أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الأربعاء الماضي، إنشاء نقطتين عسكريتين لمراقبة وقف إطلاق النار في محافظة القنيطرة، بمحاذاة الحدود مع الجولان السوري المحتل، وذلك في ضوء تصاعد عمليات خرق وقف إطلاق النار في المنطقة بين مجموعات محلية، يعتقد أنها تعمل بتوجيه من إيران، وقوات الاحتلال الإسرائيلي، ارتباطاً بالعدوان على قطاع غزة.
ونقلت وكالة أنباء "تاس" الروسية عن نائب رئيس "المركز الروسي للمصالحة" في قاعدة حميميم الأميرال فاديم كوليت قوله إن إنشاء النقطتين جاء بسبب ما وصفه بـ"تزايد وتيرة الاستفزازات في المنطقة منزوعة السلاح".
رشيد حوراني: روسيا تقدم نفسها على أنها ضامن وضابط للتحركات الإيرانية في سورية
وأضاف كوليت أن "النقطتين الإضافيتين تتمركز فيهما الشرطة العسكرية الروسية على طول مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل لمراقبة وقف إطلاق النار"، فيما نشرت وسائل إعلام روسية صوراً تظهر نقاط مراقبة وتفتيش جديدة في الجنوب السوري قرب هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد ذكر، الأربعاء الماضي، أن القوات الروسية ثبتت 7 نقاط مراقبة قرب الحدود مع الجولان السوري المحتل، في قرى وبلدات القحطانية، وبئر عجم، وبريقة، وكودنا، والملعقة، والرفيد، وغدير البستان، بالريف الغربي لمحافظة القنيطرة.
وتشهد الحدود السورية قرب الجولان المحتل توترات متصاعدة، خاصة بعد مقتل الجنرال الإيراني رضي موسوي قبل أيام نتيجة قصف جوي إسرائيلي في منطقة السيدة زينب بمحيط العاصمة دمشق، حيث تعهدت طهران، على لسان كبار مسؤوليها، بالانتقام لمقتله.
وعقب هذه الحادثة، جرت عدة حوادث إطلاق نار عبر الحدود، حيث قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل متكرر مواقع جنوبي سورية رداً على ما قال إنها هجمات صاروخية باتجاه الجولان، وكذلك إطلاق مسيرة من الأراضي السورية. وتصاعدت عمليات إطلاق النار على جانبي الحدود بعد اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
لجم روسيا التحركات الإيرانية في سورية
وفي تقييمه للخطوة الروسية وعما إذا كان هدفها دعائي لاكتساب دور في تطورات المنطقة، أم أنه سيكون للنقاط الروسية دور فعلي على الأرض، رأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات النقيب رشيد حوراني أن نشر نقاط المراقبة العسكرية الروسية في جنوب سورية يحمل عدة دلالات، منها أنه وجه من أوجه الخلاف الروسي الإيراني في سورية.
وأضاف حوراني، لـ"العربي الجديد"، أن إيران حاولت بعد انطلاق العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة إشغال عدة جبهات انطلاقاً من مبدأ محورها "توحيد الساحات"، وكانت هناك عدة زيارات لمسؤولين عسكريين إيرانيين إلى سورية بهدف تفعيل الجبهة، إلا أن ذلك لم يرتق إلى المستوى المطلوب بسبب الموقف الروسي الرافض، وميله إلى استخدام ما يمكن تسميته الورقة الإيرانية وضبط سلوك طهران في سورية.
واعتبر حوراني أن روسيا تستطيع بالفعل لجم إيران في الجنوب السوري "كونها تتحكم بالقرار العسكري بشكل مطلق في مناطق النظام، إضافة إلى أنها طرف رئيسي في التفاهمات المتعلقة بأمن إسرائيل المهدد انطلاقاً من سورية، كاتفاقية التسوية مع فصائل المعارضة السورية منتصف العام 2018، والاجتماع الأمني الإسرائيلي الأميركي الروسي الذي جرى منتصف العام 2019".
ورأى أن روسيا "تقدم نفسها على أنها ضامن وضابط للتحركات الإيرانية في سورية، وتدل على ذلك قلة عدد الضربات التي تستهدف إسرائيل من الجبهة السورية إذا قورنت بعمليات حزب الله على الجبهة اللبنانية، بغض النظر عن تلك الضربات الدعائية كونها لا تؤدي إلى خسائر مادية وبشرية مؤثرة".
أيمن أبو محمود: الحضور الروسي في جنوب سورية تراجع منذ الحرب في أوكرانيا
وأضاف أن روسيا رغم وجودها الرمزي الحالي (نقطتي مراقبة) فهي ترغب في "بناء ثقة مع الأطراف العربية، وخاصة دول الخليج، بأنها قادرة على التعامل مع مخاوفهم من النفوذ الإيراني، خاصة أن التقارب العربي مع النظام كان أحد بنوده ضرورة تقليص نفوذ إيران في سورية".
اتفاقية فك الاشتباك بين إسرائيل وسورية
وتعتبر الحدود بين سورية والأراضي المحتلة هادئة نسبياً منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهادئة بالمطلق تقريباً، منذ توقيع اتفاق فك الاشتباك بين الجانبين السوري والإسرائيلي عام 1974 عقب حرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973 على الجبهتين السورية والمصرية.
وبموجب تلك الاتفاقية، وافقت إسرائيل على التخلي عن الشريط الذي احتلته في حرب أكتوبر، وكذلك عن شريط ضيق من الأرض حول مدينة القنيطرة.
كما اتفق الجانبان على تحديد قواتهما على عمق 20 كيلومتراً من الخطوط الأمامية، وعدم نصب صواريخ مضادة للطائرات من الجانب السوري ضمن منطقة عمقها 25 كيلومتراً.
وتشرف قوات فك الاشتباك التابعة للأمم المتحدة "أندوف" على المنطقة منزوعة السلاح بين الجانبين بعرض يصل إلى 7 كيلومترات في أوسع المناطق و200 متر في أضيقها، وتبلغ مساحتها 250 كيلومتراً مربعاً، مقسمة إلى 3 مناطق. وتسيّر قوات "أندوف"، إلى الشرق والشمال الشرقي من بحيرة طبريا، دوريات لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، إضافة إلى الإشراف على "مناطق الفصل" أي المناطق العازلة منزوعة السلاح، ومناطق "الحدّ"، أي تلك التي يتم فيها تقييد عديد القوات والمعدات في مرتفعات الجولان، بحيث لا تشمل أسلحة ثقيلة.
لكن في وقت لاحق، أقامت إسرائيل جداراً إلكترونياً على طول "الشريط الحدودي"، مزوداً بوسائل مراقبة إلكترونية متطورة. وفي 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مدد مجلس الأمن الدولي تفويضه لقوة "أندوف" بين سورية وإسرائيل لمدة ستة أشهر أخرى.
الحضور الروسي في جنوب سورية
وكان الجيش الروسي أعاد تسيير دورياته العسكرية في الجنوب السوري مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وذلك مع زيادة التوتر في المنطقة. وكانت الدوريات الروسية غابت عن المنطقة منذ أكثر من عام، إثر إخلاء الروس نقطة "التلول الحمر" العسكرية شمالي محافظة درعا منتصف 2021.
وأعاد النظام السوري في العام 2018 السيطرة على الجنوب السوري من قوات المعارضة بدعم روسي، ليعيد نشر قواته في مواقع قرب الحدود مع الجولان المحتل، بينما نشرت روسيا نقاطاً عسكرية في محافظتي القنيطرة ودرعا، ثم انسحبت منها مع بداية حربها في أوكرانيا.
تراجع الحضور الروسي في جنوب سورية
وقال المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران" أيمن أبو محمود، لـ"العربي الجديد"، إن الحضور الروسي في محافظة درعا، والجنوب السوري عموماً، تراجع منذ الحرب في أوكرانيا، وتركت الساحة للمليشيات الموالية لإيران، حتى إن روسيا تخلت عن "اللواء" الثامن الذي كانت يعتبر ذراعها الرئيسية في المنطقة الجنوبية.
وأضاف أن المليشيات الموالية لإيران حاولت خلال هذه الفترة إحكام قبضتها على الجنوب السوري، سواء بهدف مناوشة إسرائيل عبر الحدود، أم لتسهيل عبور المخدرات باتجاه الأردن ودول الخليج.
ولفت إلى أن إسرائيل تقوم في المقابل بعدة أنشطة داخل الأراضي السورية، مثل عمليات التوغل والتجريف على طول الحدود، إضافة إلى استهداف مزارعين، ومن تقول إنهم مسلحون ينشطون في المنطقة، ويعملون على تأسيس خلايا لشن هجمات على إسرائيل برعاية من "حزب الله" اللبناني.