في أواخر شهر سبتمبر/ أيلول 2015 أعلنت كلٌّ من موسكو وبغداد وطهران، إلى جانب نظام بشار الأسد، عن تحالف رباعي تحت عنوان مواجهة تنظيم "داعش"، الذي كان يسيطر آنذاك على مساحات واسعة من العراق وسورية، في خطوة اعتُبرت أنها تحمل أبعاداً سياسية أيضاً وموجّهة ضد التحالف الدولي الذي شكّلته الولايات المتحدة لمواجهة التنظيم في كل من سورية والعراق في سبتمبر 2014.
ففي 30 سبتمبر 2015، أعلنت الدول الثلاث العراق وإيران وروسيا إلى جانب نظام الأسد، تشكيل تحالف رباعي لـ"التنسيق الأمني لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، وانبثق عن هذا التحالف مركز للتعاون الأمني في بغداد للتنسيق بين أطراف التحالف الأربعة، واختير معسكر مطار المثنى وسط بغداد مقرّاً له، قبل أن يُنقل إلى مديرية الاستخبارات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع العراقية.
تشكيل التحالف الرباعي
التحالف الذي جرى اختيار بغداد مقرّاً دائماً له، عبر ما عُرف لاحقاً بـ"الغرفة المشتركة"، التي تتولّى رئاستها كل ثلاثة أشهر أطراف التحالف الأربعة، من خلال ممثلين عسكريين، يتركّز حسب المعلن على تبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية، وتنفيذ وتنسيق الهجمات على معاقل التنظيم في العراق وسورية، وملف الحدود الدولية بين العراق وسورية البالغة أكثر من 600 كيلومتر، وانتداب مستشارين من روسيا وإيران إلى العراق وسورية، ومنحهم صفة رسمية بعنوان مستشار عسكري.
ومع اقتراب مرور ثماني سنوات على تأسيس هذا التحالف الرباعي، أكّد مسؤول رفيع في وزارة الدفاع العراقية أنّ نطاق تأثيره داخل سورية أكبر بكثير من العراق، وأن العراق كان طرفاً يُستفاد منه في الخريطة السورية لا أكثر.
وأضاف المسؤول العسكري العراقي في حديث لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، أنّ روسيا وإيران استخدمتا التحالف المعلن لتوفير غطاء لاستعمال الأجواء العراقية كجسر دعم جوي عسكري إلى سورية بين عامي 2015 و2017 تحديداً، حين كانت العلاقة الروسية ـ التركية مرتبكة كثيراً وغير مستقرة ولا يوجد غير الأجواء العراقية بديلاً عنها.
أحمد عبد الستار العبيدي: التحالف الرباعي كان أكثر تماساً مع الحشد الشعبي
وأكد المسؤول أن "موسكو رفعت الحرج عن حكومة حيدر العبادي التي كانت تتعرض لضغوط أميركية بشأن استعمال الأجواء العراقية من قبل طهران وموسكو لدعم نظام الأسد، عبر هذا التحالف".
ولفت إلى أن "إعادة فتح معبر القائم الحدودي بين العراق وسورية في عام 2018 كان إحدى توصيات هذا التحالف ولغايات عسكرية، بعد انتشار الجيش الأميركي في صحراء التنف السورية القريبة منه، وسعي إيران وحلفائها إلى استباق الخطوة بالسيطرة على الجزء الحدودي السوري العراقي عبر محور البوكمال ـ القائم".
وأشار المسؤول إلى أن التحالف في العراق "بقي ضعيفاً أمام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في المعارك داخل العراق تحديداً"، مضيفاً أنه "منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية يمكن اعتباره في تحالف شكلي أو مجاملة سياسية، خصوصاً أن العراق حالياً مستغنٍ عن أي دعم عسكري خارجي مباشر بعد إتمام السيطرة على جميع مدن البلاد".
في المقابل، قال المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة اللواء تحسين الخفاجي إن "التحالف الرباعي يعمل في العراق، تحديداً من مقرّه في وزارة الدفاع، وفق الأسس التي تشكل لأجلها، ومواجهة التحديات الأمنية والإرهابية التي لا تزال تمثل خطراً على العراق وسورية".
وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنّ "التحديات الأمنية حتى وإن قلّت أو تراجعت، إلا أن ملفات مهمة ما تزال حاضرة، من بينها مخابئ ما تبقّى من عناصر داعش، إضافة إلى تأمين الحدود العراقية السورية، وملفات أمنية استراتيجية تخص البلدان الأربعة، لا سيما أن التنظيم الإرهابي هو خطر إقليمي وعالمي".
وأضاف الخفاجي أن "التنسيق والتعاون كبيران بين الدول الأربع المشتركة في التحالف، ونجد أن وجوده ما يزال مهماً، لضرب ما تبقّى من عناصر تنظيم داعش، وتقديم الاستشارات والمعلومات لتنفيذ المهام الأمنية الدقيقة، لا سيما أن بعض العمليات تحتاج إلى جهود مكثفة".
وافتقرت أغلب بيانات التحالف الرباعي إلى الدقة، إلى جانب التهويل وتضخيم حجم دوره الفعلي على الأراضي العراقية تحديداً، إذ أعلنت في مناسبات عديدة قتل قيادات في تنظيم "داعش" أو استهداف مواقع له، تبيّن عدم دقتها من ناحية هوية القتلى وكذلك عددهم المبالغ به، إضافة إلى تبني عمليات نفذتها القوات الجوية العراقية ووحدات برية تحت مظلة أميركية على أنها من ضمن جهود هذا التحالف.
عُقد آخر اجتماع للتحالف الرباعي في بغداد في 24 فبراير/شباط 2022
وأعلنت غرفة التحالف في عام 2018 أنها قتلت خلال 4 سنوات 23 ألف إرهابي من "داعش"، من بينهم 430 قيادياً، في سورية والعراق، وهو ما لاقى ردود فعل مشككة وأخرى انتقدت المزايدة التي دأب عليها التحالف الرباعي والتي اعتبرت موجهة بالدرجة الأولى للتحالف الدولي بقيادة واشنطن.
استرداد العراق أراضي من "داعش"
في ديسمبر/ كانون الأول 2017 أعلنت بغداد عن استعادة جميع الأراضي العراقية التي سيطر عليها تنظيم "داعش" في يونيو/ حزيران 2014 والتي كانت تقدّر بثلث مساحة البلاد إثر حملات عسكرية متواصلة استمرت ثلاث سنوات بدعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والتي شاركت إلى جانبها بالجهد القتالي المباشر كل من بريطانيا وفرنسا ودول غربية أخرى.
لكن "داعش" يحتفظ حتى الآن بجيوب وخلايا صغيرة متفرّقة في مناطق صحراء الأنبار، والمناطق الجغرافية الوعرة شمالي العراقي، مثل جبال حمرين ومخمور وقره جوخ ضمن كركوك ونينوى وأجزاء من صلاح الدين.
العقيد المتقاعد أحمد عبد الستار العبيدي الذي سُرّح من الخدمة في عام 2018 جراء إصابات تعرض لها بانفجار غربي نينوى، قال لـ"العربي الجديد" إنّ قواته لم تتلقَ دعماً من خارج التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، مؤكداً أن التحالف الرباعي "كان أكثر تماساً مع الشرطة الاتحادية والفصائل المسلحة في الحشد الشعبي على اعتبار الاثنين في تقاطع مع القوات الغربية".
ولفت إلى أنّ "وحدات الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب التي تحملت الجهد الأكبر من دفع داعش على الأرض لم تكن على علاقة بهذا التحالف، وتواصلها مع غرفة التنسيق المشترك ببغداد بقيادة الولايات المتحدة".
وكان آخر اجتماع معلن للتحالف الرباعي، والذي لم يستمر أكثر من ساعتين في بغداد، في 24 فبراير/شباط 2022، التقى خلاله مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي بسفراء روسيا وإيران وسفير النظام السوري، في "المركز الرباعي لتبادل المعلومات في بغداد".
ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع" خبراً مقتضباً أكدت فيه أن اللقاء "استعرض واقع البيئة السورية على الحدود العراقية السورية، وآخر المستجدات الأمنية في المنطقة". وأضافت الوكالة أن "المركز الرباعي لتبادل المعلومات له دور في تقديم المعلومة وحسم الكثير من القضايا، وأن تشكيله يعدّ نقطة إيجابية".
ولفتت إلى أن "العراق يتعامل مع دول وحكومات شرعية ذات سيادة، وهذا هو ديدن الدول التي تحترم سيادتها وسيادة الآخرين"، في إشارة فُهم منها الاتصالات العراقية مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والتنسيق معها بواسطة واشنطن في أعقاب أحداث سجن الحسكة وسيطرة مسلحي "داعش" على أجزاء منه.
الباحث في الشأن السياسي العراقي إياد الدليمي اعتبر أن التحالف فشل في تحقيق الكثير مما كان يطمح إليه. وقال في حديث مع "العربي الجديد" إنّ "قطب التحالف الأهم وهو روسيا، لم يعد مهتماً به منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وانشغال موسكو بقضية أهم وأكبر وأكثر خطورة على أمنها القومي".
إياد الدليمي: روسيا لم تعد مهتمة بالتحالف منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا
وأضاف الدليمي: "بحسب الكثير من المعلومات المتداولة فإن هذا التحالف تحوّل بمرور الوقت إلى صورة جامدة غير فاعلة، لعل السبب الآخر فضلاً عن انشغال روسيا بحربها، هو أن أسس تشكيل التحالف كانت غير واضحة ومبهمة وبدرجة أخرى كان كرد فعل روسي لمضايقة الوجود الأميركي في العراق".
وختم بالقول إن "الحكومة العراقية الحالية تُعرف بأنها حكومة الإطار التنسيقي الحليف لإيران، بالمقابل هناك علاقات روسية إيرانية متنامية، بالتالي ربما لم تعد روسيا بحاجة كبيرة لوجود فعلي في العراق عبر هذا التحالف، في ظل وجود ونفوذ حليفها الوثيق إيران".
تقارير وأحداثيات
وفي وقتٍ سابق، ذكر رئيس مركز "تبادل المعلومات"، المنبثق عن التحالف الرباعي، مدير الاستخبارات العسكرية العراقية الفريق الركن سعد مزهر العلاق، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، إنّ "مركز تبادل المعلومات الرباعي زوّد العراق وسورية بأكثر من 8315 إحداثية عن أماكن مجموعات داعش وتجهيزاتها ومعداتها".
وأشار إلى أن "المركز زوّد الجانبين أيضاً بأكثر من 4471 تقريراً استخبارياً عن تحركات عصابات داعش الإرهابية في العراق وسورية". لكن وفقاً لمراقبين، فإنّ هذه الأرقام تبقى ضمن سياق التضخيم السياسي لأهمية ودور التحالف الرباعي.
بدوره، رأى الخبير في الشؤون الأمنية العراقية سرمد البياتي أنّ "الحكومة العراقية ما تزال تجد أن هناك حاجة فعلية لجهود التحالف الدولي بما يتعلق بتوفير المعلومات الأمنية والاستخباراتية، إضافة إلى التحالف الرباعي، وأنها لا تريد التخلي عن هذه الجهود التي تخدم العراق، والحدود مع الجانب السوري".
وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "التحالفات الأمنية عادة ما تتعاون في مجال الأمن، إضافة إلى تصفية الجماعات الإرهابية، وإنهاء المخاطر التي تحيط بالأهالي في المدن المحررة، ويمكن للعراق أن يستثمر الإمكانات العسكرية والأمنية والمعلومات".
شارك بالتقرير من بغداد: زيد سالم