بوادر انفراجة في الأزمة اليمنية بدت ملامحها مع إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمس السبت، التوصل إلى مجموعة من التدابير التي من شأنها إنهاء الحرب المندلعة من ما يقرب من تسعة أعوام، لكن تعليقات عدة كشفت عن قلق بشأن جدية الخطوات المقترحة، مع اعتبار أن الأميركيين يسعون لفرض ضغوطات بدلاً من دعم الشعب اليمني.
وأكد غروندبرغ، في بيانه أمس، توصل الأطراف للالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة، وذلك تتويجاً لجهود أممية وبوساطة سعودية وعُمانية. كما قال إنه سيعمل مع الأطراف في المرحلة الراهنة لوضع خريطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها.
وأكد البيان أن خريطة الطريق التي سترعاها الأمم المتحدة ستشمل، من بين عناصر أخرى، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة.
وأشار البيان إلى أن خريطة الطريق ستنشئ أيضًا آليات للتنفيذ، وستعد لعملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة.
الحكومة الشرعية ترحب
وفي أول رد فعل، أعربت وزارة الخارجية في الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً عن ترحيبها بالبيان الذي أصدره المبعوث الأممي. وأكدت الوزارة، في بيان نُشِرَ عبر وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"، التزامها الإيجابي تجاه جميع المبادرات السلمية التي تهدف إلى حل الأزمة في اليمن، وفقاً للمرجعيات الثلاث: المبادرة الخليجية، وآليات تنفيذها، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بالإضافة إلى قرار مجلس الأمن 2216. كما أكدت الوزارة على ضرورة تحقيق تطلعات وآمال الشعب اليمني.
من ناحية أخرى، استمر "العربي الجديد" في التواصل مع عدة مسؤولين في الحكومة للحصول على تعليقات حول بيان المبعوث الأممي، إلا أنهم اعتذروا عن الرد. ولم يصدر أي تعليق أيضاً من المتحدث باسم جماعة الحوثيين وكبير مفاوضيهم محمد عبد السلام.
تشكيك بفعالية البيان
على الجانب الآخر، عبر عضو المكتب السياسي للحوثيين، عبدالله النعمي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن شكوكه تجاه فعالية البيان الذي أصدره المبعوث الأممي لليمن. وأوضح أنه "شخصياً لا يعول على هذا البيان كثيرا"، مشيراً إلى أن "وقت صدوره لا يعكس جدية الموقف".
وأشار النعمي إلى "فشل المبعوث الأممي في إصدار بيان مماثل أو القيام بتحرك ملموس خلال الهدنة التي استمرت لنحو سنتين، ما يثير تساؤلات حول قدرته على اتخاذ إجراءات فعّالة". وأكد أن "البيان يفتقر إلى توقيت واضح ولا يحتوي على خطوات محددة أو آلية تنفيذية، كما أنه هزيل عام وعائم، فضلاً عن أن الناطق باسم جماعة أنصار الله، محمد عبدالسلام، الذي أشار البيان إلى اجتماعه معه، لم يصدر أي تصريح أو بيان حتى الآن بشأن الموضوع، مما يجعله يشك في فعالية البيان".
وبرأي عضو المكتب السياسي للحوثيين، فإن "الولايات المتحدة ليس لها نوايا جادة لإنهاء ملف الحرب في اليمن، ولو كان لها نوايا جادة لكانت بدأت مع مرحلة تخفيض التصعيد"، مشيراً إلى أن "أميركا الآن تحاول أن تمارس ضغوطاً على الشعب اليمني، وليس إعطاءه مرتبات، فحالياً، ومن خلال التصعيد في البحر الأحمر، تريد الولايات المتحدة الأميركية أن تلوي ذراع اليمنيين، حتى يخضعوا لإرادتها ويتخلوا عن فلسطين".
الخارجية السعودية ترحب
من جهتها، رحبت وزارة الخارجية السعودية بالبيان الذي أصدره المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن بشأن التوصل إلى خريطة طريق لدعم مسار السلام.
#بيان | تُعرب وزارة الخارجية عن ترحيب المملكة العربية السعودية بالبيان الذي أصدره المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن بشأن التوصل إلى خارطة طريق لدعم مسار السلام. pic.twitter.com/pye7nSM4VS
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) December 24, 2023
المحلل السياسي نبيل البكيري أشار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى عدم وجود أي تطور جوهري في بيان المبعوث الأممي. وعبّر عن استغرابه من التكرار الذي يتضمنه البيان، مُظهراً أن ما تناوله البيان يتعلق بعواقب الأزمة دون التطرق إلى جذورها أو أسباب الحرب.
ولفت البكيري إلى أن خريطة الطريق التي تحدث عنها المبعوث الأممي هي "مسودة عمل لم تحضرها الشرعية اليمنية صاحبة المصلحة، وإنما مسودة أعدها السعوديون والحوثيون بوساطة عمانية". وبرأيه، فإن "إعلان "الشرعية الترحيب بتصريح المبعوث الأممي يضعها مع مستقبلها على المحك، وهو إما أنها موافقة على كل ما جاء فيها وفقا لإسهامها في وضع تلك المسودة، وهذا غير دقيق، أو أنها لم تعد تملك من أمرها شيئا، وأصبحت تنفذ كل ما يٌطلب منها سعودياً".
ولفت إلى أن "المسودة لن يكتب لها النجاح لأنها تتحدث عن إجراءات شكلية لا علاقة لها بجذور الأزمة والحرب والحلول المقترحة والمطلوبة، وإنما مسودة لإجراءات شكلية تتعلق بتمكين الحوثي من نصيب كبير من الثروة، والاعتراف به كسلطة أمر واقع دون أن يقدم أي تنازل، وكل ما يجري من خلال هذه الإجراءات هو تسليم الحوثي كل ما يريد، وإطلاق يديه لتحقيق بقية أهدافه من خلال هذا الاتفاق".