخابية الأميركية حيث اتُهم ماسك بتفضيل حسابات مستخدمين من أصحاب الميول الجمهورية.
ختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن ألمانيا أرض خصبة لأجندة ماسك، وتعتبر المشاكل التي تعيشها البلاد بعد انهيار الائتلاف الحاكم والانكماش وضعف الاقتصاد وصعود البديل أدوات مربحة لرئيس شركة تسلا، وهو يلتقط اللحظة الملائمة لإحداث اضطراب جذري وإضعاف آليات السيطرة في أنظمة تُعتبر ديمقراطية ليبرالية، ولا يهم ما إذا كانت حجته صحيحة ما دامت الشكوك قائمة.