يثير قرار وزارة الخارجية المصرية، السبت الماضي، بفرض تأشيرة دخول مسبقة على المواطنين السودانيين الفارّين من النزاع المسلح الدائر في بلادهم منذ نحو شهرين، والوافدين إلى مصر، تساؤلات حول توقيته ودوافعه بجانب انتقادات في الأوساط الحقوقية، حيث اعتبر القرار بمثابة عبء جديد يضاف إلى معاناة اللاجئين.
وفي وقت قال فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تصريحات، السبت الماضي، إن بلاده تستضيف 9 ملايين شخص، قالت وزارة الخارجية المصرية، في اليوم نفسه، إن فرض تأشيرة دخول على السودانيين جاء بهدف "مواجهة أنشطة غير قانونية تشمل تزوير تأشيرات"، والهدف منه "وضع إطار تنظيمي لعملية دخول الإخوة السودانيين لمصر، وليس الغرض منه منع أو الحد من أعداد المواطنين السودانيين الوافدين". وأضافت أنه "يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن مسؤولية توفير البنية الأساسية الصحية والتعليمية والسكنية لكل هؤلاء، تقع على عاتق الحكومة المصرية المسؤولة عن توفير الخدمات الأساسية للمواطنين السودانيين الموجودين على أراضيها".
تدفق اللاجئين السودانيين إلى مصر
وقال باحث الدكتوراه بقسم العلاقات الدولية في جامعة "إسطنبول أيدن" عمار فايد لـ"العربي الجديد"، إنه "في بداية الأزمة كان هناك حالة من التعاطف من الجانب المصري، ومع استمرار التقاتل في السودان، أصبح هناك تقدير عام بطول فترة الصراع هناك، وبالتالي تسهيلات الدخول ستزيد من أعداد الوافدين".
عمار فايد: مصر في حالة لا تسمح لها باستضافة لاجئين
وتابع فايد أن "مصر في حالة لا تسمح لها باستضافة لاجئين بحاجة إلى رعاية وتوفير أماكن للسكن، ودعم منتظم سواء دعم عيني من الأغذية والملابس أو دعم تنظيمي له علاقة بوضعهم داخل البلد، من تصريحات العمل والسماح بالتعليم وتقنين الأوراق والأوضاع"، لافتاً إلى أن هذا الأمر "يسبب ضغطاً وعبئاً إضافياً على مصر، في ظل معاناتها من أزمة اقتصادية".
وبالتالي رجّح فايد "أن تكون القرارات الأخيرة ومحاولة التقنين تهدف بشكل واضح إلى التقييد، بمعنى أن من يدخل البلد سيكون بشكل قانوني، وعملية منح التأشيرة منها جزء متعلق بالفحص الأمني حسب قاعدة البيانات المصرية". ولفت إلى أن "السلطات المصرية تحاول إقناع الجانب الأوروبي والأمم المتحدة، بأنها تستضيف ملايين اللاجئين، وبالتالي تستحق برامج للتعامل مع هؤلاء اللاجئين، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي يقول بالمقابل "إن أعداد اللاجئين أقل كثيراً من الأرقام التي تسوق لها الدولة المصرية".
مخاوف أمنية
وأشار فايد إلى وجود بُعد آخر يتعلق بأن "الجانب المصري متداخل بشكل أو بآخر في الأزمة السودانية ومحسوب على جانب الجيش السوداني"، وبالتالي فمصر "ليست بصدد استقبال أشخاص قد يكونوا غاضبين من الموقف المصري، فيتسبب ذلك في أي عمل تخريبي أو انتقامي ولو بشكل فردي".
وبرأيه فإن "المخاوف الأمنية والضغوط الاقتصادية تدفع الجانب المصري إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات"، موضحاً أنه من الطبيعي أن تزداد الأنشطة غير القانونية عبر الحدود في الفترة المقبلة، "سواء أنشطة تهريب البشر أو الأسلحة، لأن استمرار المعارك يستدعي من قوات الدعم السريع وجود منظومة دعم لوجيستي تعمل باستمرار، وهذا لن يحدث إلا عبر المثلث الحدودي مصر وليبيا وتشاد". وبالتالي توقّع فايد أن يكون "جزء من الإجراءات القادمة هو التشديد الأمني العام على المنطقة الحدودية، ليس فقط بهدف منع اللاجئين من الدخول، لكن كذلك لمنع الأنشطة التي تقلق الجانب المصري، من تهريب البشر والأسلحة والمقاتلين والمرتزقة".
ولفت فايد إلى وجود آراء أخرى لا يمكن أن يجزم بصحتها أو خطئها، "لكنها تشير إلى وجود صراع حدودي بين مصر والسودان في مثلث حلايب وشلاتين (على ساحل البحر الأحمر)، ودخول سودانيين بأعداد كبيرة إلى هذه المناطق الحدودية قد يغير الطبيعة الديمغرافية للمكان ويصبح أغلب الموجودين سودانيين، فيصبح أمراً واقعاً يعزز من الرواية السودانية ويزيد من المخاوف المصرية".
ظروف إنسانية تفرض تسهيل إجراءات اللجوء
من جهته، قال مدير "مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان"، أحمد المفتي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحصول على تأشيرة دخول هو أمر سيادي لكل دولة، بحيث تقرر الإجراءات التي تراها مناسبة". لكن هناك اعتبارين برأيه، الأول "أن المواطن السوداني يمر بظروف إنسانية قاهرة جداً اضطرته للخروج من بلده متجهاً إلى مصر، والاعتبار الآخر هو العلاقة الخاصة والقوية والتاريخية بين الشعبين المصري والسوداني، فكان المتوقع من الجانب المصري أن يخفف القيود".
أحمد المفتي: المواطن السوداني يمر بظروف إنسانية قاهرة
ولفت إلى أنه في بداية الأزمة كان هناك تسهيلات لكبار السن والأطفال والنساء إلا أن "ما يحدث عكس ما نتوقعه، حيث تضاعفت القيود".
وأشار المفتي إلى أن الضغط على السلطات المصرية من التدفق البشري غير العادي وغير المسبوق شيء مفهوم، لكن في نفس الوقت تمنى مراجعة هذا القرار نظراً للظروف الخاصة، وهو الأمر المتوقع من مصر، خاصة أن الدول الأخرى المجاورة للسودان، مثل دولة تشاد وإثيوبيا وجمهورية جنوب السودان، سهلوا كثيراً من إجراءات دخول السودانيين.
وبرأي المفتي فإن "الدافع المصري لهذا التشديد هو الحرص الأمني، إلى جانب البُعد اللوجيستي، لأن القادمين من السودان سيشكلون ضغطاً على الخدمات في مصر، خاصة في ظل تزايد الأعداد"، مشيراً إلى أنه "في البداية كانت أعداد الوافدين تتراوح بين ألف شخص حتى ألفي شخص في كل دفعة، أما اليوم فأصبحت دفعات القادمين بها عشرات الآلاف من السودانيين". وأوضح أن التعامل مع هذه الأعداد "يستغرق وقتاً طويلاً حتى في وجود التسهيلات، فتخيّل صعوبة الأمر مع التضييق الأخير".
من جهته قال أستاذ القانون الدولي العام، أيمن سلامة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "في الحالة السودانية، وحين تكون الحشود كبيرة على المنافذ البرية أو البحرية لمصر، كدولة جوار، ويخشى من أن ترتكب أفعال تنتهك مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة، فيمكن لمصر وبالتنسيق مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، من خلال مكتبها في القاهرة، أن تمنحهم (اللاجئون) ما يطلق عليه "حق اللجوء المؤقت" لحين تسوية أوضاعهم القانونية في مصر".
وأشار إلى أن "كافة الدول الأطراف في اتفاقية اللاجئين (اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ، وبروتوكولها لعام 1967)، ملزمة بأن تصدر التشريعات الداخلية الملزمة المتسقة مع الاتفاقية". وأضاف أنه لذلك "من المهم أن تقوم السلطات المصرية وعلى وجه السرعة وليس التسرّع، بإصدار التشريعات واللوائح التنظيمية اللازمة لمجابهة، ليس فقط الحالة الطارئة والعدد الضخم من اللاجئين السودانيين، ولكن لأية حالات ومستجدات بخصوص اللاجئين الإنسانيين".
أيمن سلامة: المجتمع الدولي عليه واجب تجاه مصر
وفي السياق أكد سلامة أن "المجتمع الدولي عليه واجب تجاه مصر، مثلما فعل مع تركيا بعد اندلاع الحرب في سورية التي لا تزال دائرة منذ 2011، حيث منح تركيا المليارات لأجل اللاجئين المقيمين هناك". ولفت إلى أن "مصر دولة نامية ومن ثم فإن البنية التحتية والوفاء بحقوق اللاجئين فيها، سواء صحة أو تعليم أو عمل علاج وغيره، يستلزم أن يكون هناك تنسيق مع المجتمع الدولي ومع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من أجل بحث مطالب واحتياجات مصر المهمة والعاجلة في شأن اللاجئين السودانيين".
الخط الزمني لأزمة التأشيرات المسبقة على السودانيين
في غضون ذلك أوضح الباحث الحقوقي والمدير التنفيذي لـ"منصة اللاجئين في مصر" نور خليل، في حديث لـ"العربي الجديد"، الخط الزمني للأزمة، قائلاً إنه في "يوم 30 مايو/أيار الماضي، تحصلنا على وثيقة داخلية لشركة مصر للطيران بها إخطار وتعميم بضرورة حصول الركاب من الجنسية السودانية على تصريح أمني، خاصة الوافدين من جدة، نظراً لنزوح البعض إلى منطقة بورتسودان، ومنها إلى جدة عبر العبارة البحرية، ومن جدة إلى مصر، وغير المعروف حتى اللحظة من هي الجهة المسؤولة عن إصدار هذا التصريح أو كيفية الحصول عليه".
وأضاف أنه "كان المعمول به منذ بداية الأزمة، دخول السودانيين من النساء أو الأطفال تحت 16 عاماً أو الرجال فوق 50 عاماً، وكان من السهل الحصول على التأشيرة المصرية للفئة الباقية". ولفت إلى أنه لاحقاً "شرعت الحكومة المصرية في سلسلة من التقييد والحصار، ففي نهاية الشهر الماضي، أوقف الجانب المصري التعامل بوثائق السفر الاضطرارية، وهي وثيقة بديلة لجواز السفر، بعد أن أعلن كل من الجانبين السوداني والمصري عن القبض على شبكة تزوير لتلك الوثائق".
وأضاف خليل أنه "بعد ذلك، في يوم 4 يونيو/حزيران الحالي، توقف الجانب المصري عن قبول جوازات السفر الممددة، كما منع إضافة الأطفال على جوازات سفر ذويهم". وأشار إلى أن "آخر ما فرضته مصر من قيود على النازحين السودانيين، هو القرار الأخير المعمّم على معبر أرقين ومعبر أشكيت/قسطل، بعدم السماح بدخول السودانيين إلى مصر إلا بعد الحصول على تأشيرة دخول مسبقة من القنصلية المصرية في وادي حلفا أو بورتسودان (في السودان)".
وأوضح أن "هذا الأمر يزيد من معاناة السودانيين، فحسب المعلومات التي لدينا تستغرق استخراج التأشيرة بين 10 أيام لشهر كامل، ومتوسط إصدار التأشيرات بين 10 - 20 تأشيرة فقط يومياً، وهناك زحام شديد أمام القنصليات المصرية، وأشخاص متورطون في فساد مالي ورشى لاستخراج التأشيرات مقابل مبالغ مالية، فضلاً عن بقاء السودانيين في العراء أمام القنصليات في انتظار دورهم، يعانون من نقص الطعام والشراب والعلاج".