مالي... الحرب لا تصنع السلم

31 يوليو 2024
جندي مالي في منطقة كيدال، مايو 2006 (كمبو سيا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الطوارق في أزواد، مثل الأفغان في بنشير، لا يُهزمون في ديارهم، حيث وقعت معركة بين قواتهم وفاغنر والجيش المالي قرب الحدود الجزائرية.
- استئناف الحرب جاء نتيجة لقرار المجلس العسكري في باماكو بتجاهل اتفاق السلام الموقع في الجزائر عام 2015، مما أدى إلى تصاعد التوترات.
- الجزائر تعارض الخيار العسكري، معتبرةً إياه مغامرة غير محسوبة العواقب، وتدعو لتعزيز الثقة وتطوير اتفاق السلام لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

الطبيعة تقاتل مع أهلها، والطوارق في بلاد أزواد مثل الأفغان في جبال بنشير وكابول، لا يعلو عليهم كعب إذا اندلعت الحرب في ديارهم، فهم أهل الصحراء التي خبروا فيها الوديان والشعاب والرمال. في غضون الأيام الماضية وقعت مقتلة لقوات فاغنر والجيش المالي قرب تين زواتين، مباشرة على مقربة من الحدود الجزائرية، على يد قوات الطوارق المنضوية تحت تنظيم "الإطار الاستراتيجي للدفاع عن الشعب الأزوادي".

لم يكن استئناف الحرب، بين أزواد والجيش المالي في شمال البلاد، قريباً من الحدود الجزائرية، إلا نتيجة طبيعية لقرار المجلس العسكري، السلطة الانتقالية في باماكو، وضع اتفاق السلام الموقّع في الجزائر في مايو/ أيار 2015 جانباً، وهذا يعني تحييد حركات الأزواد ورفض الاعتراف بوجودها طرفاً قائماً في المعضلة المستمرة منذ عام 1963. بيد أن السلطة الجديدة في باماكو، المندفعة بالأنا العسكري، والمزهوة بدعم قوات فاغنر، والمنتشية ببعض المكاسب المتعلقة بمغادرة القوات الأجنبية للأراضي المالية، لم تقرأ بتروٍّ وبالعقلانية المطلوبة، التاريخ الطويل للصراع المسلح في هذا البلد، والآثار التي قد تترتب أكثر عن العودة إلى هذا الخيار.

بدلاً من خيار الحرب في منطقة الشمال المالي وبلداته، وهي المنكوبة من دون حرب وتفتقر إلى الكثير من المرافق الضرورية للحياة، الصحة والتعليم والخدمات عامة، كان يمكن العمل على تطوير اتفاق السلام وآلياته، وتعزيز الثقة بين السلطة الجديدة وحركات الأزواد، إذ لا يتصور أن أي طرف يسعى للسلم يمكن أن يرفض فكرة تطوير الاتفاق بما يخدم صالح كل الأطراف المالية ومصالح سكان الشمال، ويعزز مقومات السلم بالنسبة إلى دول الجوار، الجزائر بالأساس بوصفه بلداً معنياً بشمل مباشر جغرافياً بأي تطورات في شمال مالي، اذ يفصل وادٍ صغير لا يتجاوز عرضه المترين، بين تيمياوين المالية، وتيمياوين الجزائرية.

لم يكن الموقف الجزائري المتحفظ بشدة على إلغاء السلطة الانتقالية في مالي العمل بموجبات اتفاق 2015 ولجوئها إلى الخيار العسكري لحسم الموقف في الشمال ضد حركات الأزواد، منطلقاً من قراءة متسرعة ومتشنجة للمتغيرات التي تحكم المنطقة، ولكنه كان موقفاً مبنياً على تقدير سليم يعتبر الحل العسكري في مثل هذه الظروف، مغامرة غير محسوبة العواقب، ومخاطرة بكامل أمن المنطقة، وتوليداً لتوتر يفاقم هجرة آلاف النازحين، وتأكيد أن استجلاب الفاعل الأجنبي لم ولن يقود إلى حسم ولا إلى سلم، بقدر ما يعمّق فقدان الثقة ويهدم كل الأساسات -على علاتها- التي تمّ تركيزها من قبل الوساطة الدولية برئاسة الجزائر.

الحرب لا تصنع السلم، ورصاصة واحدة تكفي لتدمير هذا النوع من الجهود السلمية، بينما يتطلب بناء الثقة بين الأطراف سنوات من العمل والخطوات والتكاليف المادية التي تحمّلت الجزائر الجزء الأكبر منها في الحالة المالية. من المؤكد أن التطورات الأخيرة مناسِبة للسلطة الانتقالية في باماكو، لتعيد مراجعة خيارها العسكري والوعي بمخلفاته القاسية، والعودة إلى تنسيق الجهد مع الجزائر "المستعدة دائماً لمساعدة الماليين متى احتاجوا في كل الظروف"، كما قال الرئيس عبد المجيد تبون في مارس/ آذار الماضي.

دلالات