يبدو أن الوثيقة الدستورية التي أعلن رئيسا مجلسي النواب عقيلة صالح والدولة خالد المشري، الاتفاق حولها، في القاهرة الخميس الماضي، ستذهب بليبيا في اتجاهين، إما إنتاج مرحلة سياسية جديدة، حتى وإن كانت انتقالية أخرى، أو تعزيز حالة الصراع وتكريسها كواقع ربما يمهد لمرحلة أكثر سوءاً.
وعلى الرغم من عدم إعلان بنود الوثيقة الدستورية للانتخابات، إلا أن ما تسرب منها يبدو كافياً لفهم ما ستُقبل عليه البلاد. فمما تسرب أن صالح والمشري اتفقا على تضمين شرط ضرورة استقالة شاغلي المناصب العليا من مناصبهم قبل الترشح، باعتبار رؤساء الهيئات العسكرية من شاغلي المناصب العليا، والإبقاء على بند منع مزدوجي الجنسية من الترشح.
ورغم أن الإبقاء على بند منع مزدوجي الجنسية من الترشح قد يكون لإلهاء الرأي العام، إلا أن الوثيقة لا يمكن أن تخفي ما تضمنته من محاولات لرسم ملامح المرحلة المقبلة وفقاً لمصالح أطراف معينة. وأبرز ما يظهر فيها من جديد أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر قرر أخيراً، ربما بإقناع من أطراف إقليمية ودولية، التقهقر وعدم الترشح، مقابل ضمان ترشح أحد المقربين منه، ربما يكون أحد أولاده للحفاظ على موقعه ونفوذه في رقعة السلطة المقبلة.
دون شك أن قبول صالح بشرط استقالة العسكريين قبل ترشحهم لن يكون دون موافقة حفتر، كما أنه شرط يخدم مصالح حفتر من جهة أخرى، إذ يعرقل رغبة أي عسكري لا يقع في دائرة ولاء حفتر من الترشح.
وبهذا المعنى لن يشكل شرط عدم ترشح مزدوجي الجنسية أي مشكلة بالنسبة لترشح أحد أولاد حفتر، لكنه شرط يخدم مصالح أغلب الأطراف التي تحمل خصومة متزايدة ضد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي يحمل جنسية دولة أوروبية. والأخير لا يزال يمتلك من أوراق القوة، ومنها النفوذ العسكري في طرابلس والاعتراف الدولي، ما يُمكنه من عرقلة انتخابات تقصيه. وبالتالي ستكرس الوثيقة استمرار حالة الصراع، وهو الاتجاه الثاني.
قد تكون مثل هذه القراءة لا تتضمن إلا احتمالات، لكن المؤكد أن التقاء مصالح صالح والمشري بشكل مفاجئ لم يكن صدفة، تغيرت فيها رغبتهما في الاستمرار في البقاء في المشهد، بعد سنوات من الصراع وعرقلة الانتخابات. ولم يكن صدفة أيضاً قبول صالح بشرط استقالة العسكريين الراغبين في الترشح دون موافقة حفتر.
وفي الخضم لا يمكن فصل ظروف إنتاج الوثيقة السياسية بمعزل عن حالة الصراع الإقليمي في الملف الليبي. فالاتفاق على الوثيقة تم في القاهرة، التي لا يمكن أن تفرط في حفتر كطرف هام في معادلة التوازن في البلاد، التي يشكلها الدبيبة، وقوى عسكرية أخرى، كطرف آخر يتلقى دعماً كبيراً من جانب أنقرة.