أنهى وفد برلماني ليبي برئاسة رئيس مجلس النواب المكلف فوزي النويري زيارة رسمية لتركيا بين يومي 15 و17 الشهر الجاري، في وقت لا يزال فيه توقيت وأهداف الزيارة يثيران أسئلة، فهل انتهت القطيعة التي دامت سنوات بين معسكر شرق ليبيا وأنقرة، وما نتائجها على الصعيد السياسي الليبي الملبد بغيوم الغموض والجمود؟
أوضح بيان الوفد البرلماني، الذي صدر إثر رجوع الوفد إلى ليبيا ليل أمس السبت، أن الزيارة جاءت بدعوة رسمية من مجلس الأمن التركي، وتم خلالها عقد جملة من اللقاءات "المثمرة"، من بينها لقاءات مع لجنة الصداقة البرلمانية التركية الليبية، ولقاء مع وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو.
كما أشار البيان إلى أن رئيس مجلس النواب المكلف فوزي النويري التقى، برفقة الوفد البرلماني الليبي، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من دون تفاصيل أخرى عن هذا اللقاء.
وفيما ذكر البيان نتائج "تشكيل لجنة الصداقة بين البرلمانين"، و"العمل على تخفيف معاناة الليبيين من خلال تخفيف القيود الإجرائية على الجالية الليبية"، بالإضافة لفتح المجالين الجوي والبحري بين بنغازي وأنقرة، لم يذكر أي نتيجة تتعلق ببحث مستجدات الوضع السياسي الليبي، على الرغم من إشارة المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، إلى أن الوفد ناقش "تطورات الأوضاع السياسية في ليبيا والمنطقة بشكل عام".
وبالإضافة للتوقيت الحساس للزيارة، كان من اللافت أن الوفد تكوّن من شخصيات برلمانية متشددة في موقفها من السياسة التركية في الملف الليبي، خصوصاً الاتفاقات الأمنية والبحرية التي وقعتها تركيا مع طرابلس إبان ولاية حكومة "الوفاق الوطني"، وتحديداً عيسى العريبي وبدر النحيب المعروفين بقربهما من قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وجاءت الزيارة بعد أيام من زيارة أجرتها اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، التي تضم في عضويتها خمسة ضباط ممثلين حفتر، يُعدّون أكثر الضباط قرباً منه، لا سيما اللواء خيري التميمي مدير مكتبه الخاص، لمناقشة ملف انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة، ولاقت ترحيباً تركياً ووعداً بالدعم.
دوافع اقتصادية لا سياسية؟
ودافع عضو مجلس النواب محمد سعد عن موقف مجلس النواب السياسي من التعامل التركي في الملف الليبي، وقال "موقف مجلس النواب لا يزال واضحاً من التدخلات التركية، لكن هذا لا يعني ألا يسعى لفتح مساحات لخلق تفاهمات أو البحث عن طرق لتسوية أي ملف عالق"، معتبراً أن الزيارة جاءت في سياق فتح مستويات جديدة لتجسير هوة الخلافات بين البلدين.
وأشار سعد في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن الوفد سيقدّم تقريره لمجلس النواب، مرجحاً أن يتضمن التقرير حديثاً عن مساعٍ على مستوى عالٍ للبحث في فرص للتقارب، من بينها "تسوية قضية الاتفاق العسكري الذي وقعته تركيا مع حكومة الوفاق التي لم يعترف بها مجلس النواب"، موضحاً أن النواب في انتظار تقرير الوفد البرلماني حتى يمكن الحكم على نجاح الزيارة من عدمها.
ويعتبر الناشط السياسي الليبي صالح المريمي أن بيان الوفد البرلماني أغنى عن التقرير، فقد أوضح أن الزيارة ركزت على الصعيد الاقتصادي، وقال "الزيارة جاءت بدعوة تركيا، وتأتي في سياق بحث تركيا عن معالجة أزماتها الاقتصادية وتصفير مشاكلها مع كل الأطراف في المنطقة"، لافتاً إلى أن بيان الوفد تحدث عن فتح قنوات للتواصل الاقتصادي عبر بنغازي وأنقرة، بما في ذلك فتح المجال البحري والجوي، وأيضاً إمكانية فتح قنصلية تركية في بنغازي.
ويذكّر المريمي في حديثه لـ"العربي الجديد" بأن ليبيا وجهة اقتصادية كبيرة بالنسبة لتركيا، قائلاً: "الأمر ليس جديداً، ففي عهد النظام السابق، وصلت قيمة الاستثمارات التركية في ليبيا إلى 16 مليار دولار، لكن الحروب والمواقف السياسية التركية عطّلت الكثير منها، خصوصاً في شرق البلاد"، مشيراً إلى أن تقارير تركية تحدثت عن حجم التبادل التجاري التركي الليبي الذي يصل إلى أكثر من 3 مليارات دولار، بالإضافة إلى أن ليبيا موقع استراتيجي هام بالنسبة للراغبين في الوصول إلى العمق الأفريقي.
وفيما يرى المريمي أن دوافع الزيارة اقتصادية أكثر منها سياسية، يوافق على إمكانية تأثيرها النسبي على مستجدات الوضع السياسي في ليبيا، قائلاً: "لن يكون بمقدور أنقرة وحدها تغيير الكثير في المستجدات الليبية، خصوصاً إذا نظرنا إلى أن العاصفة الانتخابية التي قد تطيح العملية السياسية برمتها، وبالتالي ضرورة معالجة تركيا سياساتها مع الشرق الليبي لضمان استمرار مصالحها".
رسالة تركية للقاهرة؟
ويعترف عضو الوفد البرلماني زياد دغيم، في تصريحات صحافية، بأن الزيارة "جاءت تماشياً مع حالة التقاربات الحاصلة في المنطقة، وبهدف تحسين علاقات ليبيا بكافة الدول في المنطقة، ومنها دولة تركيا". وإن لم يتطرق دغيم إلى الجانب السياسي في الزيارة، إلا أن الباحثة الليبية في الشأن السياسي مروة الفاخري ترى أن ما لم يرد دغيم قوله هو أن وفده ما هو إلا أداة لتنفيذ أوامر وردت لمعسكر شرق ليبيا بضرورة التقارب مع تركيا.
وأوضحت رأيها لـ"العربي لجديد" بالقول إنه "في ظل التقارب التركي الحاصل مع أبوظبي والرياض، كان من الضروري أن يتم الانفتاح على مجالات نفوذ هذه الدول، ومن بينها معسكر شرق ليبيا"، مشيرة إلى أن دعوة تركيا للوفد البرلماني للزيارة هي رسالة أخرى ضمنية موجهة للقاهرة أيضاً لتحريك المفاوضات الاستكشافية بينهما، وإعطائها دفعة.
وتابعت الفاخري بالقول "إن تكشف هذه الزيارة عن شيء، فإنما تكشف عن أن قرارات عقيلة صالح وخليفة حفتر تصنع في دوائر القرارات في أبوظبي بالدرجة الأولى".
وبغض النظر عن خلفياتها السياسية أو الاقتصادية، تؤكد الفاخري أن هذا الانفتاح سيلقي بظلاله الإيجابية على عملية السلام في ليبيا.
وفيما تشير الفاخري إلى تأثير الانفتاح التركي على المسار العسكري من خلال تقدم وشيك في ملف المرتزقة والقوات الأجنبية، ترى أن تأثيرها في المسار السياسي سيكون أكثر، وتقول "الانفتاح التركي على المنطقة بدأت ملامح تأثيره واضحة من خلال الحديث عن تقارب وشيك في أزمة الانتخابات الليبية، وهو ما يؤكد ثقل الموقف التركي في الملف الليبي".