- تزايد الضغوط على نتنياهو لتغيير موقفه من حرب غزة وسط تحذيرات من قوى يهودية مؤثرة ونقاشات داخل الولايات المتحدة حول الدعم المفتوح لإسرائيل والمساعدات المالية، مع دعوات لإعادة تقييم العلاقات.
- البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية يسعيان لتفاهمات تحفظ ماء الوجه بشأن رفح وترتبط بمفاوضات صفقة الأسرى والهدنة، فيما يطلب نتنياهو المزيد من الأسلحة من الولايات المتحدة ويستغل الجمهوريون الوضع لتحريضه على التصعيد مع بايدن.
من المتوقع أن تبدأ في واشنطن، اليوم الاثنين، محادثات بين وفد إسرائيلي ومسؤولين أميركيين بدعوة من الرئيس الأميركي جو بايدن لمعالجة الخلافات بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول إدارة حرب غزة وبشكل خاص وضع مدينة رفح، الذي تحول إلى عملية تحد بينهما كل لحساباته.
وتأتي هذه المحادثات بعد عودة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من زيارته السادسة إلى إسرائيل والمنطقة التي انتهت، كسابقاتها، دون أن يقوى على زحزحة نتنياهو عن قراره باجتياح مدينة رفح رغم اعتراض البيت الأبيض وتحذير الأمين العام للأمم المتحدة.
ومع أن تركيبة الوفد الإسرائيلي برئاسة الوزير المتشدد والمقرب جداً من نتنياهو رون ديرمر، لا توحي بليونة إسرائيلية، إلا أن التوقعات تميل إلى ترجيح حلحلة باتجاه التفاهم حول صيغة تحفظ ماء وجه بايدن الذي لا يحتمل فشل دعوته لهذا اللقاء في عقر داره وفي هذه اللحظة الانتخابية الدقيقة.
وجرى تمرير تسريبات في الفترة السابقة تلوح باتخاذ إجراءات، لم تقدم الإدارة على اتخاذها حتى الآن، إذا استمر نتنياهو متشبثاً بعناده، ومنها فرض قيود على استخدام بعض الأسلحة الأميركية والامتناع عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار يدعو إلى وقف نار غير مشروط، بالإضافة لعوامل أخرى ضاغطة على نتنياهو، أهمها تحذيرات قوى يهودية وازنة بحجمها وتأثيرها ومحسوبة على خط الحزب الديمقراطي من عواقب استمراره في تحدي ومشاكسة البيت الأبيض في حرب تخوضها إسرائيل بسخاء الدعم المفتوح الذي وفره بايدن لها.
ولا بد أن هذه القوى اليهودية تشعر بالقلق من اعتراض جهات عديدة في الكونغرس، كما في أوساط النخب وأهل الرأي، على الدعم الأميركي المفتوح مع الإشارة لحجم المساعدات المالية الأميركية التي تسلمتها إسرائيل "اثناء سنوات وجود نتنياهو في رئاسة الحكومة" وتأنيبه على جحوده، بحسب المرجع الديمقراطي جيمس كارفيل. كما يقلقها انتعاش الخطاب الداعي إلى "وجوب إعادة تقييم العلاقات مع إسرائيل" على قاعدة أن "الدعم المفتوح لها يقوض مصالح أميركا، كما كشفت حرب غزة"، بحسب جون هوفمان، من مؤسسة كاتو للدراسات في واشنطن، مع أن ترجمة هذا الخطاب غير واردة في المدى المنظور، إلا أن استحضاره في ظل مشهدية الحرب يراكم حيثياته ويثير خشية المعنيين بضمان امتيازات إسرائيل في واشنطن.
صحوة بايدن المتأخرة
وفي هذا السياق، يؤخذ على بايدن نومه العميق عن انتهاكات وارتكابات إسرائيل الفاحشة، إلى أن صحا على رفح بعد أكثر من خمسة أشهر من التدمير والإبادة في القطاع وبعدما بدأت الكارثة تؤذي حساباته، لا سيما الانتخابية. وتعود صحوته المتأخرة، على الأقل في جانب منها، إلى كونه ملكياً أكثر من الملك. ففي عُرفه "لا ينبغي ان تكون يهودياً لتكون صهيونياً.. وعليه فأنا صهيوني"، كما أعلن خلال مشاركته في اجتماع الحكومة الإسرائيلية أثناء زيارته لإسرائيل، بُعيد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وكررها في لقاء احتفالي يهودي في البيت الأبيض.
لكن تحمّس الصهيوني الدخيل لهذا الانتماء الطوعي لم يسعفه في التعامل مع الصهيوني الأصيل نتنياهو، الذي عرف كيف يوظف اندلاق الرئيس في خدمة تماديه في حرب الإبادة والتجويع في غزة تحت غطاء أميركي ومن دون أن يستجيب حتى لنصائح البيت الأبيض. وتسبب ذلك بتزايد التوتر والنفور المتبادل بينهما بما ينذر "بأزمة جديّة ولو أن الوقت ما زال متاحاً لاجتنابها" بحسب دانيال كيرتزر، السفير الأميركي السابق في إسرائيل ومصر، وكلامه هذا سبقته تحذيرات مماثلة لجهات مختلفة أبدت خشيتها من انفلات حرب نتنياهو. والوقت المتاح الذي قصده السفير قد توفره محادثات واشنطن على الأرجح، على أساس أن كليهما بحاجة إلى عودة "لتصفية القلوب"، بحسب تعبير بايدن.
ويشير إرسال حكومة نتنياهو وزير الأمن يوآف غالانت إلى واشنطن بالتزامن مع زيارة الوفد في مهمة لطلب المزيد من الأسلحة والذخائر إلى نية نتنياهو في العمل على حلحلة الاشتباك مع البيت الأبيض.
وحاول الجمهوريون في الكونغرس تحريض نتنياهو على التصعيد مع بايدن من خلال التلويح بدعوته لإلقاء خطاب أمام مجلسي الكونغرس للاستقواء به، كما جرى في 2015، لكن أوضاعهم المضطربة، خاصة في مجلس النواب، تفاقمت في الأيام الأخيرة بعد تهديد فريق منهم بالاطاحة برئيس مجلس النواب وخلعه من منصبه.
ومن جهته، يبدو أن البيت الأبيض منفتح هو الآخر على التفاهم بعدما "فشلت محاولاته لفرط حكومة نتنياهو من داخلها". وفي ضوء ذلك صار من غير المستبعد أن يلتقي الجانبان على صيغة يجري تدوير زواياها بشأن رفح ويكون هدفها ترحيل العملية العسكرية بصورة ملتبسة ومؤجلة إلى ما بعد الانتهاء من إقامة مخيم مؤقت لتحييد المدنيين، ومن ناحية ثانية تكون مرهونة بمصير مفاوضات صفقة الأسرى والهدنة الجارية في الدوحة.