- واجهت وزارة الخارجية السودانية تحديات في تحقيق اختراقات دبلوماسية وفك العزلة عن السودان، مع فشل في إدارة العلاقات مع دول مثل الإمارات وتشاد، وعدم قدرتها على استقطاب مواقف دولية داعمة.
- على الرغم من الجهود الدبلوماسية للصادق في دعم السودان دوليًا وإقليميًا، والدفاع عن سيادته، فإن إقالته تعكس أساسًا خلافات سياسية ودبلوماسية عميقة أكثر من كونها مرتبطة بالأداء الفردي.
أصدر رئيس الوزراء السوداني، حسين عثمان، أمس الأربعاء، قراراً بإقالة وزير الخارجية علي الصادق من منصبه، وتكليف حسين عوض خلفاً له، غير أنّ أوساطاً سياسية سودانية كشفت أنّ الإقالة جاءت نتيجة خلافات وانتقادات طاولت أداء الوزير منذ وقت طويل، بالإضافة لموقف وزارته من مؤتمر باريس الأخير.
وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، قد عيّن الصادق وكيلاً لوزارة الخارجية بعد 3 أيام فقط من انقلابه العسكري في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 ضمن حملة إحلال وإبدال لكبار الموظفين ووكلاء الوزارات أعقبت الانقلاب. وقام عبد الله حمدوك بعد عودته لرئاسة الوزراء، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بإقالة الصادق وتعيين دبلوماسي آخر بدلاً عنه، ولكن حمدوك لم يستمر طويلاً واستقال من منصبه مطلع يناير/ كانون الثاني 2022، ليقرر البرهان إعادة الصادق في الشهر نفسه، لكن هذه المرة وزيراً مكلّفاً للخارجية.
ويرى البعض أنّ وزارة الخارجية السودانية فشلت في تحقيق اختراقات دبلوماسية حقيقية، ولم تفلح في فك عزلة السودان الخارجية بعد انقلاب البرهان العسكري، أو عقب حرب 15 إبريل/ نيسان. كما واجهت الوزارة هجوماً عطفاً على التحركات الدبلوماسية لقادة ومستشاري قوات الدعم السريع، بمن فيهم قائدها الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في عدد من العواصم الأفريقية، وتواصله مع المجتمع الدولي، بالإضافة لما يرونه فشلاً للوزارة في إدارة ملف العلاقة مع الإمارات وتشاد المتهمتين بتقديم دعم واسع لقوات الدعم السريع.
وطاولت الصادق انتقادات أخرى بسبب ما يراه البعض إخفاقه في استقطاب مواقف الدول المكونة للهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد" بعدما دخلت وسيطة في الأزمة السودانية، حتى وصلت العلاقة بين الخرطوم و"إيغاد" إلى مرحلة القطيعة، وكذلك الإخفاق في إقناع الاتحاد الأفريقي بفك قرار تجميد عضوية السودان.
وبحسب مصادر "العربي الجديد" لم تكن تلك الانتقادات الدافع الوحيد وراء إقالة الصادق، إذ إن هناك على ما يبدو معطيات أكثر أهمية، منها خلافات تعمقت بين الوزير وشخصيات نافذة في مجلس السيادة الانتقالي حول إدارة العمل الدبلوماسي على العموم، وتعيين سفراء ومندوبي السودان في الدول والمنظمات على وجه الخصوص، حيث يرى علي الصادق أن تعيين السفراء يجب أن يكون بتوصية من الوزارة لمجلس السيادة، دون تدخل من أي جهة، بما يضمن جملة من المعايير المطلوبة في المرشحين، وهذا لم يرض الجهات السياسية التي ترشح سفراء ومندوبين على أسس سياسية أو دوافع أخرى دون تطبيق لأي معايير، وهذا ما عقد العلاقة بين الطرفين وعجل بإقالة الوزير، كما تقول المصادر.
أما المعطى الثاني بنظر آخرين، فهو الموقف الضدي والمتعجل لوزارة الخارجية تجاه مؤتمر للقضايا الإنسانية في السودان نظمته الحكومة الفرنسية في 15 إبريل/ نيسان الجاري، وأعلن المشاركون عن تبرعهم مجتمعين بنحو ملياري دولار لصالح المساعدات الإنسانية، لكن الوزارة استبقت انعقاد المؤتمر ببيان شديد اللهجة، واستنكرت تنظيم المؤتمر دون تشاور أو تنسيق مع الحكومة السودانية، وعدت استضافة فرنسا المؤتمر استخفافاً بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومبدأ سيادة الدول.
وكان الوزير المقال، قد كتب، يوم السبت الماضي، مقالاً باللغة الإنكليزية، وزعته وزارة الخارجية على مندوبي وسائل الإعلام، ونشرته مواقع إخبارية مترجماً، وجاء تحت عنوان "الاتحاد الأوروبي والحرب في السودان.. تبني السرديات البديلة تشجيع للإرهاب والفوضى"، انتقد فيه مقالاً مشتركاً لمسؤول الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل، والمفوض الأوروبي للأزمات يانيز لينارسيتش، نشراه في الثامن من الشهر الجاري حول الأزمة السودانية.
وقال الصادق في مقاله إنّ الاتحاد الأوروبي "ينطلق من فهم خاطئ للأزمة وافتراضات تجانب الموضوعية والإنصاف"، مضيفاً أنّ كاتبي المقال أرجعا اندلاع الحرب قبل عام من الآن إلى ما أسمياه الانقلاب العسكري المشترك في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهو ما حاول الوزير نفيه، مبيّناً أنّ الأسباب الحقيقية للحرب تعود لإصرار أطراف خارجية وداخلية على الإبقاء على قوات الدعم السريع المتمردة والمحلولة وتقويتها لتكون جيشاً موازياً للقوات المسلحة- الجيش الوطني المهني.
وكرر الصادق اتهام الإمارات بـ"دعم مليشيا الدعم السريع الإرهابية، والذي يشمل كل أنواع الأسلحة وجلب المرتزقة والتمويل والإسناد السياسي والدعائي، وهو العامل الأساسي لاستمرار الحرب كل هذه الفترة"، وفق قوله، مفنّداً وجود تعاون عسكري سوداني إيراني، مع احتفاظه بحق السودان في الحصول على الأسلحة من أي مكان، ومنتقداً صمت الاتحاد الأوروبي، بحجة الحياد، عن انتهاكات قوات الدعم السريع "التي هي أسوأ، من جرائم بوكو حرام وجيش الرب الأوغندي، وتماثل ما قامت به داعش"، بحسب وصفه.
وكانت الخارجية السودانية قد نشطت في جهود دبلوماسية حثيثة للحصول على الدعم الدولي والإقليمي للبرهان بعد اندلاع الحرب، كما سعت الوزارة لانتزاع أوسع قدر من الإدانات ضد انتهاكات قوات الدعم السريع، وألحت على الدول والمنظمات تصنيفها منظمة إرهابية.
كما قادت الوزارة جهوداً من أجل إعادة العلاقة مع إيران، التي قُطعت في عام 2016 بعهد الرئيس المعزول عمر البشير، بحجة التدخل الإيراني في المنطقة، والاعتداء على السفارة والقنصلية السعودية في طهران، وتمكّنت الوزارة من الاتفاق مع إيران في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على عودة العلاقات إلى طبيعتها، ما أتاح الفرصة لطهران لمدّ الجيش السوداني بأسلحة متطورة أبرزها الطائرات المسيّرة، التي قلبت الموازين لصالح الجيش في عدد من المعارك.
وعقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 إبريل/ نيسان العام الماضي، غاب الصادق عن الأنظار لأشهر حتى تمكّن في مطلع يوليو/ تموز الماضي من مغادرة الخرطوم والعودة إلى ممارسة نشاطه الدبلوماسي من مدينة بورتسودان التي تحولت لعاصمة إدارية للبلاد، بسبب القتال الضاري في الخرطوم.
عمل الصادق، الذي التحق بوزارة الخارجية في ثمانينيات القرن الماضي، في مناصب دبلوماسية عدة منها: ناطق رسمي باسم الوزارة، وسفير للسودان في كل من لبنان وهولندا وكينيا. وخلال عمله ناطقاً رسمياً، في 2015، واجه الصادق ظرفاً استثنائياً إذ هربت ابنته، وهي طالبة بكلية الطب، من الخرطوم إلى سورية، وانضمت لتنظيم "داعش"، لكنها عادت إلى حضن أسرتها في 2018.
ويقول مقربون من الصادق إن إقالته جاءت لرغبته في ترك الوزارة والاكتفاء بالعمل سفيرا خارج السودان، وكشفوا عن ترشيحه سفيراً للسودان في لندن، والآن هو في انتظار موافقة المملكة المتحدة.
وقال سفير السودان السابق لدى الاتحاد الأوروبي، علي يوسف، لـ"العربي الجديد" إنّ الصادق عيّن في منصب وزير الخارجية بالأساس لتراتيبيته الوظيفية، وأن تكليفه حدث في ظرف بالغ التعقيد، أعقبته حرب عالية التكاليف، بعد المحاولة الفاشلة لقوات الدعم السريع للاستيلاء على السلطة.
وأضاف يوسف أن الصادق نجح في الحفاظ على وزارة الخارجية من الانهيار بدعم من كل زملائه السفراء والدبلوماسيين، ثم قاد جهود السودان في الدفاع عن سيادة البلاد وسلامة شعبها وأراضيها في المحافل الإقليمية والدولية، مبيناً أنه رغم بعض الانتقادات لأدائه، فلا علاقة لقرار رئيس الوزراء بالأداء، مرجحاً ابتعاث الصادق في مهمة خارجية لها أهمية كبيرة.